بحث في قصة مقتل أحمد بن نصر الخزاعي وخروجه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فيذهب بعض الناس لما أعوزه الجدل وشهوة في
نفسه إلى أن الإمام أحمد أثنى على أحمد بن نصر الخزاعي لأجل خروجه على الواثق

وهذا خطل وجهل فالمحفوظ عن أحمد الثابت
عنه النهي عن الخروج والدماء وإن كان الحاكم كالواثق

قال الخلال في السنة 89- أَخْبَرَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَنَّ أَبَا
الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي أَمْرٍ كَانَ
حَدَثَ بِبَغْدَادَ , وَهَمَّ قَوْمٌ بِالْخُرُوجِ , فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ , مَا تَقُولُ فِي الْخُرُوجِ مَعَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ ؟ فَأَنْكَرَ
ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , وَجَعَلَ يَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ , الدِّمَاءَ , الدِّمَاءَ
, لاَ أَرَى ذَلِكَ , وَلاَ آمُرُ بِهِ , الصَّبْرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ خَيْرٌ
مِنَ الْفِتْنَةِ يُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ , وَيُسْتَبَاحُ فِيهَا الأَمْوَالُ ,
وَيُنْتَهَكُ فِيهَا الْمَحَارِمُ , أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ , يَعْنِي
أَيَّامَ الْفِتْنَةِ ؟ قُلْتُ : وَالنَّاسُ الْيَوْمَ , أَلَيْسَ هُمْ فِي
فِتْنَةٍ

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَإِنْ
كَانَ , فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ , فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ
الْفِتْنَةُ , وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ , الصَّبْرَ عَلَى هَذَا , وَيَسْلَمُ لَكَ
دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ , وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الأَئِمَّةِ , وَقَالَ
: الدِّمَاءَ , لاَ أَرَى ذَلِكَ , وَلاَ آمُرُ بِهِ.

90- وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى , قَالَ
: سَمِعْتُ حَنْبَلاً يَقُولُ فِي وِلاَيَةِ الْوَاثِقِ : اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ
بَغْدَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ , وَإِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَلِيٍّ الْمَطْبَخِيُّ , وَفَضْلُ بْنُ عَاصِمٍ , فَجَاؤُوا إِلَى أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ , فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُمْ , فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ,
هَذَا الأَمْرُ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا , يَعْنُونَ إِظْهَارَهُ لِخَلْقِ
الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَمَا
تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : أَنْ نُشَاوِرَكَ فِي أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ
, وَلاَ سُلْطَانِهِ , فَنَاظَرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَاعَةً , وَقَالَ
لَهُمْ : عَلَيْكُمْ بِالنَّكِرَةِ بِقُلُوبِكُمْ , وَلاَ تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ
طَاعَةٍ , وَلاَ تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ , وَلاَ تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ

وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمُ , انْظُرُوا
فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ , وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ , أَوْ
يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ , وَدَارَ فِي ذَلِكَ كَلاَمٌ كَثِيرٌ لَمْ أَحْفَظْهُ
وَمَضَوْا , وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَمَا
مَضَوْا , فَقَالَ أَبِي لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلاَمَةَ
لَنَا وَلأُمَّةِ مُحَمَّدٍ , وَمَا أُحِبُّ لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا , وَقَالَ
أَبِي : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , هَذَا عِنْدَكَ صَوَابٌ؟ , قَالَ : لاَ , هَذَا
خِلاَفُ الآثَارِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِالصَّبِرِ , ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنْ
ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ , وَإِنْ . . . وَإِنْ فَاصْبِرْ) , فَأَمَرَ بِالصَّبِرِ , قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : وَذَكَرَ كَلاَمًا لَمْ أَحْفَظُهْ.

فإن قلت فما شأن قصة الخزاعي وثناء أحمد
عليه

فيقال أولاً هذه القصة يوردها بعض الناس
معارضة للمشهور من مذهب أحمد في المنع من الخروج واستدلالاً للخروج فوجب التعنت في
نقدها ، والأخبار المتأخرة فيها الكذب أيضاً فهذا ابن سعد روي عنه الإجابة في
المحنة وروي عنه غير ذلك ، ونعيم بن حماد افتروا عليه أنه قال بقول اللفظية ،
وأحمد افتروا عليه أنه قال لفظي بالقرآن غير مخلوق

وتحقيق الكلام أن الرواية التي تذكر خروج
ابن نصر هي ما روى الخطيب في تاريخه (6/ 397) ط بشار عواد ، حَدَّثَنِي الْقَاضِي
أَبُو عَبْد اللَّهِ الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني،
قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: كَانَ أَحْمَد بْن نصر
بْن مالك بْن الهيثم الخزاعي من أهل الحَدِيث، وكَانَ جده من رؤساء نقباء بني
الْعَبَّاس، وكَانَ أَحْمَد وسهل بْن سلامة حين كَانَ المأمون بخرسان بايعا الناس
عَلَى الأمر بالمعروف وَالنهي عَنِ المنكر، إِلَى أن دخل المأمون بغداد فرفق بسهل
حتى لبس السواد، وأخذ الأرزاق، ولزم أَحْمَد بيته، ثم إن أمره تحرك ببغداد فِي آخر
أيام الواثق، واجتمع إليه خلق من الناس يأمرون بالمعروف إِلَى أن ملكوا بغداد،
وتعدى رجلان من أصحابه يقال لأحدهما: طَالِب فِي الجانب الغربي، ويقال للآخر: أَبُو
هارون فِي الجانب الشرقي، وكَانَا موسرين فبذلا مالا، وعزما عَلَى الوثوب ببغداد
فِي شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، فنم عليهم قوم إِلَى إِسْحَاق بْن
إِبْرَاهِيم، فأخذ جماعة فِيهم أَحْمَد بْن نصر، وأخذ صاحبيه طالبا، وأبا هارون
فقيدهما، ووجد فِي منزل أحدهما أعلاما، وضرب خادما لأَحْمَد بْن نصر فأقران هؤلاء
كَانُوا يصيرون إليه ليلا، فِيعرفونه ما عملوا، فحملهم إِسْحَاق مقيدين إِلَى سر
من رأى، فجلس لهم الواثق، وَقَالَ لأَحْمَد بْن نصر: دع ما أخذت له، ما تقول فِي
القرآن؟ قَالَ كلام اللَّه، قَالَ: أفمخلوق هو؟ قَالَ: هو كلام اللَّه، قَالَ: أفترى
ربك فِي القيامة؟ قَالَ كذا جاءت الرواية فَقَالَ: ويحك يرى كما يرى المحدود
المتجسم، ويحويه مكَانَ، ويحصره الناظر؟ أَنَا أكفر برب هذه صفته، ما تقولون
فِيهِ؟ فقال عَبْد الرحمن بْن إِسْحَاق، وكَانَ قاضيا عَلَى الجانب الغربي ببغداد،
فعزل: هو حلال الدم، وَقَالَ جماعة من الفقهاء كما قَالَ، فأظهر ابْن أَبِي دؤاد
أنه كاره لقتله، فَقَالَ للواثق: يا أمير المؤمنين شيخ مختل لعل بِهِ عاهة أو تغير
عقل، يؤخر أمره، ويستتاب، فَقَالَ الواثق: ما أراه إلا مؤديا لكفره قائما بما
يعتقده منه، ودعا الواثق بالصمصامة، وَقَالَ: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي،
فإني أحتسب خطاي إِلَى هذا الكافر الَّذِي يعبد ربا لا نعبده، ولا نعرفه الصفة
التي وصفه بِهَا، ثم أمر بالنطع، فأجلس عَلَيْهِ وَهُوَ مقيد، وأمر بشد رأسه بحبل،
وأمرهم أن يمدوه ومشى إليه حتى ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إِلَى بغداد، فنصب فِي
الجانب الشرقي أياما، وفِي الجانب الغربي أياما، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا فِي
الحبوس.

ولم يأت في شيءٍ من الروايات التي فيها
مجيء الفقهاء البغداديين إلى أحمد ، أن أحمد بن نصر كان معهم وفي هذه الرواية أنه
التحرك كان من بعض أصحابه ، وأنهم لم يخرجوا بل كشفوا قبل الخروج ، ثم إنا لا ندري
أكان ذلك بمعرفةٍ من أحمد بن نصر أم لم يكن ، وشهادة خادمه عليه بالمعرفة لا تكفي
إذ أنه مبهم ، ولا يعرف مكانه من العدالة ، فلا يصلح أن ننسب إلى إمامٍ من الأئمة
مذهباً برواية مبهم

والراوي عن هذا المبهم الجهمية الذين
يريدون تبرير جريمتهم

ثم دعك من هذا كله ، هذه الحادثة حصلت عام
231 ، ويرويها ، محمد بن يحيى الصولي المتوفى عام 335 ، أي بين وفاته وبين هذه
القصة 104 أعوام ، فهو مفتقرٌ إلى واسطةٍ في هذه القصة ، نعم قد صح وتواتر قتل
الواثق لأحمد بن نصر الخزاعي ، ولكن لا يمكن الوثوق بكل ما في هذه القصة من حيثيات
، فإن كثيراً من الحوادث قد صح أصلها ولكن الناس أضافوا إليها ما أضافوا ، بل إن
أكثر كذب الكذابين في قصصٍ قد ثبت أصلها ، كما وضع الوضاعون الكثير في شأن حروب
الردة ، وعام الرمادة ، ومقتل عثمان ، مقتل الحسين ، وغيرها من الحوادث التاريخية
المهمة ، ثم إن المرزباني راوي الخبر عن الصولي كان معتزلياً فربما أسقط من سند
الرواية ما يبين عوارها

وقول أحمد أبي العينين أن الصولي قد يكون
عمر كلام فارغ فإن التعمير من مستطرفات الأمور التي لو حصلت لشخص لذكرت في كل
ترجمة له

وهذه الرواية ليس فيها أنه اعترف بالخروج
بل ظاهرها أنه لم تؤخذ أقواله في المسألة وإنما امتحن على القرآن فثبت ومن هذا
الوجه أثنى عليه أحمد

بل في روايات كثيرة يذكر أنه علق في عنقه
رقعة :”  رقعة هذا رأس الكافر المشرك
الضال وهو أحمد بن نصر بن مالك ممن قتله الله على يدى عبد الله هارون

الامام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن
أقام عليه الحجة في خلق القرآن ونفى التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه من الرجوع إلى
الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح والحمد لله الذى عجل به إلى ناره وأليم عقابه”

وفي تاريخ الطبري بسند فيه مبهم في سياق
طويل غريب أن أحمد بن نصر تبرأ من الفتنة (7/326) :” ثم أخذ خصى لاحمد ابن
نصر فتهدد فأقر بما أقر به عيسى الاعور فمضى إلى أحمد بن نصر وهو في الحمام فقال
لاعوان السلطان هذا منزلي فإن أصبتم فيه علما أو عدة أو سلاحا لفتنة فأنتم في حل
منه ومن دمى ففتش فلم يوجد فيه شئ”

فإن قيل : إنما قال ذلك تقية

فيقال : أفلا يكون لكم عبرة في ذلك إذ أنه
لما علم أنه لا قدرة له بالقوم ما ثار وما أكثر الكلام بل تبرأ من الخروج

والثورات اليوم هدفها الديمقراطية فمن
أدخل أحمد بن نصر وسعيد بن جبير في الأمر فهو ملحد دجال فهؤلاء أهدافهم مختلفة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم