فهذا في بحث في قصة تنصر عبيد الله بن جحش ، ووصيته بأم حبيبة – رضي الله
عنها وعن أبيها – للنبي صلى الله عليه وسلم ، التي بنى عليها بعض الناس استنكار حديث
ثابت في صحيح مسلم
قال أحمد في مسنده 27408 : حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ،
وَعَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ:
أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَكَانَ
أَتَى النَّجَاشِيَّ ـ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ:
وَكَانَ رَحَلَ إِلَى النَّجَاشِيِّ ـ فَمَاتَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ وَإِنَّهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، زَوَّجَهَا
إِيَّاهُ النَّجَاشِيُّ وَمَهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ، ثُمَّ جَهَّزَهَا مِنْ عِنْدِهِ،
وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ شُرَحْبِيلَ
ابْنِ حَسَنَةَ، وَجِهَازُهَا كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، وَلَمْ يُرْسِلْ
إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ، وَكَانَ مُهُورُ
أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ
“
ليس فيه ذكر تنصر عبيد الله بن جحش ومع ذلك فإن الراجح فيه الارسال ، ثم
إنني لا أعرف لعروة سماعاً من أم حبيبة ، وقد طعن ابن المديني في سماعه من زيد بن ثابت
وقد تأخرت وفاته عن أم حبيبة في قول أكثر المؤرخين
وقال الحاكم في مستدركه 6847 : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ الْحَلَبِيُّ ، ثنا حَجَّاجُ
بْنُ أَبِي مَنِيعٍ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ: فَتَزَوَّجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ
، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ أَسَدِ خُزَيْمَةَ
، فَمَاتَ عَنْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانَ خَرَجَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا
، ثُمَّ افْتُتِنَ وَتَنَصَّرَ ، فَمَاتَ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ ، وَأَثْبَتَ اللَّهُ
الْإِسْلَامَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ وَالْهِجْرَةَ ، ثُمَّ تَنَصَّرَ زَوْجُهَا وَمَاتَ
وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ وَأَبَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ تَتَنَصَّرَ
، وَأَتَمَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا الْإِسْلَامَ وَالْهِجْرَةَ حَتَّى قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ
فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ” . قَالَ الزُّهْرِيُّ: ” وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَزَوَّجَهَا
إِيَّاهُ وَسَاقَ عَنْهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً “
وهذا مرسل
وقال أبو نعيم معرفة الصحابة 6776 : حدثنا فاروق الخطابي ، ثنا زياد بن
الخليل ، ثنا إبراهيم بن المنذر ، ثنا محمد بن فليح ، ثنا موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب
، في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة من بني أمية بن عبد شمس :
أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وابنتها
حبيبة بنت عبيد الله بن جحش ، وتوفي عبيد الله ثم نصرانيا .
وهذا أيضاً مرسل للزهري
جاء في علل الدارقطني :” 4027 – وسُئِل عَن حَدِيثِ عُروَة بنِ الزُّبَيرِ
، عَن أُمِّ حَبِيبَة ، أَنَّها كانَت تَحت عُبَيدِ الله بنِ جَحشٍ ، وكان رَحَل إِلَى
النَّجاشِيِّ فَمات ، وأَنّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم تَزَوَّج أُمّ حَبِيبَة
، وأَنَّها بِأَرضِ الحَبَشَةِ ، زَوَّجَها إِيّاهُ النَّجاشِيُّ ، ومَهَرَها أَربَعَة
آلافِ دِرهَمٍ ، ولَم يُرسِل إِلَيها رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم أَربَعَمِئَةِ
دِرهَمٍ.
فَقال : يَروِيهِ الزُّهْرِيُّ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ معمر ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، عَن أُمِّ حَبِيبَة ؛
وَخالَفَهُ عَبد الرَّحمَنِ بن خالِدِ بنِ مُسافِرٍ ؛
فَرَواهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَن عُروَة ، مُرسَلاً ، والمُرسَلُ أَشبَهُها
بِالصَّوابِ”
فرجح الدارقطني المرسل عن عروة ، والرواية المرسلة التي رجحها الدارقطني
في تاريخ دمشق (69/ 141)
وقال الحاكم في مستدركه 6850 : فَأَخْبَرَنِي مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَاقَرْحِيُّ
، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الْفَقِيهُ ، [حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ
، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ] ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ
، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ
يَخْطُبُ عَلَيْهِ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ وَأَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ
” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: ” فَمَا نَرَى عَبْدَ الْمَلِكِ
بْنَ مَرْوَانَ وَقَّتَ صَدَاقَ النِّسَاءِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ إِلَّا لِذَلِكَ
“
الواقدي كذاب
وقال الطبراني في الكبير 401 : حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا
أبي ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير : في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة
مع جعفر بن أبي طالب من بني أسد بن خزيمة عبيد الله بن جحش بن رئاب مات بأرض الحبشة
نصرانيا ومعه أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه
و سلم أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة و أم حبيبة أمها صفية بنت أبي العاص أخت
عفان بن أبي العاص عمة عثمان بن عفان
ابن لهيعة ضعيف وكان يتلقن والخبر مرسل ، وقد تقدم الخبر من طريق معمر
عن الزهري عن عروة وليس فيه ذكر التنصر
فهذا فيه مخالفة لخبر ابن لهيعة إذ ليس فيه ذكر التنصر ، وقد تقدم أن الراجح
عن الزهري المرسل
قال ابن إسحاق في سيرته ص90 :ثم تزوج رسول الله حروف بعد زينب أم حبيبة
بنت أبي سفيان، كانت قبله عند عبيد الله بن جحش بن رئاب، أحدبني أسد أخي عبد الله بن
جحش، كان تزوجها وهي بكرن وكان له منها حبيبة ابنة عبيد الله، فمات عنها بأرض الحبشة
وقد تنصر بعد اسلامه، وكانت مهاجرة معه بأرض الحبشة، فلم يصب رسول الله صلى الله عليه
وسلم منها ولداً.
وهذا معضل ، وقد يكون نفسه مرسل عروة
وقال ابن سعد في الطبقات491: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال:
حدثني سيف بن سليمان عن ابن أبي نجيح قال: وحدثني عتبة بن جبيرة الأشهلي عن يعقوب بن
عمر بن قتادة قال: سمعت شيخاً من بني مخزوم يحدث أنه سمع أم سلمة قال: وحدثنا عبد الله
بن محمد الجمحي عن أبيه عن عبد الرحمن بن سابط قالوا:
لما قدم أصحاب النبي، صلى الله
عليه وسلم، مكة من الهجرة الأولى اشتد عليهم قومهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذًى
شديداً فأذن لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية،
فكانت خرجتهم الآخرة أعظمها مشقة ولقوا من قريش تعنيفاً شديداً ونالوهم بالأذى، واشتد
عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره لهم، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله فهجرتنا
الأولى وهذه الآخرة إلى النجاشي ولست معنا؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أنتم
مهاجرون إلى الله وإلي، لكم هاتان الهجرتان جميعاً، قال عثمان: فحسبنا يا رسول الله؛
وكان عدة من خرج في هذه الهجرة من الرجال ثلاثة وثمانين رجلاً، ومن النساء إحدى عشرة
أمرأة قرشية، وسبع غرائب، فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي بأحسن جوار، فلما
سمعوا بمهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً،
ومن النساء ثماني نسوة، فمات منهم رجلان بمكة، وحبس بمكة سبعة نفر، وشهد بدراً منهم
أربعة وعشرون رجلاً، فلما كان شهر ربيع الأول سنة سبع من هجرة رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، إلى المدينة كتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى النجاشي كتاباً يدعوه
فيه إلى الإسلام، وبعث به مع عمرو بن أمية الضمري، فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وقال:
لو قدرت أن آتيه لأتيته، وكتب إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يزوجه أم حبيبة
بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت فيمن هاجر إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر
هناك ومات، فزوجه النجاشي إياها وأصدق عنه أربعمائة دينار، وكان الذي ولي تزويجها خالد
بن سعيد بن العاص، وكتب إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يبعث إليه من بقي عنده
من أصحابه ويحملهم، ففعل وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري، فأرسلوا بهم إلى
ساحل بولا وهو الجار، ثم تكاروا الظهر حتى قدموا المدينة فيجدون رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، بخيبر، فشخصوا إليه فوجدوه قد فتح خيبر، فكلم رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، المسلمين أن يدخلوهم في سهمانهم ففعلوا.
محمد بن عمر الأسلمي هو الواقدي الكذاب
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ11046: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيْدِ
بنِ العَاصِ، قَالَ:
قَالَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عُبَيْدَ اللهِ
بنَ جَحْشٍ بِأَسْوَأِ صُوْرَةٍ وَأَشْوَهِهِ، فَفَزِعْتُ، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ حِيْنَ
أَصْبَحَ:
يَا أُمَّ حَبِيْبَةَ! إِنِّي نَظَرْتُ فِي الدِّيْنِ، فَلَمْ أَرَ دِيْناً
خَيْراً مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَكُنْتُ قَدْ دِنْتُ بِهَا، ثُمَّ دَخَلتُ فِي دِيْنِ
مُحَمَّدٍ، فَقَدْ رَجَعْتُ إِلَيْهَا.
فَأَخْبَرَتْهُ بِالرُّؤْيَا، فَلَمْ يَحْفَلْ بِهَا، وَأَكَبَّ عَلَى
الخَمْرِ حَتَّى مَاتَ.
فَأَرَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ آتِياً يَقُوْلُ لِي: يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ!
فَفَزِعْتُ، فَأَوَّلْتُهَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَتَزَوَّجُنِي.
فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ انْقَضَتِ عِدَّتِي، فَمَا شَعَرْتُ إِلاَّ وَرَسُوْلُ
النَّجَاشِيِّ عَلَى بَابِي يَسْتَأْذِنُ، فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْبُرْهَة،
كَانَت تَقُوْمُ عَلَى ثِيَابِهِ وَدُهْنِهِ، فَدَخَلَتْ عَلَيَّ، فَقَالَتْ:
إِنَّ المَلِكَ يَقُوْلُ لَكِ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ
أزَوجك.
فَقُلْتُ: بَشَّرَكِ اللهُ بِخَيْرٍ.
قَالَتْ: يَقُوْلُ المَلِكُ: وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجُكِ.
فَأَرْسَلَتْ إِلَى خَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ، فَوَكَّلَتْهُ، وَأَعْطَتْ الْبُرْهَة
سِوَارَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، وَخَوَاتِيْمَ كَانَتْ فِي أَصَابِعِ رِجْلَيْهَا، وَخَدَمَتَيْنِ
كَانَتَا فِي رِجْلَيْهَا.
فَلَمَّا كَانَ أتعشي، أَمَرَ النَّجَاشِيُّ جَعْفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ
وَمَنْ هُنَاكَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَحَضَرُوا.
وهذه أوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء وهي من أكاذيب الواقدي ، وقد
نقل الذهبي نفسه في الميزان هذا النقل :”
وقال المغيرة بن محمد المهلبى: سمعت ابن المديني يقول: الهيثم بن عدي أوثق عندي من
الواقدي، لا أرضاه في الحديث، ولا في الانساب، ولا في شئ”
فيا حسرة على الحفاظ الذين إذا تكلموا في المغازي صاروا هم والقصاص سواء
قال ابن كثير في السيرة النبوية له :” وقال الزبير بن بكار: حدثني
محمد بن الحسن، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو بن زهير، عن إسماعيل بن عمرو، أن أم حبيبة
بنت أبي سفيان قالت: ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي، جارية يقال لها أبرهة
كانت تقوم على ثيابه ودهنه فاستأذنت علي فأذنت لها، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أوزجكه.
فقلت: بشرك الله بالخير.
وقالت: يقول لك الملك: وكلي من يزوجك.
قالت: فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته، وأعطيت أبرهة سوارين”
هذا منقطع وفي سنده جهالة ، وليس فيه ذكر تنصر عبيد الله بن جحش
وقال ابن كثير في السيرة النبوية له :” وأما قول عروة: إن عثمان زوجها
منه.
فغريب، لان عثمان كان قد رجع إلى مكة قبل ذلك، ثم هاجر إلى المدينة وصحبته
زوجته رقية كما تقدم.
والله أعلم.
والصحيح ما ذكره يونس، عن محمد بن إسحاق قال: بلغني أن الذي ولى نكاحها
ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص.
قلت: وكان وكيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبول العقد أصحمة النجاشي
ملك الحبشة، كما قال يونس عن محمد بن إسحاق، حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين،
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي
فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وساق عنه أربعمائة دينار”
ولا أدري ما وجه قول ابن كثير ( والصحيح ما ذكره يونس عن ابن إسحاق ) فهذا
معضل ورواية عروة مرسل فلماذا قدم المعضل على المرسل ؟
لا أدري ، ورواية محمد بن علي الحسين مرسلة وليس فيها ذكر تنصر عبيد الله
بن جحش
وقد أحسن ابن حجر حيث قال في فتح الباري (11/197) :” وَهَاجَرَتْ
أُمّ حَبِيبَة وَهِيَ بِنْت أَبِي سُفْيَان فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة مَعَ زَوْجهَا
عُبَيْد اللَّه بْن جَحْش فَمَاتَ هُنَاكَ ، وَيُقَال إِنَّهُ قَدْ تَنَصَّرَ ، وَتَزَوَّجَهَا
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْده”
فأحسن في قوله ( ويقال ) حيث مرض الخبر
وهذا الخبر في أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وهي في الحبشة
، يخالف الخبر في صحيح مسلم
قال مسلم 6493- [168-2501] حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ
الْعَنْبَرِيُّ ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا النَّضْرُ
، وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ ، حَدَّثَنَا أَبُو
زُمَيْلٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ لاَ يَنْظُرُونَ
إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلاَ يُقَاعِدُونَهُ ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ثَلاَثٌ أَعْطِنِيهِنَّ ، قَالَ : نَعَمْ قَالَ
: عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ ، أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ
، أُزَوِّجُكَهَا ، قَالَ : نَعَمْ قَالَ : وَمُعَاوِيَةُ ، تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ
يَدَيْكَ ، قَالَ : نَعَمْ قَالَ : وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ ،
كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ : وَلَوْلاَ أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ
شَيْئًا إِلاَّ قَالَ : نَعَمْ.
وسند مسلم أصح من كل تلك الأخبار الواردة في تقدم زواج النبي صلى الله
عليه وسلم لأم حبيبة قبل ذلك .
والعجيب أن عدداً من الباحثين
والحفاظ جعلوا خبر مسلم باطلاً ، وذلك الخبر – الذي أحسن أحواله الارسال – هو الصواب
! .
ويبدو أن مسلماً كان أدق نظراً
ممن تعقبه كابن حزم والذهبي وغيرهم فرأى أن هذه الرواية لا يجوز أن تعارض بتلك الروايات
المنقطعة والواهية ، ولو سرنا على منهج التسامح في الروايات التاريخية ، فلسنا نتساهل
بما عارض الأخبار الثابتة
وجعل بعض الناس الحمل في هذا الخبر على عكرمة بن عمار ، فيه نظر لأن عكرمة
بن عمار إنما تكلموا في روايته عن يحيى بن أبي كثير فقط ! ، ولا يجوز إهدار هذا الخبر
الجليل الذي فيه فضيلة أبي سفيان وابنه معاوية ، بتلك المنقطعات والواهيات
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/102) :” وَقَدْ أَكْثَرَ النّاسُ
الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَتَعَدّدَتْ طُرُقُهُمْ فِي وَجْهِهِ فَمِنْهُمْ
مَنْ قَالَ الصّحِيحُ أَنّهُ تَزَوّجَهَا بَعْدَ الْفَتْحِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ
وَلَا يُرَدّ هَذَا بِنَقْلِ الْمُؤَرّخِينَ وَهَذِهِ الطّرِيقَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ
مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالسّيرَةِ وَتَوَارِيخِ مَا قَدْ كَانَ”
فأقول : قد علمت صواب هذه الطريقة التي استبطلها ابن القيم ، وأن نقل المؤرخين
جاء بإسناد ، وخبر مسلم جاء بإسناد وإسناد مسلم متصل صحيح ، ونقول المؤرخين إما مرسلة
أو معضلة أو مدارها على الكذابين أمثال الواقدي ، وقول بعض الناس ( أجمع المؤرخون على
كذا ) فالمؤرخون إن خالفهم جبل كالإمام مسلم لا يعتد بإجماعهم ، فهذا حافظ ومؤرخ أيضاً
وعامتهم ليس نقاداً
قال البخاري في صحيحه 1341 : حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا
مَارِيَةُ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَتَا
أَرْضَ الْحَبَشَةِ فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ
فَقَالَ أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ
مَسْجِدًا ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ
اللَّهِ
فإن قال قائل : أليس في هذا دليل على أنها هاجرت للحبشة
فالجواب : أن ثبوت الهجرة لا يدل البتة على ثبوت زواجها من النبي صلى الله
عليه وسلم هناك بوكالة النجاشي أو خالد بن سعيد ، ثم إن أم سلمة ذكرت معها في الحديث
وأم سلمة ليست من المهاجرات إلى الحبشة فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في العام
الثاني من الهجرة .
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم