فقد ذكرت عدد من كتب التواريخ أن رجلاً يدعى ( الفجاءة السلمي ) جاء إلى
أبي بكر الصديق في أيام حروب الردة وسأله أن يسلحه ليحارب المرتدين ، فلما خرج من الصديق
وقد سلحه صار يقتل المسلمين والمرتدين فأرسل إليه الصديق من يقاتله ، فأسره طريفة السلمي
وأمر الصديق بإحراقه ، ثم إن الصديق قد ندم بعد ذلك على إحراقه له
قال البلاذري في فتوح البلدان 282 : وأخبرني داود بن حبال الاسدي، عن أشياخ
من قومه ثم سرد أخباراً من أخبار الردة ومنها
285 – قالوا: وأتى الفجاءة، وهو بجير بن إياس بن عبد الله السلمى، أبا
بكر فقال: احملني وقونى أقاتل المرتدين.
فحمله وأعطاه سلاحا.
فخرج يعترض الناس فيقتل المسلمين والمرتدين، وجمع جمعا.
فكتب أبو بكر إلى طريفة بن حاجزة أخى معن بن حاجزة يأمره بقتاله.
فقاتله وأسره ابن حاجزة.
فبعث به إلى أبى بكر، فأمر أبو بكر بإحراقه في ناحية المصلى.
ويقال: إن أبا بكر كتب إلى معن في أمر الفجاءة، فوجه معن إليه طريفة أخاه
فأسره.
أقول : داود شيخ البلاذري لم أجد له ترجمة ولا أي رواية غير هذه ، ولا
شك أن أشياخه لم يدركوا حروب الردة فالسند معضل فاجتمع فيه جهالة العين والاعضال الشديد
فهو ضعيف جداً
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/776) : (1299) طريفة بن حاجز [1]
مذكور فيهم، قَالَ سيف بن عمر: هو الذي كتب إليه أبو بكر الصديق في قتال
الفجاءة السلمي الذي حرقه أبو بكر بالنار، فسار طريفة في طلب الفجاءة، وكان طريفة بن
حاجز، وأخوه معن بن حاجز، مع خالد بن الوليد، وكان مع الفجاءة نجبة بن أبي الميثاء،
فالتقى نجبة، وطريفة فتقاتلا، فقتل الله نجبة على الردة، ثم سار حتى لحق بالفجاءة السلمي،
واسمه إياس ابن عبد الله بن عبد ياليل، فأسره، وأنفذه إلى أبي بكر، فلما قدم به عليه
أوقد له نارا، وأمر به فقذف فيها حتى احترق.
سيف بن عمر التميمي كذاب متهم بالزندقة
قال حميد بن زنجوية في الأموال 430 – ثنا عثمان بن صالح ، أنا الليث بن
سعد ، أنا علوان ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، أن أباه عبد
الرحمن بن عوف ، دخل على أبي بكر الصديق رضوان الله عليه في مرضه الذي قبض فيه ، فرآه
مفيقا ، فقال : أما إني لا آسى من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن ، وثلاث
تركتهن وددت لو أني كنت فعلتهن ، أما اللاتي وددت أني تركتهن ، فوددت أني لم أكن فعلت
كذا وكذا لشيء ذكره . ووددت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي ، ليتني قتلته سريحا ،
أو خليته نجيحا ، ولم أحرقه بالنار . ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر
في عنق أحد الرجلين عمر بن الخطاب ، أو أبي عبيدة بن الجراح ، فكان أحدهما أميرا وكنت
أنا وزيرا . وأما اللاتي تركتهن ، فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس الكندي أسيرا
كنت ضربت عنقه ، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه . ووددت أني حين سيرت
خالد بن الوليد إلى أهل الردة ، كنت أقمت بذي القصة ، فإن ظفر المسلمون ظفروا ، وإن
هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد . ووددت أني كنت إذ وجهت خالدا إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب
إلى العراق ، فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله.
هذا الخبر استنكره العقيلي على علوان في الضعفاء حيث قال :” ولا يعرف
علوان إلا بهذا مع اضطراب الإسناد ، ولا يتابع عليه”
ونقل قبلها عن البخاري قوله ( منكر الحديث )
وصنيع الصديق هذا مع عدم صحة الروايات كما ترى استغله الرافضة للطعن في
الصديق مع أنه لو صح عنه ذلك فقد رجع رضي الله عنه
قال شيخ الإسلام في المنهاج (5/495) :” قال الرافضي وأحرق الفجاءة
السلمي بالنار وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الإحراق بالنار
الجواب أن الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن أبي بكر وأنه قد ثبت
في الصحيح أن عليا أتى بقوم زنادقة من غلاة الشيعة فحرقهم بالنار فبلغ ذلك ابن عباس
فقال لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار لنهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يعذب بعذاب الله
ولضربت أعناقهم لقول النبي صلى الله عليه و سلم من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا
فقال ويح ابن أم الفضل ما أسقطه على الهنات
فعلي حرق جماعة بالنار فإن كان ما فعله أبو بكر منكرا ففعل علي أنكر منه
وإن كان فعل علي مما لا ينكر مثله على الأئمة فأبو بكر أولى أن لا ينكر عليه
“
أقول : وقال عبد الرزاق في المصنف 18710 – عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ , عَنْ
سُلَيْمَانَ التيمي , عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ , أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ
الْعِجْلِيَّ تَنَصَّرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ , فَبَعَثَ بِهِ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ
إِلَى عَلِيٍّ «فَاسْتَتَابَهُ , فَلَمْ يَتُبْ , فَقَتَلَهُ , فَطَلَبَتِ النَّصَارَى
جِيفَتَهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا , فَأَبَى عَلِيٌّ وَأَحْرَقَهُ»
وهذا إسناد صحيح فما عسى الطاعنين في الصديق أن يقولوا ؟
وعلي إنما حرق جثته ولم يحرقه حياً ، وهذا لا تظهر معارضته للحديث جلياً فالمنهي عنه التعذيب بالنار والجثة لا تتألم بالحرق
وأما خبر تحريق اللوطي فمنكر في سنده إبراهيم بن علي ضعيف جداً وهو منقطع صفوان بن سليم لم يدرك الصديق ، وأيضاً رواه يعقوب الزهري وخالف في إسناده فأسقط صفوان بن سليم فزاد انقطاعاً ورواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي من طرق ابن المنكدر عن أبي بكر وهذا منقطع أو معضل والثابت عن الصحابة خلافه ولو اشتهر هذا عن الصحابة والصديق لما خالفه أحد
ثم إن إسحاق بن راهوية قد تأول الخبر على حرق الجثة بعد قتلها لا حرقها حية كما في مسائل الكوسج
وما قاله إسحاق سبقه إليه ابن وهب
قال ابن العربي في أحكام القرآن :” فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا أَرَى خَالِدًا أَحْرَقَهُ إلَّا بَعْدَ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى”
وأما الأسير فاتفقوا على أنه لا يحرق بالنار
قال ابن قدامة في المغني :” أَمَّا الْعَدُوُّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُهُ بِالنَّارِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – يَأْمُرُ بِتَحْرِيقِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِالنَّارِ. وَفَعَلَ ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأَمْرِهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ خِلَافًا.
وَقَدْ رَوَى حَمْزَةُ الْأَسْلَمِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ، قَالَ: فَخَرَجْت فِيهَا، فَقَالَ: «إنْ أَخَذْتُمْ فُلَانًا، فَأَحْرِقُوهُ بِالنَّارِ» . فَوَلَّيْت، فَنَادَانِي، فَرَجَعْت، فَقَالَ: «إنْ أَخَذْتُمْ فُلَانًا، فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تَحْرِقُوهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَسَعِيدٌ. وَرَوَى أَحَادِيثَ سِوَاهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَحْوَ حَدِيثِ حَمْزَةَ. فَأَمَّا رَمْيُهُمْ قَبْلَ أَخْذِهِمْ بِالنَّارِ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُمْ بِدُونِهَا، لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُمْ بِغَيْرِهَا، فَجَائِزٌ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ”
وما ذكره عن أبي بكر وخالد لا يثبت ، وباب الأسير يختلف عن باب القصاص فالشافعي يجيز الحرق قصاصاً ومع ذلك يقول البيهقي في السنن الصغير 2829 – وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَسَمُرَةَ، وَبُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّهَا» فَإِذَا قَتَلَ مُشْرِكًا بَعْدَ الْإِسَارِ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ، وَلَا يَحْرِقُهُ بِالنَّارِ، وَلَا يُخَالِفُ ” هَذَا مَا رُوِّينَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَيْثُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحْرِقَ عَلَى أُبْنَى وَمَا رُوِيَ فِي، نَصْبِ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانُوا مُمْتَنِعِينَ، وَهَكَذَا لَا بَأْسَ بِعَقْرِ دَابَّةِ مَنْ يُقَاتِلُهُ، قَدْ عَقَرَ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، فَلَا يَجُوزُ عَقْرُهَا، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ مَا لَهُ رُوحٌ إِلَّا بِأَنْ يَذْبَحَ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِيُؤْكَلَ”
وقال البغوي في شرح السنة :” فَأَما تحريق الْكَافِر بَعْدَمَا وَقع فِي الْأسر، وتحريق الْمُرْتَد، فَذهب عامتهُم إِلى أنّهُ لَا يجوز، إِنّما يقْتله بجزِّ الرَّقَبَة، لما رُوِي عنْ حَمْزَة الْأَسْلَمِيّ أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمّره على سَرِيَّة، وَقَالَ: «إِن وجدْتُم فُلانًا فأحرِقوه بالنَّار»، فولّيْتُ فناداني، فرجعتُ إِليْهِ، فَقَالَ: «إِنْ وجدْتُمْ فُلانًا، فاقْتُلُوه، وَلَا تُحرِّقُوهُ، فإِنّهُ لَا يُعذِبُ بالنّارِ إِلّا ربُّ النّارِ»”
وقال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا بِشْرٌ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ , فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247] أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ , وَقَدْ عَلِمَ أَنْ سَيَرْتَدَّ مُرْتَدُّونَ مِنَ النَّاسِ. فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ارْتَدَّ عَامَّةُ الْعَرَبِ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَّا ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ , وَأَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ الْبَحْرَيْنِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالُوا: نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي , وَاللَّهِ لَا تُغْصَبُ أَمْوَالُنَا. فكُلِّمَ أَبُو بَكْرٍ فِي ذَلِكَ , فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَوْ قَدْ فَقِهُوا لِهَذَا , أَعْطُوهَا وَزَادُوهَا: فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ , لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ شَيْءٍ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ , وَلَوْ مَنَعُوا عِقَالَا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , لَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ. فبَعَثَ اللَّهُ عِصَابَةً مَعَ أَبِي بَكْرٍ , فَقَاتَلَ عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى سَبَى وَقَتَلَ وَحَرَّقَ بِالنِّيرَانِ أُنَاسًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ , فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَقَرُّوا بِالْمَاعُونِ وَهِيَ الزَّكَاةُ صَغَرَةً أَقْمِيَاءَ. فأَتَتْهُ وُفُودُ الْعَرَبِ , فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ خُطَّةٍ مُخْزِيَةٍ أَوْ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ , فَاخْتَارُوا الْخُطَّةَ الْمُخْزِيَةَ , وَكَانَتْ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ , أَنْ يَعْتَدُوا أَنَّ قَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ وَأَنَّ قَتْلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ , وَأَنَّ مَا أَصَابُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالٍ رَدُّوهُ عَلَيْهِمْ , وَمَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ “
وهذا معضل وعامة الروايات التي ذكرت أمر الصديق مع أهل الردة لم تذكر الحرق ولو صح فإنه يحمل على تحريق المحارب بالمنجنيق لا ما اتفقت الأمة على المنع منه وهو تحريق الأسير ، أو يحمل على تحريق الجثث
وقد ورد في مرسل عروة بن الزبير وهو أقوى من مرسل قتادة ما يدل على أن هذا الفعل _ إن صح _ وقع دون إقرار الصديق بدليل أن عمر أنكره أمام الصديق والصديق أقر الإنكار
قال عبد الرزاق عن معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : حرق خالد بن الوليد ناسا من أهل الردة ، فقال عمر لأبي بكر : ” أتدع هذا الذي يعذب بعذاب الله ” فقال أبو بكر : ” لا أشيم سيفا سله الله على المشركين ” .
ولو كان خالد فعل هذا بأمر الصديق لوجه عمر نقده إلى الصديق مباشرة
وعلل الصديق عدم عزله بأنه سيف سله الله ولم يقل لعمر أنه لم يفعل شيئاً خطأً
فما مبرر موقف الصديق هذا ؟
فيقال : خالد بن الوليد قيادة عسكرية فذة وما فعله فعله عن تأويل وغضب للدين ولم يكن في الفقه كعمر ، والناس في حاجة ماسة له في حروب الردة ، والصديق شديد الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم
وقد كانت وقعت زلة من خالد هي أعظم من هذه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقتل الذين قالوا ( صبأنا صبأنا ) فقال النبي ( اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد ) ولم يعزله
ويحتمل أن يكون الإحراق الذي فعله هو الرمي بالمنجنيق وهذا يجيزه عامة الفقهاء لكونه ضرورة ويفعل اليوم بقصف الطيران ولكن بحيث يصيب المقاتلة
جاء في مسائل أبي داود 1576 – سَمِعْتُ أَحْمَدَ، يَقُولُ: «لَا بَأْسَ بِالْحَرِيقِ فِي بِلَادِ الرُّومِ إِذَا أَخَذُوا الْمَضِيقَ، أَوْ فَعَلُوا هُمْ بِالْمُسْلِمِينَ» .
1577 – سَمِعْتُ أَحْمَدَ، يَقُولُ: ” الْحَرْقُ فِي بِلَادِ الرُّومِ، إِذَا أَحْرَقُوا هُمْ، يَعْنِي: فِي الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَكَّلُوا، فَذَكَرْتُ لَهُ حَرْقَ الرُّومِ بِزِبَطْرَةَ؟ فَرَأَى أَنْ لَا يُدِيمُوا عَلَيْهِمْ بِالْحَرِيقِ تَنْكِيلًا لِذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: أَبُو بَكْرٍ حِينَ أَمَرَ أَنْ يُحَرَّقُوا كَانُوا قَدْ أَحْرَقُوا “
وهذا محمول على حرق المتاع أو حرق الجثث كما شرحه إسحاق
إذ جاء في مسائل أبي داود 1518 – قُلْتُ: ” فِي الْبَحْرِ يَرْمُونَ بِالنِّيرَانِ؟ قَالَ: إِنْ بَدَءُوهُمْ فَلَا بَأْسَ، قُلْتُ: فَيَرْمُونَ فِي الْمَجَانِيقِ بِالنِّيرَانِ؟ قَالَ: إِنْ كَانُوا هُمْ يَبْدَءُونَ يَرْمُونَ بِالنِّيرَانِ، قُلْتُ: هُمْ يَرْومُونَ بِالْحِجَارَةِ، فَنَرْمِيهِمْ بِالنَّارِ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، قُلْتُ: فَأَمُدُّ مَعَهُمْ فِيهِ، أَعْنِي: فِي الْمَنْجَنِيقِ، إِذَا رَمَوْا بِالنَّارِ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، قُلْتُ: رَمْيُ الْمَجَانِيقِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ “.
فأحمد كره رمي النار عليهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم