بحث في قصة ابتلاء « أيوب » عليه الصلاة والسلام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الطبري في تفسيره (20/190) وَقَدْ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:

 ” إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
أَيُّوبَ لَبِثَ بِهِ بَلَاؤُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ
وَالْبَعِيدُ، إِلَّا رَجُلَانِ مِنْ إِخْوَانِهِ كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ
بِهِ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ

 فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:
تَعْلَمُ وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ،
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ
اللَّهُ فَيَكْشَفَ مَا بِهِ؛ فَلَمَّا رَاحَا إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى
ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ

 فَقَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي
مَا تَقُولُ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ
يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ، فَأَرْجِعَ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا
كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ إِلَّا فِي حَقٍّ

 قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى
حَاجَتِهِ، فَإِذَا قَضَاهَا أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ فَلَمَّا
كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَ عَلَيْهَا

 وَأُوحِيَ إِلَى أَيُّوبَ فِي
مَكَانِهِ: أَنِ {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} فَاسْتَبْطَأَتْهُ،
فَتَلَقَّتْهُ تَنْظُرُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ
الْبَلَاءِ، وَهُوَ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ

 فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ
بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْمُبْتَلَى، فَوَاللَّهِ
عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صحِيحًا؟

 قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ؛ قَالَ:
وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ: أَنْدَرٌ لِلْقَمْحِ، وَأَنْدَرٌ لِلشَّعِيرِ، فَبَعَثَ
اللَّهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ، أَفْرَغَتْ
فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ، وَأَفْرَغَتِ الْأُخْرَى فِي أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ
حَتَّى فَاضَ “.

استنكر ابن كثير رفعه ، ولم أجد دليلاً على كلامه

 وقد تابعه مقبل الوادعي
في أحاديث معلة ظاهرها الصحة

وقال الطحاوي في بيان مشكل الآثار
4596 – فَسَأَلْتُ أَنَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقُلْتُ
لَهُ: هَلْ رَوَاهُ عَنْ عَقِيلٍ غَيْرُ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ؟ 

قَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنَا
نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
يَزِيدَ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ.

أقول : وهذا أصح وإن كان نعيم فيه كلام إلى أن عدم سلوكه للجادة يدل على
حفظه

 وقد روى ابن المبارك هذا الخبر
في الزهد 1790 :

 أنا يونس بن يزيد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب :

 أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذكر يوما أيوب النبي وما أصابه من البلاء ، وذكر أن البلاء الذي أصابه كان
به ثماني عشرة سنة ، حتى لم يبق منه إلا عيناه تدوران ، ولسانه صحيح يذكر الله تبارك
وتعالى به وفؤاده صحيح ، وعقله على حاله الأولى ، فأما جسده فقد اعترقه البلاء حتى
لم يبق شيء إلا أوصاله بعضها إلى بعض ، عروقه وعصبه ، وكما شاء أن يكون من جلده ، مع
ذهاب الأهل والمال ، وكان كذلك ثمانية عشرة سنة ، حتى تفرق عنه إخوانه ، ومله الناس
، وصابره رجلان كانا من أخص إخوانه وأصحابه ، فكان يأتيانه بكرة وعشية فيحدثانه قال
: وكانت امرأة أيوب صلى الله عليه تقوم عليه ، وكان إذا خرج إلى حاجته فراث عليها اتبعته
فتجده مرارا كثيرة ساقطا فترفعه وتحمله حتى تأتي به إلى منزله ، فقال أحد صاحبيه للآخر
: أما يعجبك شأن أيوب ؟ إنه في هذا البلاء منذ ثمانية عشرة سنة ، لا يرحمه الله مما
به ، إني لأظنه قد أذنب ذنبا ما عمل أحد مثله قط ، فقال له صاحبه : هو عبد الله ونبيه
، وهو أعلم به ، فلما كان العشي راحا إليه كما كانا يصنعان فحدثاه وقصرا عنه ، ثم أبت
نفس الرجل إلا أن يكلمه ، فقال : يا نبي الله ، لقد أعجبني أمرك ، وذكرت إلى أخيك وصاحبك
أنه قد ابتلاك بذهاب الأهل والمال ، وفي جسدك منذ ثمانية عشرة سنة ، حتى بلغت ما ترى
، لا يرحمك الله فيكشف عنك ، لقد أذنبت ذنبا ، ما أظن أن أحدا بلغه ، فقال أيوب صلى
الله عليه وسلم : ما أدري ما تقولان ، غير أن ربي عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين
يتزعمان ، فكل يحلف بالله ، أو على النفر يتزعمون فأنقلب إلى أهلي فأكفر عن أيمانهم
كراهية أن لا يأثم أحدهم ولا يذكره أحد إلا بحق ، فنادى ربه ، إني مسني الضر وأنت أرحم
الراحمين ، وإنما كان دعاؤه عرضا عرضه على الله تبارك وتعالى ، يخبره بالذي بلغ صابرا
لما يكون من الله تبارك وتعالى فيه ، فخرج لما كان يخرج إليه من حاجته ، فأوحى الله
إليه ، اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، فاغتسل فأعاد الله لحمه وشعره وبشره على
أحسن ما كان يكون ، وشرب فأذهب الله ما كان في جوفه من ألم وضعف ، فأنزل الله عليه
ثوبين من السماء فاتزر بأحدهما ، وارتدى بالآخر ، ثم أقبل يمشي إلى منزله وراث على
امرأته فأقبلت حتى لقيته وهي لا تعرفه ، فسلمت عليه وقالت : أي رحمك الله ، هل رأيت
هذا الرجل المبتلى ؟ قال : من هو ؟ قالت : نبي الله أيوب صلى الله عليه ، أما والله
ما رأيت أحدا قط أشبه به منك إذ كان صحيحا ، قال : فإني أيوب ، وأخذ ضغثا ضربها به
– فزعم ابن شهاب أن ذلك الضغث كان ثماما – ، ورد الله إليه أهله ومثلهم معهم ، فأقبلت
سحابة حتى سجلت في أندر قمحه ذهبا حتى امتلأت ، وأقبلت سحابة أخرى إلى أندر شعيره وقطانيه
فسجلت فيه ورقا حتى امتلأ.

فنعيم إنما يروي عن كتاب ابن المبارك فلا خوف من حفظه وقد نزل يونس بن
يزيد في سنده وروى عن أحد أقرانه مما يدل على أنه حفظ ، وعليه فالمرسل أصح والله أعلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم