بحث في رواية أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة …

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن
من عادة جهلة المستشرقين والمنصرين أنهم يحاولون الطعن في القرآن المتواتر بروايات
آحادية بعضها غايته أن يكون حسناً وبعضها بعد التدقيق يظهر شذوذه ونكارته

فمن
ذلك استدلالهم بهذه الرواية

قال
ابن حبان في صحيحه 1756
– أخبرنا محمد بن الحسين بن مكرم بالبصرة، حدثنا داود ابن رشيد، حدثنا أبو حفص
الأبار، عن منصور، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: لقيت أبي بن كعب
فقلت له: إن ابن مسعود كان يحك المعوذتين  من المصاحف ويقول: إنهما ليستا من القرآن، فلا
تجعلوا فيه ما ليس منه، قال أبي: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لنا.
فنحن نقول. كم تعدون سورة الأحزاب من آية؟ قال قلت: ثلاثا وسبعين آية. قال أبي:
والذي يحلف به إن كانت لتعدل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها آية الرجم “الشيخ
والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم”

فأما
ذكر المعوذتين فالرد عليه يسير فابن مسعود أقر بأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم
بالمعوذتين وكان يعوذ بهما الحسن والحسين وإنما ناقش في قرآنيتهما وقد أثبت ذلك
بقية الصحابة وتواتر ذلك وصح عن ابن مسعود أنه قال في المصاحف العثمانية

قال
أبو عبيد القاسم في فضائل القرآن 617 – حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي
وائل ، قال : قال عبد الله : إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين ، فاقرءوا كما
علمتم فإنما هو كقول أحدكم هلم ، وتعال .

وإذا
كان مسلماً بالقرآن وبالقراءة الأخرى بالضرورة هو غير معترض على أي سورة في الجمع
العثماني لأنه علق على مجرد القراءة التي تخالف قراءته وقال أنه اختلاف تنوع

غير
أن موطن الشبهة عند القوم فيما يتعلق بسورة الأحزاب وأنها كانت تعادل البقرة

وعامة
من يجيب على الشبهة يرد بأن هذا من باب نسخ التلاوة وهذا النسخ استدللنا عليه
بتواتر قراءات الصحابة برفعه وبذكر آية منسوخة تلاوة وباقية حكماً ونسخ التلاوة
بعض الناس يستشكل حكمته فقيل أنها آيات نزلت لتثبيت أحكام معينة فلما ثبتت فعلياً
رفعت الآيات وبقي الحكم في السنة لتسهيل حفظ القرآن ولحصول الاختبار الكامل في حكم
مثل حكم الرجم الذي كان أول انحراف أهل الكتاب بإنكاره

وبعضهم
ضعف الرواية وإلى هذا يشير تصرف النسائي في حذفه لها من السنن الصغرى وتصرف
الطبراني في إيراده للخبر في المعجم الأوسط مجمع المناكير

ولكن
ظاهر السند السلامة فما وجه ضعف الخبر ؟

فيقال
: أن الأكثر رووا الخبر عن زر بن حبيش بذكر قصة المعوذتين فحسب دون ذكر قصة
الأحزاب

فقد
روى هذا الخبر عنه كل من

1_
أبو زرين وروايته في مسند أحمد

2_
عبدة بن أبي لبابة وروايته في صحيح البخاري

وكلاهما
لم يذكرا قصة سورة الأحزاب وإنما ذكرا قصة المعوذتين

وفقط
عاصم انفرد بذكر قصة الأحزاب فلم تقبل زيادة عاصم بن بهدلة من دونهما

الواقع
أنها لا تقبل لأن خلاصة الحكم فيه كما في التقريب : صدوق له أوهام

قال
ابن أبي حاتم سألت أبا زرعة عنه ، فقال : ثقة ، فذكرته لأبى ، فقال : ليس محله هذا
، أن يقال : إنه ثقة ، و قد تكلم فيه ابن علية . فقال : كان كل من كان اسمه عاصم
سىء الحفظ .

قال
: و ذكره أبى فقال : محله عندى محل الصدق ، صالح الحديث ، و لم يكن بذاك الحافظ
.

و
قال النسائى : ليس به بأس .

و
قال ابن خراش : فى حديثه نكرة .

و
قال أبو جعفر العقيلى : لم يكن فيه إلا سوء الحفظ .

و
قال الدارقطنى : فى حفظه شىء

قال
الإمام مسلم في التمييز ص189 :الزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم
يعثر عليهم الوهم في الحفظ .

فإن
قيل : هناك روايات تذكر قصة سورة الأحزاب فقط دون قصة المعوذتين

فيقال
: كلها مدارها على عاصم ومر معك أنه يضطرب فهو في الرواية التامة بين لك أنها
رواية واحدة زاد فيها على أقرانه

قال
عبد الله بن أحمد في زوائد المسند  21244 –
حدثني وهب بن بقية أنا خالد بن عبد الله الطحان عن يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش
عن أبي بن كعب : قال كم تقرؤون سورة الأحزاب قال بضعا وسبعين آية قال لقد قرأتها
مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل البقرة أو أكثر منها وان فيها آية الرجم.

فهل
هذه الرواية تعضد رواية عاصم

فيقال
: بل هذه الرواية هي الكاشفة لعلة رواية عاصم فيزيد بن أبي زياد شيعي ضعيف ولما
كبر صار يتلقن وربما لقنه بعض غلاة الشيعة هذا الحديث ودخل على عاصم رواية قرينه
يزيد بالرواية الأصلية التي سمعها مع عبدة بن أبي لبابة خصوصاً وأن كلاهما في قصة
القرآن وعن زر عن أبي

وقد
استنكر الباقلاني هذه الرواية في الانتصار فقال : ومما يدلّ أيضاً على بطلان هذه
الرواية أنه لا يجوز أن يضيعَ ويسقُطَ

من
سورة الأحزاب أضعاف ما بقيَ منها فيذهبُ ذكرُ ذلك وحفظه عن سائر

الأمّة
سوى أبيّ بن كعب مع ما وصفناه من حالِهم في حفظ القرآن والتدين

بضبطه
وقراءته وإقرائه والقيام به والرجوع إليه والعمل بموجبه وغير ذلك من

أحكامه،
وأنّ مثلَ هذا ممتنع في سائرِ كلامِ البشر الذي له قوم يعنون به

ويأخذون
أنفسهم بحفظه وضبطه وتبحُّر معانيه والاستمداد فيما يثورهم منه

أو
الاحتجاج به والتعظيم لقائله، فلأجل ذلك لم يجز أن يظن ظان أن “قفا

نبك”
كانت أضعافَ مما هي كثيراً فسقط معظمها ولم يظهر ذلك وينتشر عند

رواة
الدواوين وحفّاظ الشعر وأصحاب كتب الطبقات، ومصنفي غريب هذه القصيدة والمتكلمين
على معانيها والمعروفين بهذا الشأن، ولم يَسُغ لعاقلٍ

عرف
عادات الناس في امتناع ذهاب ذلك عليهم أن يقبل رواية راو يروي له

من
جهة الآحاد عن لبيد أو حسان أو كعب بن زهير أو غيرهم من أهل

عصرهم
أو من بعدهم أنّهم كانوا ينشدون قصيدة امرىء القيس أضعاف ما

هي
وأنّها كانت خمس مائة بيت، وأطول من “ديوان ابن الرومي ” أو أبي

نواس،
وأكثرُها ومعظمها ذهب وسقط ودرس أثره وانطوى علمُه وانقطع

على
الناس خبرُه، هذا جهلٌ لا يبلغ إلى اعتقاده وتجويزه من له أدنى معرفة

بالعادات
في الأخبار وما يعلم بالفطرة كونه كذباً أو صدقا أو يمكن الشك

والوقف
فيه.

وكذلك
لو ادّعى مدَّعٍ مثل هذا فيما يُروى ويُقرأ من “موطأ مالك ” و”الأم

للشافعي
” و”مختصر المزني “، و”جامع محمد بن الحسن “،
و”الصحيح

للبخاري
” و”المقتضب ” وغير ذلك من الكتب المشهورة المحفوظة

المتداولة،
وقال: إنَّ كل كتاب من هذه الكتب قد كان أضعاف ما هو.

وأنه
قد ذهب وسقطَ أكثرُها ومعظمها، وبقي الأقل اليسير منها، وروى لنا

في
ذلك الأخبار والحكاياتُ لوجبَ أن يقطعَ على جهله ونقصه وعلى أنّ كلّ

ما
يروونه في هذا الباب كذبٌ موضوع ومردودٌ مدفوع لا يسوغ لعاقلٍ

تصديقُ
شيءٍ منه والسكون إليه.

وإذا
كان ذلك كذلك، وعلمنا أنّ هذا القولَ المروي عن أُبيّ لم يكن

ظاهراً
في الصحابة ولا متداولاً بينهم، ولم نعلم أيضاً أن أحداً قاله ورُوي

عنه،
ولم يُعلم أيضاً صحة هذه الرواية نفسُها فضلاً عن شهرتها ووجوب

ذكرها
عنه وعن غيرها، علم بذلك وتيقّن تكذُبها على أُبى واحتقارُ واضعها

عليه
لعظم الإثم والبهتان”

ومع التحفظ على جزمه بالوضع وبعض ما ذكر إلا أن لبعض كلامه حظاً من النظر خصوصاً وأن
الصحابة ما كانوا يعرفون الطوال إلا سبعاً 

ونحن هنا نعلق على ما روي في شأن سورة الأحزاب لا في آية الرجم فإنها ثابتة ولو لم تثبت فإن حكم الرجم متواتر بالحديث ولكنها ثابتة 

ولسنا
بحاجة لكل هذا لولا أن خصومنا حقدهم يحملهم على السفسطة فتواتر القرآن وتلاوته كل
يوم في المساجد وتباهي الناس بحفظه وكونه المصدر الأساسي في التحاكم والتدبر
والتفسير لهذه الأمة يغني عن كثير الكلام في أمر حفظه ولكن العقول ضعفت حتى صرنا
نوضح الواضحات

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه