بحث في دية قتل الخطأ ….

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أبو داود في سننه 4541 – حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا محمد بن راشد
ح وثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ثنا أبي ثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى أن من قتل خطأ
فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشرة بني لبون
ذكر

وبنت المخاض هي التي عليها الحول ، وبنت اللبون هي التي عليها حولان وطعنت
في الثالثة ، والحقة هي التي عليها ثلاثة أحوال وطعنت في الرابعة

وهذا الحديث قد كنت أقول به زمناً حتى رأيت قول الخطابي :” ولا أعلم
أحداً من الفقهاء قال بهذا “

وعمرو بن شعيب أهل الحديث لا يحتجون بحديثه مطلقاً بل ربما توقفوا في بعض
ما روى

و قال أبو الحسن الميمونى : سمعت أحمد بن حنبل يقول : عمرو بن شعيب له
أشياء مناكير ، و إنما يكتب حديثه يعتبر به ، فأما أن يكون حجة فلا .

و قال محمد بن على الجوزجانى الوراق : قلت لأحمد بن حنبل : عمرو بن شعيب
سمع من أبيه شيئا ؟ قال : يقول : حدثنى أبى . قلت : فأبوه سمع من عبد الله بن عمرو
؟ قال : نعم ، أراه قد سمع منه .

و قال أبو بكر الأثرم : سئل أبو عبد الله عن عمرو بن شعيب ، فقال : أنا
أكتب حديثه ، و ربما احتججنا به ، و ربما وجس فى القلب منه شىء ، و مالك يروى عن رجل
عنه .

وقال أبو داود: سمعت أحمد، ذكر له عمرو بن شعيب، فقال: أصحاب الحديث إذا
شاؤوا (احتجوا بحدمث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) ، وإذا شاؤوا تركوه. «سؤالاته»
(216) .

وقد صنف الإمام مسلم جزءً فيما استنكر على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

ولعل سبب عدم قول العامة من الفقهاء بهذا الحديث حتى أن الترمذي لم يخرجه
في جامعه الذي خصصه للأحاديث يفتي بها الفقهاء ، هو أنه قد ورد عن عدد من الصحابة ما
يخالف هذا الخبر

قال ابن أبي شيبة في المصنف 27285: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ : حدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
أَنَّهُ قَالَ : فِي الْخَطَأِ أَخْمَاسًا : عِشْرُونَ حِقَّةً ، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً
، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بَنُو مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ
لَبُونٍ.

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 27286: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَن مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَن عَبْدِ اللهِ ، مِثْلُهُ.

وهذا ثابت عن ابن مسعود وهو يخالف المرفوع من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 27287: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ : حدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ (ح)
وَعَنْ سُفْيَانَ ، عَن مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَن عَلِيٍّ ، قَالَ : كَانَ
يَقُولُ فِي الْخَطَأِ أَرْبَاعًا : خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ
جَذَعَةً ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ.

وهذا قضاء علي رضي الله عنه وعاصم بن ضمرة فيه كلام ويحتمل في الموقوف
خصوصاً مع اعتضاد روايته برواية النخعي

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 27288: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ
، عَن عُبَيْدَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُمَرَ ، وَعَبْدِ اللهِ ، أَنَّهُمَا
قَالاَ : دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا.

ابراهيم عن عمر منقطع وهذا يوافق فتيا ابن مسعود

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 27289: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ
سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (ح) وَعَنْ عَبْدِ رَبِّهِ
، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ ، عَنْ عُثْمَانَ ، وَزَيْدٍ ، قَالاَ : فِي الْخَطَأِ ثَلاَثُونَ
جَذَعَةً ، وَثَلاَثُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ ، وَعِشْرُونَ
بَنْتِ مَخَاضٍ.

قتادة عن سعيد ضعيف جداً كما نص عليه ابن المديني لكونه يسقط مجاهيل عدة
بينه وبين سعيد

قال أبو داود في مسائله ص304 سمعت أحمد يقول أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب
ما أدري كيف هي؟ قد أدخل بينه وبين سعيد نحواً من عشر رجال لا يعرفون.

والسند الآخر فيه عبد ربه مجهول انفرد عنه قتادة

قال ابن قدامة في المغني (19/53) :” ( 6786 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ
: وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً ، كَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ
، تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَخْمَاسًا ، عِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ
بَنِي مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً ، وَعِشْرُونَ
جَذَعَةً لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا ، كَمَا
ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ .

وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ
وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ
وَالزُّهْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَرَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ : هِيَ
أَخْمَاسٌ ، إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَكَانِ بَنِي مَخَاضٍ بَنِي لَبُونٍ .

وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدٌ ، فِي ” سُنَنِهِ ” ، عَنْ النَّخَعِيِّ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ : الْخَطَّابِيُّ رُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَى الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَة
.

وَلَيْسَ فِي أَسْنَانِ الصَّدَقَةِ ابْنُ مَخَاضٍ } .

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيُّ
وَإِسْحَاقَ ، أَنَّهَا أَرْبَاعٌ ، كَدِيَةِ الْعَمْدِ سَوَاءً .

وَعَنْ زَيْدٍ ، أَنَّهَا ثَلَاثُونَ حِقَّةً ، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ
، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ .

وَقَالَ طَاوُسٌ : ثَلَاثُونَ حِقَّةً ، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ ،
وَثَلَاثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٍ ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو
بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ { رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ خَطَأً ، فَدِيَتُهُ مِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثُونَ
بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ ، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً ، وَعَشَرَةٌ
بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٍ } .

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : الدِّيَاتُ كُلُّهَا أَخْمَاسٌ ، كَدِيَةِ الْخَطَأِ
؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ ، فَلَا تَخْتَلِفُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ ، كَسَائِرِ
الْمُتْلَفَاتِ .

وَحُكِيَ عَنْهُ ، أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ ، وَدِيَةَ شِبْهِ
الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ

أَخْمَاسٌ ؛ لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ ، فَكَانَ
أَخْمَاسًا ، كَدِيَةِ الْخَطَأِ .

وَلَنَا ، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً
، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ
، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
.

وَلِأَنَّ ابْنَ لَبُونٍ يَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ عَنْ ابْنَةِ
مَخَاضٍ فِي الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يَجِدْهَا ، فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ
فِي وَاجِبٍ ، وَلِأَنَّ مُوجِبَهُمَا وَاحِدٌ ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ
ابْنَةَ مَخَاضٍ ؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ الْأَقَلُّ ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا
تَثْبُتُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ ، يَجِبُ عَلَى مِنْ ادَّعَاهُ الدَّلِيلُ ، فَأَمَّا دِيَةُ
قَتِيلِ خَيْبَرَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوا عَلَى أَهْلِ
خَيْبَرَ قَتْلَهُ إلَّا عَمْدًا ، فَتَكُونُ دِيَتُهُ دِيَةَ الْعَمْدِ ، وَهِيَ مِنْ
أَسْنَانِ الصَّدَقَةِ ، وَالْخِلَافُ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ .

وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ يُخَالِفُ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا
، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ “

والعجيب أنه لم يذكر عن أحد أخذ بحديث عمرو بن شعيب ، واختار أحمد قول
ابن مسعود لأنه أقوى آثار الصحابة إسناداً والله اعلم وهذا هو المختار ويكون حديث عمرو
بن شعيب من الأحاديث عناها أحمد بقوله (وإذا شاؤوا تركوه) وليس المراد بذلك التشهي
وإنما يتركونه لأدلة وقرائن

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم