بحث تاريخي أم إيغار للصدور
كثير من المنتسبين للسنة ممن يتكلمون في أمر معاوية والأمويين يزعمون أنهم دعاة وحدة وأنهم منصفون وأنهم معتدلون ، حتى أنك تجد بعضهم على قدر ما يجتهد في جمع الروايات المكذوبة في ذم معاوية تجده بعد ذلك يجتهد في إثبات نجاة اليهود والنصارى من النار !
ولكنك إذا تأملت في منهجيتهم وما يظهرون من الروايات وما يخفون يتبين لك أنهم لا يريدون إلا التملق للرافضة أو مناكفة السلفية فتجد الواحد منهم يجتهد في جمع الروايات الباطلة في ثلب معاوية ويجتنب ما هو أقوى منها مما لو ذكر لكان فيه ائتلاف قلوب
فأنت حريص على الألفة أليس كذلك ؟
قال ابن أبي شيبة في المصنف 20702- حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن الحسن والحسين كانا يقبلان جوائز معاوية.
هذه رواية جعفر الصادق عن والده الباقر وقد روى هذا الخبر أيضاً الكاظم والخبر موجود في كتب الإمامية ويصححونه
وأخبار عطايا معاوية للحسن والحسين كثيرة جداً وليس هذا مستغرباً فالحرب التي حصلت بعد ذهابها عاد الأمر إلى أصله
بنو أمية وبنو هاشم نسبهم متقارب يلتقون في الجد الخامس فمعاوية أقرب نسباً لعلي من أبي بكر وعمر ، لهذا ليس مستغرباً كون أزواج بنات النبي صلى الله عليه وسلم من بني أمية ( عثمان وأبو العاص ) وذلك لقرب النسب
وليس مستغرباً أن يكون عقيل بن أبي طالب ( أخو علي ) زوجاً لفاطمة بنت عتبة ( خالة معاوية )
وهذا الزبير كان أمام علي يوم الجمل فما إن وضعت الحرب أوزارها حتى عاد الأمر على الاستقامة والأخوة بين أبناء علي وأبناء الزبير حتى تزوج مصعب بن الزبير سكينة بنت الحسين وكذلك تزوجت سكينة بعض أحفاد عثمان
ولهذا الرواية التي تذكر في كتب التاريخ أن أبا سفيان بن حرب كان متحمساً لخلافة علي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لو شئت أن أملأها عليهم خيلا . ورفض علي ذلك بغض النظر عن صحتها ليست لأن علياً هو الأقرب نسباً لأبي سفيان من أبي بكر وعمر وأما عثمان فقد علم أبو سفيان زهده الشديد في الأمر
وإليك جزء من رواية مقتل الحسين التي رواها لوط بن يحيى _ وهي عمدة الإمامية _ بل لا يوجد عندهم رواية لها إسناد ينظر فيه إلا هي مع كون لوط بن يحيى تالف
جاء في تاريخ الطبري من رواية لوط : ودخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه وحدثوه الحديث قال فسمعت دور الحديث هند بنت عبدالله بن عامر بن كريز وكانت تحت يزيد بن معاوية فتقنعت بثوبها وخرجت فقالت يا أمير المؤمنين أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله قال نعم فأعولي عليه وحدي على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وصريحة قريش عجل عليه ابن زياد فقتله قتله الله ثم أذن للناس فدخلوا والرأس بين يديه ومع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره ثم قال إن هذا وإيانا كما قال الحصين بن الحمام المري … يفلقن هاما من رجال أحبة … إلينا وهم كانوا أعق وأظلما.
هذه الرواية على ما في إسنادها _ على أن عامة روايات الباب كذلك _ فيها أن زوجة يزيد جلست تبكي على الحسين أمامه وبإذنه وهو قال بيت شعر معناه أننا نضطر أن نقتل رجالاً نحبهم لعقوقهم وظلمهم
وفي رواية هشام الكلبي الرافضي_ وقد رواها عنه لوط _ : ثم قال أتدرون من أين أتي هذا قال أبي علي خير من أبيه وأمي فاطمة خير من أمه وجدي رسول الله خير من جده وأنا خير منه وأحق بهذا الأمر منه فأما قوله أبوه خير من أبي فقد حاج أبي اباه وعلم الناس أيهما حكم له وأما قوله أمي خير من أمه فلعمري فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم خير من أمي وأما قوله جدي خير من جده فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلا ولا ندا ولكنه إنما أتي من قبل فقهه ولم يقرأ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ثم أدخل نساء الحسين على يزيد فصاح نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن ثم إنهن أدخلن على يزيد فقالت فاطمة بنت الحسين وكانت أكبر من سكينة أبنات رسول الله سبايا يا يزيد فقال يزيد يا ابنة أخي أنا لهذا كنت أكره قالت والله ما ترك لنا خرص قال يا ابنة أخي ما آت إليك أعظم مما أخذ منك ثم أخرجن فأدخلن دار يزيد بن معاوية فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهن وأقمن المأتم وأرسل يزيد إلى كل امرأة ماذا أخذ.
فلاحظ بكاء نساء يزيد ومعاوية على الحسين ومشاركتهن لأخته وابنته الحزن لما بينهم من النسب ، فالأمر وإن وقع فيه ما وقع فليس هو من باب فساد العقيدة والكيد للإسلام وأهله كما يصور الرافضة من تأثر بهم ، ولا هو عن حقد قديم بل هو تنازع ونزغ شيطان يكون فيه ظالم ومظلوم ولكن كلاهما من أهل الملة كما حصل بين يوسف وأخوته ، والرافضة أنفسهم يروون أن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين نكل بابن عمه جعفر بن محمد الصادق لأجل الملك فهذا شر يقع كثيراً إذا ما نزغ الشيطان ويقع بين أقرب الناس ويتجاوزه العقلاء من أبناء الفريقين إذا مضت عليه الأيام ولهذا تزوج عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية من نفيسة بنت عبيد الله بن عباس بن علي بن أبي طالب وأنجبا عليا أبا العميطر والذي كان يفخر بأنه ابن علي ومعاوية معاً
وفي رواية لوط بن يحيى : ولما جلس يزيد بن معاوية دعا أشراف أهل الشأم فأجلسهم حوله ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه فأدخلوا عليه والناس ينظرون فقال يزيد لعلي يا علي أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت قال فقال علي ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فقال يزيد لابنه خالد اردد عليه قال فما درى خالد ما يرد عليه فقال له يزيد قل وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ثم سكت عنه قال ثم دعا بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينه وبينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم هكذا.
ولاحظ في هذه الرواية ذكر ما في يزيد من ضعف الرأي وعي اللسان وفيه حيرة بين قواده الذين أظهروا له الولاء وبين ظنه أن الحسين كان سيسلبه ملكه وبين ما بينه وبين القوم من الرحم حتى أنه قال لو كان بين ابن مرجانة وبين الحسين رحم ما فعل هذا ولكنه يفعله برحمي ( يعني بين يزيد والحسين رحم بني عبد مناف )
وفي رواية لوط : ولما أرادوا أن يخرجوا دعا يزيد علي بن الحسين ثم قال لعن الله ابن مرجانة أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيتها إياه ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ولكن الله قضى ما رأيت كاتبني وانه كل حاجة تكون لك قال وكساهم وأوصى بهم ذلك الرسول قال فخرج بهم وكان يسايرهم بالليل فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم وينزل منهم بحيث إذا اراد إنسان منهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم فلم يزل ينازلهم في الطريق هكذا ويسألهم عن حوائجهم ويلطفهم حتى دخلوا المدينة.
ففي هذه الرواية يحاول يزيد إرضاء علي بن الحسين بلسانه ويلعن له ابن زياد ويقول لو كنت مكانه لفاوضت والدك ودفعت عنه القتل ولو ببعض ولدي ومن يصدق بالروايات التي يرددها الرافضة يلزمه التصديق بهذه الرواية لأنها من طريق رواة الشيعة المعتمدين ، وما داعي هذا الاعتذار من يزيد وهو ملك ممكن وعلي بن الحسين رجل مسكين مفجوع بقتل والده وإخوانه وأبناء عمومته والذين أسلموا كل هؤلاء سيسلمونه هو أيضاً ولكن الأمر لا كما يصور الحاقدون بل كما قلت لك لا أقول إن يزيد ليس ملاماً ولكنه ليس زنديقاً ولا هي مؤامرة أموية على الإسلام إذ كل هذا هراء
قال الشافعي : لما انهزم الناس بالبصرة يوم الجمل كان علي بن أبي طالب يسأل عن مروان بن الحكم، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، إنك لتكثر السؤال عن مروان بن الحكم. فقال: تعطفني عليه رحم ماسة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش.
لاحظ كلمة ( رحم ) التي تكررت في كلام يزيد وكلام علي بن أبي طالب وتفهم الأمر إذا قرأت سلسلة النسب وفهمت كيف كان العرب ينظرون لهذه الأمور
والخلاصة أنك إما أن تذكر كل شيء أو تمحص وتذكر الأقوى أو أن تسير على منهجية معينة فكما تتصرف مع الدين وتنكر منه كل ما لا يوافق الثقافة الغربية وما سواه تقبله وإن كان المردود قوياً سنداً والمقبول ضعيف الإسناد فهلا تعاملت بهذه المنهجية مع الأخبار التاريخية وجئت بما تأئلتف به القلوب وراعيت مشاعر المسلمين كما تراعي مشاعر الكفار الذين تنكرون بعض الثوابت لإرضائهم
وبالنسبة للإمامية عندهم رجلان من أعمدة الرواية عندهم واحد اسمه المفضل بن عمر والثاني اسمه علي بن أبي حمزة توجد روايات كثيرة في ذمهم وتكفيرهم عن المعصومين وبضدها روايات أخرى والشيعة يتعاملون معهم بإحسان ظن وتبرير لمجرد أنهم صحبوا بعض المعصومين ولو طبقوا هذا المنهج مع الصحابة الذين زكاهم القرآن لاستراحوا من البلاء الذي هم فيه
وكلمة أخيرة عن السبطين أما إنهما استحقا السيادة على شباب أهل الجنة بأعمال عملوها لا بمجرد النسب فالحسن تنازل عن ملك عظيم له عنه حماة يهيجونه على خصومه ليل نهار مع بسالتهم في القتال فكظم غيظ نفسه مع أنه كان شاباً وكان سيداً حقاً ( والسيد الحليم ) وزهد بالملك حقنا لدماء المسلمين
وأما السيد الثاني فصبر صبراً عظيماً إذا ما قبل الخبيث ابن زياد منه إلا بالقتال فرأى أبناءه يتساقطون أمامه ماجداً تلو ماجد فصبر واحتسب حتى جاد هو بنفسه
مع ما نشأ عليه كل واحد منهما من التقوى والصلاح منذ نعومة الأظفار فكانا كمثل الليل والنهار يتخايل للمرء فيهما اختلافاً ولكن لكل منهما نفعه الذي لا يستغنى عنه وكلاهما في سياق واحد