باب لا يقال الإنسان خليفة الله في الأرض

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن العبارات المنتشرة على ألسنة الناس اليوم قولهم ( الإنسان خليفة الله
في الأرض )

 والسبب في ذلك فهمهم الخاطيء لقوله
تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية غلط هذا الفهم

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (35/43) :” وَالْمُرَادُ
” بِالْخَلِيفَةِ ” أَنَّهُ خَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْخَلْقِ
.

وَالْخَلْفُ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ كَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلِيفَةَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ خَلَفَهُ عَلَى أُمَّتِهِ
بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَمَا   كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذَا سَافَرَ لِحَجِّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوَةٍ يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْمَدِينَةِ
مَنْ يَكُونُ خَلِيفَةً لَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً   .

 فَيَسْتَخْلِفُ تَارَةً ابْنَ
أُمِّ مَكْتُومٍ وَتَارَةً غَيْرَهُ  وَاسْتَخْلَفَ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ .

 وَتُسَمَّى الْأَمْكِنَةُ الَّتِي
يَسْتَخْلِفُ فِيهَا الْإِمَامُ ” مَخَالِيفَ ” مِثْلَ : مَخَالِيفِ الْيَمَنِ
وَمَخَالِيفِ أَرْضِ الْحِجَازِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : [ حَيْثُ خَرَجَ مِنْ مِخْلَافٍ
إلَى مِخْلَافٍ ] وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ
خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي
مَا آتَاكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا } – إلَى قَوْله تَعَالَى – { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ
فِي الْأَرْضِ } وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ } الْآيَةُ .

 وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْقَائِلِينَ
الغالطين – كَابْنِ عَرَبِيٍّ – أَنَّ ” الْخَلِيفَةَ ” هُوَ الْخَلِيفَةُ
عَنْ اللَّهِ مِثْلَ نَائِبِ اللَّهِ ؛ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ
الْإِنْسَانُ مُسْتَخْلَفًا”

وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة (7/352) :” والخليفة لا يكون خليفة
إلا مع مغيب المستخلف أو موته فالنبي صلى الله عليه و سلم إذا كان بالمدينة امتنع أن
يكون له خليفة فيها كما أن سائر من استخلفه النبي صلى الله عليه و سلم لما رجع انقضت
خلافته وكذلك سائر ولاة الأمور إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك
إذا حضر المستخلف

ولهذا لا يصلح إن يقال إن الله يستخلف أحدا عنه فانه حي قيوم شهيد مدبر
لعباده منزه عن الموت والنوم والغيبة

ولهذا لما قالوا لأبى بكر يا خليفة الله قال لست خليفة الله بل خليفة رسول
الله وحسبي ذلك

والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد كما قال صلى الله عليه و سلم اللهم أنت
الصاحب في السفر والخليفة في الأهل وقال في حديث الدجال والله خليفتي على كل مسلم وكل
من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله

كقوله ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد
قوم نوح وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف
الذين من قبلهم

و كذلك قوله إني جاعل في الأرض خليفة أي عن خلق كان في الأرض قبل ذلك كما
ذكر المفسرون و غيرهم

وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية و غيرهم أن الإنسان خليفة الله فهذا جهل
و ضلال “

وقال النووي في الأذكار ص456:” فصل : ينبغي أن لا يُقال للقائم بأمر
المسلمين خليفة اللّه، بل يُقال الخليفة، وخليفةُ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وأميرُ المؤمنين .

روينا في شرح السنّة للإِمام أبي محمد البغوي رضي اللّه عنه قال رحمه اللّه
: لا بأسَ أن يُسمَّى القائم بأمر المسلمين أمير المؤمنين والخليفة، وإن كان مخالفاً
لسيرة أئمة العدل لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له . قال : ويُسمَّى خليفة لأنه
خلفَ الماضي قبلَه وقام مقامه .

قال : ولا يُسمى أحدٌ خليفة اللّه تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام
. قال اللّه تعالى : { إني جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً } وقال تعالى : { يا دَاوُدَ إنَّا جَعَلْناكَ
خَلِيفةً في الأرْضِ } وعن ابن أبي مُليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه : يا
خليفة اللّه ! فقال : أنا خليفة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأنا راضٍ بذلك .

وقال رجلٌ لعمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه : يا خليفة اللّه ! فقال : ويلَك
لقد تناولتَ تناولاً بعيداً.

 إن أُمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني
بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرتُ فكُنِّيتُ أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني
أمورَكم فسمَّيتُوني أمَير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك .

وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في
كتابه ” الأحكام السلطانية ” أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً؛ لأنه خلفَ رسولَ
اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أُمته، قال : فيجوز أن يُقال الخليفة على الإِطلاق، ويجوز
خليفة رسول اللّه .

قال : واختلفوا في جواز قولنا خليفة اللّه، فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه
في خلقه، ولقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ } وامتنع جمهورُ العلماء من ذلك
ونسبُوا قائلَه إلى الفجور، هذا كلام الماوردي”

أنبه على هذا لأنني رأيت الدكتور الرضواني على قناته البصيرة يستخدم هذا
التعبير ، ويقول ( الإنسان خليفة عن الله في الأرض ) ، وهو وإن كان متخصصاً في العقيدة
إلا أنه يحتاج إلى تعلم المزيد وإمعان النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية

فقد سمعته يقول بأنه لا يحذر من محمد حسان ، مع اعتقاده ان عنده بدعاً
، وأن البيلي وصفه بأنه يذهب للموازنات من أجل هذا الكلام ، فقال الرضواني بل
أنتم الخوارج فإن هذا المنهج منهج خوارج يعني التحذير من المسلمين من أهل البدع !

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/ 386) :” وَهَذَا مَذْهَبُ
فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ : أَنَّ مَنْ كَانَ دَاعِيَةً إلَى
بِدْعَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْ النَّاسِ وَإِنْ
كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُجْتَهِدًا وَأَقَلُّ عُقُوبَتِهِ أَنْ يُهْجَرَ فَلَا يَكُونُ
لَهُ مَرْتَبَةٌ فِي الدِّينِ لَا يُؤْخَذُ عَنْهُ الْعِلْمُ وَلَا يُسْتَقْضَى وَلَا
تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا”

فمالك وأحمد وشيخ الإسلام خوارج على مذهب الرضواني !

قال العقيلي في الضعفاء الكبير (1/59) : حدثنا عبد الله بن أحمد قال :
سألت أبي عن أسد بن عمرو صدوق ؟ قال : أصحاب أبي حنيفة ليس ينبغي أن يروى عنهم شيء

فهل الإمام أحمد خارجي يا دكتور هداك الله ؟

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم