فهذا جمع للأخ أبي سعيد الرادسي في النصوص
الدالة على أن مقالة الجهمية الأشعرية في العلو أخبث من مقالة الجهمية الأولى
وبالتالي فتكفير الأولى وترك هذه تناقض خصوصاً مع نفي التكفير المطلق والمعين الذي
درج عليه المعاصرون ، وذيل بفتاوى لمعاصرين يكفرون المعينين ممن يقول بمقالة
الجهمية الأولى فيلزمهم تكفير الجهمية الآخرة وهم الأشاعرة ولا يعزب عن ذهنك أن
هذه مسألة فطرية عقلية متواترة في النصوص أعني علو الله على خلقه
والآن مع ما جمعه الأخ الرادسي
قال أبو سعيد الرادسي :
جمع بعض النقول عن أهل العلم في مقالة
الجهمية المتقدمين والمتأخرين في العلو
الحمد لله ذي الجلال والكبرياء والملكوت
والعظمة , حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , وأشهد أن لا إله إلا
الله الذي في السماء وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه ومن اتبع آثارهم إلى يوم الدين , أما بعد :
فهذا جمع لبعض النقول عن أئمة المسلمين
وعلمائهم في بيان كفر من يقول أن الله بذاته في كل مكان وبيان إجماع السلف على
كفره , ثمُ بيان أن مقالة الجهمية الأشعرية المتأخرين من أن الله لا داخل العالم
ولا خارج عنه ولا متصل به ولا منفصل عنه ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال أشنع
من قول الجهمية الأولى من أنه في كل مكان بذاته وأبعد عن النقل والعقل والفطرة ,
مما يقتضي كفر مقالتهم هذه وحكاية الإجماع على هذا من باب أولى وبالله التوفيق
قال ابن تيمية رحمه الله في بغية المرتاد
في الرد على المتفلسفة (ص 411 ط مكتبة العلوم والحكم) : ولما كان هؤلاء نسخة
الجهمية الذين تكلم فيهم السلف والأئمة مع كون أولئك كانوا أقرب إلى الإسلام كان
كلام الجهمية يدور أيضا على هذين الأصلين فهم يظهرون للناس والعامة أن الله بذاته
موجود في كل مكان أو يعتقدون ذلك.
وعند التحقيق إما يصفونه بالسلب الذي
يستوجب عدمه كقولهم ليس بداخل العالم لا خارجه ولا مباين له ولا محايث له ولا متصل
به ولا منفصل عنه وأشباه هذه السلوب.
فكلام أول الجهمية وآخرهم يدور على هذين
الأصلين:.
إما النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه.
وإما الإثبات الذي يقتضي أنه هو المخلوقات
أو جزء منها أو صفة لها وكثير منهم يجمع بين هذا النفي وهذا الإثبات المتناقضين
وإذا حوقق في ذلك قال ذاك السلب مقتضى نظري وهذا الإثبات مقتضى شهودي وذوقي.
فجعل قول الأشعرية المتأخرين بأن الله لا
داخل العالم ولا خارجه مما يخفونه عن العامة وذلك لشدة قبحه ومنافرة الفطر له وهذا
يقتضى بداهة أنه شر مما يظهرونه لعوامهم من أن الله في كل مكان بذاته , وقولهم
(ولا متصل به ولا منفصل عنه) قد نص النووي عليه وأنه يكفر من أثبت الاتصال أو
الانفصال لله
وقال ابن تيمية في مجموعة الرسائل
والمسائل (ج1 ص70 ط محمد رشيد رضا) : والقول الثاني: قول معطلة الجهمية ونفاتهم
وهم الذين يقولون لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايث له، فينفون
الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود عن أحدهما كما يقول ذلك أكثر المعتزلة
ومن وافقهم من غيرهم.
والقول الثالث: قول حلولية الجهمية الذين
يقولون أنه بذاته في كل مكان كما تقول ذلك النجارية أتباع حسين النجار وغيرهم من
الجهمية وهؤلاء القائلون بالحلول والاتحاد من جنس هؤلاء فإن الحلول أغلب على عباد
الجهمية وصوفيتهم وعامتهم، والنفي والتعطيل أغلب على نظارهم ومتكلميهم كما قيل:
متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئاً، ومتصوفة الجهمية يعبدون كل شيء، وذلك لأن العبادة
تتضمن القصد والطلب والإرادة والمحبة وهذا لا يتعلق بمعدوم، فإن القلب يتطلب
موجوداً فإذا لم يطلب ما فوق العالم طلب ما هو فيه.
فجعل قول الأشعرية المتأخرين قول معطلة
الجهمية ونفاتهم وقول الجهمية الأولى قول الحلوليين منهم
وقال في درء التعارض (ج6 ص148-149 تحقيق
محمد رشاد سالم) : فكان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يبينون فساد قول الجهمية،
سواء قالوا: إنه في كل مكان، أو قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، أو قالوا: إنه
في العالم أو خارج العالم، إذ جماع قولهم أنه ليس مبايناً للعالم، مختصاً بما فوق
العالم.
ثم هم مع هذا مضطربون: يقولون هذه تارة،
وهذا تارة، ولا يمكن بعض طوائفهم أن يفسد مقالة الأخرى لاشتراكهم في الأصل الفاسد.
ولهذا كان الحلولية والاتحادية منهم الذين
يقولون: إنه في كل مكان يحتجون على النفاة منهم، الذين يقولون: ليس مبايناً للعالم
ولا مداخلاً له، بأن قد اتفقنا على أنه ليس فوق العالم، وإذا ثبت ذلك تعين مداخلته
للعالم، إما أن يكون وجوده وجود العالم، أو يحل في العالم، أو يتحد به، كما قد عرف
من مقالاتهم.
والذين أنكروا الحلول والاتحاد من
الجهمية، ليست لهم على هؤلاء حجة إلا من جنس حجة المثبتة عليهم، وهو قول المثبتة:
إن ما لا يكون داخلاً ولا مبايناً غير موجود، فإن أقروا بصحة هذه الحجة بطل قولهم،
وإن لم يقروا بصحتها أمكن إخوانهم الجهمية الحلولية أن لا يقروا بصحة حجتهم، إذ
هما من جنس واحد.
وقال في الدرء (ج6 ص154-155) : ولهذا كان
العامة من الجهمية إنما يعتقدون أنه في كل مكان، وخاصتهم لا تظهر لعامتهم إلا هذا،
لأن العقول تنفر عن التعطل أعظم من نفرتها عن الحلول، وتنكر قول من يقول: إنه لا
داخل العالم ولا خارجه أعظم مما تنكر أنه في كل مكان، فكان السلف يردون خير قوليهم
وأقربهما إلى المعقول، وذلك مستلزم فساد القول الآخر بطرق الأولى. ومن العجب أن
الجهمية من المعتزلة وغيرهم ينسبون المثبتين للصفات إلى قول النصارى، كما قد ذكر
ذلك عنهم أحمد وغيره من العلماء.
وبهذا السبب وضعوا على ابن كلاب حكاية
راجت على بعض المنتسبين إلى السنة، فذكروها في مثالبه، وهو أنه كان له أخت
نصرانية، وأنها هجرته لما أسلم، وأنه قال لها: أنا أظهرت الإسلام لأفسد على
المسلمين دينهم، فرضيت عنه لأجل ذلك.
وهذه الحكاية إنما افتراها بعض الجهمية من
المعتزلة ونحوهم، لأن ابن كلاب خالف هؤلاء في إثبات الصفات، وهم ينسبون مثبتة
الصفات إلى مشابهة النصارى، وهو أشبه بالنصارى، لأنه يلزمهم أن يقولوا: إنه في كل
مكان، وهذا أعظم من قول النصارى، أو أن يقولوا ما هو شر من هذا، وهو أنه لا داخل
العالم ولا خارجه.
فتأمل تصريحه رحمه الله بأن القول بأن
الله في كل مكان شر من قول النصارى بأن الله حلَ في عيسى عليه السلام وأن القول
بأنه لا داخل العالم ولا خارجه شر من الاثنين
ثم يتبع كلامه رحمه الله في الصفحة 155
و156 بقوله : ولهذا كان غير واحد من العلماء كعبد العزيز المكي وغيره، يردون عليهم
بمثل هذا، ويقولون: إذا كان المسلمون كفروا من يقول: إنه حل في المسيح وحده، فمن
قال بالحلول في جميع الموجودات أعظم كفراً من النصارى بكثير.
وهم لا يمكنهم أن يردوا على من قال
بالحلول، إن لم يقولوا بقول أهل الإثبات، القائلين بمباينته للعالم فيلزمهم أحد
الأمرين: إما الحلول، وإما التعطيل، والتعطيل شر من الحلول.
ولا يمكنهم إبطال قول أهل الحلول مع قولهم
بالنفي الذي هو شر منه وإنما يمكن ذلك لأهل الإثبات.
وهم وإن قالوا: إن مذهب النصارى والحلولية
أخس من أن يلتفت إليه، فلا يقدرون على إبطاله مع قولهم بالتجهم، ولهذا لم يكن فيما
ذكروه حجة على إبطاله، فيلزمهم: إما إمكان تصحيح قول النصارى والحلولية، وإما إبطال
قولهم، وهذا لا حيلة فيه لمن تدبر ذلك.
وقال في الدرء (ج6 ص158-160) : فإذا كان
حقيقة الأمر أن الرب تعالى، إما مباين للعالم، وإما مداخل له، كان من لم يثبت
المباينة لم يكن عنده ما ينافي المداخلة، بل إما أن يقر بالمداخلة، وإما أن يبقى
خالياً من اعتقاد المتقابلين المتناقضين، ولا يمكنه مع عدم اعتقاد نقيض قول أن
يعتقد فساده، ولا ينكره ولا يرده، بل يبقى بمنزلة من سمع أن محمداً قال: إنه رسول
الله، وأن مسيلمة قال: إنه رسول الله، وهو لم يصدق واحداً منهما، ولم يكذب واحداً
منهما، فمثل هذا يمتنع أن يرد على مسيلمة أو يكذبه.
فهكذا من كان لم يقر بأن الخالق تعالى
مباين للمخلوق، لم يمكنه أن يناقض قول من يقول بالحلول والاتحاد، بل غايته أن لا
يوافقه كما لم يوافق قول أهل الإثبات، فهو لم يؤمن بما قاله محمد رسول الله
والمؤمنون به، ولا بما قاله مخالفوه الدجالون الكذابون، من أهل الحلول والاتحاد
وغيرهم من نفاة العلو. وقول النفاة للمباينة والمداخلة جميعاً، لما كان في حقيقة
الأمر نفياً للمتقابلين المتناقضين، بمنزلة قول القرامطة الذين يقولون: لا حي ولا
ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز – كان قولهم في العقل أفسد من قول من
لا يؤمن بمحمد ولا بمسيلمة، فإن كلاهما مبطل، لكن بطلان سلب النقيضين وما هو في
معنى النقيضين، أبين في العقل من الإقرار بنبوة رسول من رسل الله صلى الله عليهم
أجمعين، فلهذا لا تكاد تجد أحداً من نفاة المباينة والمداخلة جميعاً، أو من
الواقفة في المباينة، يمكنه مناقضة الحلولية والاتحادية مناقضة يبطل بها قولهم، بل
أي حجة احتج بها عليهم عارضوه بمثلها، وكانت حجتهم أقوى من حجته.
فإذا قال لهم: لا يعقل الحلول إلا حلول
العرض، فيكون الحال مفتقراً إلى المحل، أو قال ما هو أبلغ من هذا مما احتج به
الأئمة عليهم: لو كان حالاً لم يخل من المباينة والمماسة، فإن القائم بنفسه إذ حل
في القائم بنفسه لم يخل من هذا وهذا – قالوا للنفاة: هذا إنما يكون إذا كان الحال
متخيراً أو قائماً بمتحيز، أو قالوا: هذا هو المعقول من حلول الأجسام وأعراضها،
فأما إذا قدرنا موجوداً قائماً بنفسه ليس بجسم ولا متحيز، لم يمتنع أن يكون حالاً
بلا افتقار إلى المحل، ولا مماسة ولا مباينة. فإن قال إخوانهم من النفاة للعلو
والمباينة: هذا لا يعقل.
قالوا لهم: إذا عرضنا على العقل وجود
موجود قائم بنفسه، ولا مباين للعالم ولا محايث له ولا داخل فيه ولا خارج عنه،
وعرضنا على العقل وجود موجود في العالم: قائم بنفسه، لا مماس له ولا مباين له،
وليس بجسم ولا متحيز، أو وجود موجود مباين له، وليس بجسم ولا متحيز – كان هذا أقرب
إلى العقل.
وذلك أن وجود موجود لا يشار إليه، ولا
يكون محيزاً: لا جسماً ولا جوهراً: إما أن يكون ممكناً، وإما أن لا يكون، فإن لم
يكن ممكناً بطل قول من يثبت موجوداً، لا داخل العالم ولا خارجه، ولا يشار إليه،
وكان حينئذ قول من أثبت موجوداً خارج العالم أو داخله، وقال: إنه لا يشار إليه –
أقل فساداً في العقل من هذا، وإن كان وجود موجود لا يشار إليه، وولا يكون جسماً
ولا متحيزاً، ممكناً في العقل، فمن المعلوم إذا قيل مع ذلك: إنه خارج العالم، لم
يجب أن يشار إليه، ولا يكون جسماً منقسماً ولا مطابقاً موازياً محاذياً للعرش، لا
أكبر ولا أصغر ولا مساوياً.
فانظر يا رعاك الله كيف جعلهم إخوانا
للجهمية الحلولية القائلين بأن الله في كل مكان وانظر إلى الورطة التي وضعهم فيها
إخوانهم
وقال في الصحيفة 173 من نفس المجلد :
والمقصود هنا أن الحلولية إذا أراد النفاة للمباينة والحلول جميعاً – من متكلمة
الفلاسفة والمعتزلة والأشعرية، كابن سينا والرازي وأبي حامد وأمثالهم – أن يردوا
عليهم حجة عقلية تبطل قولهم لم يمكنهم ذلك كما تقدم، بل يلزم من تجويزهم إثبات
وجود لا داخل العالم ولا خارجه تجويز قول الحلولية، ولهذا لا تجد في النفاة من يرد
على الحلولية رداً مستقيماً، بل إن لم يكن موافقاً لهم كان معهم بمنزلة المخنث،
كالرافضي مع الناصبي، فإن الرافضي لا يمكنه أن يقيم حجة على الناصبي الذي يكفره
علناً أو يفسقه.
ثم ذكر مناظرة بين رافضي وناصبي
وقال في نفس الكتاب ونفس المجلد (ص
194-195) ناقلا كلاما لابن كلاب مقرًا له : فقد ذكر ابن كلاب في هذا الكلام أن
العلم بأن الله فوق، فطري، مغروز في فطر العباد، اتفق عليه عامتهم وخاصتهم، وأنه
لم يخالف الجماعة في ذلك إلا نفر قليل يدعون أنهم أفضل الناس، جهم ونفر قليل معه،
وبين أيضاً ابن كلاب أن قول الجهمية هو نظير قول الدهرية، وهو كما قال فإن منتهى
كلام الجهمية إلى أنه لا موجود إلا العالم.
قال: (يقال للجهمية: أليست الدهرية كفاراً
ملحدين في قولهم: إن الدهر هو واحد، إلا أنه لا ينفك عن العالم ولا ينفك العالم
منه، ولا يباين العالم ولا يباينه، ولا يماس العالم ولا يماسه، ولا يداخل شيئاً من
العالم ولا يداخله، لأنه واحد والعالم غير مفارق له؟ فإذا قالوا نعم: قيل لهم:
صدقتم، فلم أثبتم المعبود بمعنى الدهر، وأكفرتم من قال بمثل مقالتكم؟ وهل تجدون
بينكم وبينهم فرقاً أكثر من أن سميتموه بغير ما سموه به؟ وقد قلتم: إنه غير مفارق
للعالم ولا العالم مفارق له، ولا هو داخل العالم ولا العالم داخل فيه، ولا مماس
للعالم، ولا العالم مماس له.
فأين تذهبون يا أولي الألباب إن كنتم
تعقلون؟ من أولى أن يكون قد شبه الله بخلقه: نحن أو أنتم؟ ولم رجعتم على من خالفكم
بالتكفير، وزعمتم أنهم قد كفروا لأنهم قالوا: واحد منفرد بائن؟ فلم لا كنتم أولى
بالكفر والتشبيه منهم إذ زعمتم مثل زعم الملحدين، وقلتم مثل مقالة المخالفين
الضالين، وخرجتم من توحيد رب العالمين) .
وقال في الصحيفة 206 : فقد حكى الأشعري
إجماع المسلمين على أن الله فوق العرش، وأن خلقه محجوبون عنه بالسماوات، وهذا
مناقض لقول من يقول: إنه لا داخل العالم ولا خارجه، فإن هؤلاء يقولون: ليس للعرش
به اختصاص، وليس شيء من المخلوقات يحجب عنه شيئاً.
وقال في الصحيفة 265 : وجميع الطوائف تنكر
هذا، إلا من تلقى ذلك عن الجهمية، كالمعتزلة ونحوهم من الفلاسفة، فأما العامة من
جميع الأمم فلا يستريب اثنان في أن فطرهم مقرة بأن الله فوق العالم، وأنهم إذا قيل
لهم: لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، ولا يقرب
إليه شيء، ولا يقرب هو من شيء، ولا يحجب العباد عنه شيء، ولا ترفع إليه الأيدي،
ولا تتوجه القلوب إليه طالبة له في العلو، فإن فطرهم تنكر ذلك .
فالعامة من جميع الأمم –مسلمهم وكافرهم
إلا الجهمية وأفراخهم- ينكرون مقالة الأشعرية المتأخرين الذين خالفوا فيها قدماءهم
وقد تقدم نقل الأشعري للإجماع على إثبات العلو المناقض لمذهبهم كما قال شيخ
الإسلام
وقال رحمه الله في الصحيفة 272 : الوجه
الرابع
أن يقال: هذا معارض بما هو أبلغ منه، فإن
الجموع الكثيرة يقولون: إنهم يجدون في أنفسهم عند الضرورة معنى يطلب العلو في توجه
قلوبهم إلى الله ودعائه، وأنه يمتنع في عقولهم وجود موجود لا داخل العالم ولا
خارجه، وأن هذا معلوم لهم بالضرورة، فإن امتنع اتفاق الجمع العظيم على مخالفة
البديهة، فتجب الحجة المثبتة، فيبطل نقيضها، وإن لم تمتنع بطلت حجة النفاة، فيثبت
بطلانها على التقديرين.
فبطلان هذا القول معلوم بالضرورة للجموع
الكثيرة من بني آدم
وقال في الصحيفة 305 –ومازلنا مع المجلد
السادس- : وقول هؤلاء وإن كان باطلاً، كما قد بين في غير هذا الموضع، فالمقصود أن
النفاة الذين يقولون: ليس بداخل العالم ولا بخارجه، لا يمكنهم إبطال قول هؤلاء.
بل قد يقول القائل: إن قول هؤلاء الحلولية
خير من قول أولئك المعطلة، الذين يقولون: لا داخل العالم ولا خارجه.
ولهذا قال من قال: (متكلمة الجهمية لا
يعبدون شيئاً، ومتعبدة الجهمية يعبدون كل شيء) .
ومنهم من يقول هذا تارة وهذا تارة ومنهم
من يقول: هذا اعتقادي، وهذا ذوقي ووجدي.
وإنما يتمكن من إبطال قول هؤلاء كلهم أهل
السنة المثبتة، الذين يقولون: إنه مباين للعالم، فأما بعض هذه الطوائف مع بعضهم
فإنهم متناقضون.
فانظر يرحمك الله كيف فضل الشيخ حلوليي
الجهمية على معطلتهم وهم الأشعرية المتأخرون بلا خلاف بينهم
وقال في الدرء (ج10 ص288-289) : وأما من
أثبت هذا، فإنه لا يمكنه إبطال قول الحلولية، فإنهم يقولون: كما أثبت موجوداً لا
داخل العالم ولا خارجه فأثبته حالاً في الموجودات من غير أن يكون مفتقراً إليها.
فإذا قال: هذا لا يعقل.
قيل: وذاك لا يعقل، بلا تصديق العقل بوجود
موجود في العالم غير مفتقر إليه، أقرب من تصديقه بوجود موجود لا داخل العالم ولا
مباين له.
ولهذا كان انقياد القلوب إلى قول الحلولية
أقرب من انقيادهم إلى قول نفاة الأمرين.
وجمهور الجهمية وعبادهم وصوفيتهم إنما
يتكلمون بالحلول.
وإلا فالنفي العام لا تقبله غالب العقول،
وإنما يقوله من يقوله من متكلمتهم.
وهؤلاء يخضعون لأرباب الأحوال والعبادات
والمعارف من الجهمية الحلولية، ولا يمكنهم الإنكار عليهم بحجة ظاهرة، ويد مبسوطة،
بل إما أن يكونوا مقصرين معهم في الحجة، وإما أن يكونوا مقهورين معهم بالحال
والعبادة والمعرفة، لأن أولئك في قلوبهم تأله ووجد وذوق، وهؤلاء بطالون قساة
القلوب، لأن القلب لا يتوجه بالقصد والعبادة إلى العدم والنفي، وإنما يتوجه إلى
أمر موجود.
ولهذا كانت الجهمية النفاة داخلين في نوع
من الشرك، إذ كل معطل مشرك، وليس كل مشرك معطلاً.
والجهمية قولهم مستلزم للتعطيل، ففيهم
شرك.
وقال رحمه الله في جامع المسائل (ج3
ص203-204 تحقيق عزيز شمس) : والناس في ذلك ثلاثة أصنافٍ: أهل الحلول والاتحاد،
وأهل النفي والجحود، وأهل الإيمان والتوحيد والسنة.
فأهل الحلول يقولون: إنه بذاته في كلِّ
مكانٍ، وقد يقولون بالاتحاد والوحدة، فيقولون: وجود المخلوقات وجودُ الخالق، كما
هو مذهب ابن عربي صاحب “الفصوص” وابن سبعين ونحوهما. وأما أهل النفي
والجحود فيقولون: لا هو داخلَ العالم ولا خارج عنه، ولا مباينٌ له ولا حَالٌّ فيه،
ولا فوقَ العالم ولا فيه، ولا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقربُ إليه شيء،
ولا يدنو منه شيء، ولا يتجلى لشيء ولا يراه أحد، ونحو ذلك.
وهذا قول متكلمة الجهمية، كما أن الأول
قول عُبَّاد الجهمية. فمتكلمة الجهمية لا يعبدون شيئًا، ومتعبدة الجهمية يعبدون
كلَّ شيء، وكلاهما مرجعُهم إلى التعطيل والجحود الذي هو قول فرعون.
وقد عُلِم أن الله كان قبل أن يخلق
السماوات والأرض، ثم خلقها، فإمَّا أن يكون دخل فيهما، وهذا حلولٌ باطلٌ وإما أن
يكونَا دخَلاَ فيه، وهو أبطلُ وأبطلُ؛ وإما أن يكون بائنًا عنهما لم يدخل فيهما
ولم يدخلا فيه، وهذا قول أهل الحق والتوحيد والسنة.
وقال في الصفدية (ج2 ص119) : الوجه
الثامن: أن هذا القول مبني على وجود العقول والنفوس التي يذكرها هؤلاء وأنها أمور
قائمة بأنفسها موجودة في الخارج لا يشار إليها ولا هي داخل العالم ولا خارجه ولا
مباينة للعالم ولا حالة فيه ولا توصف بحركة ولا سكون ولا تجوز رؤيتها ولا هي أجسام
ولا قائمة بالأجسام وجمهور العقلاء يقولون إن بطلان هذا معلوم بالاضطرار.
وقال في بيان تلبيس الجهمية (ج1 ص89 ط
مجمع الملك فهد) : وقد ذكر «أبو بكر بن فورك» فصولًا من كلام «ابن كلاب» في
مصنفاته مثل كتاب «التوحيد» وكتاب «الصفات» وكتاب «الرد على المريسي» ونحن نعود
إلى ما أشرنا إليه، وهو أن القول: بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، إنما ذهب إليه
شرذمة من الناس أهل البدع، خلاف ما يزعم «الرازي» وأمثاله أن ذلك قول جمهور
العقلاء المعتبرين.
فانظر إلى إمام الأشعرية المتأخرين كيف
يزعم أن هذا قول جمهور العقلاء المعتبرين –عنده- لتعرف حال القوم وكبار طواغيتهم
وقدرهم من الإسلام والعقل السليم والله المستعان
وقال في الصحيفة 220-221 من ذات المجلد :
فإن الله بعث الرسل بالإثبات المفصل والنفي المجمل، فأخبروا أنه بكل شيء عليم،
وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، وأنه يحب ويبغض، ويتكلم ويرضى ويغضب، وأنه
استوى على العرش، وغير ذلك مما أخبرت به الرسل، وقالوا في النفي ما قاله الله:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
} [الإخلاص: 4] {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) } [مريم: 65] {فَلَا تَجْعَلُوا
لِلَّهِ أَندَادًا} [البقرة: 22] وأما أعداؤهم في هذا الباب من المشركين، ومن
وافقهم من الصابئين المتفلسفة ونحوهم، فإنهم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل،
ويطلقون عبارات مجملة، تحتمل نفي الباطل [و] الحق؛ فيقولون: ليس بجسم ولا جوهر ولا
عرض ولا منقسم، ولا مؤلف ولا مركب، ولا محدود، ولا له غاية ولا انتهاء، ولا هو
داخل العالم ولا خارجه، ولا كذا ولا كذا، حتى ينفوا كل ما يمكن للقلب أن يعلمه،
فإذا طلب إثباته، قالوا: وجود مطلق. ونحو ذلك، فأثبتوا ما لا يكون موجودًا إلا في
الأذهان لا في الأعيان، والجهمية توافق هؤلاء في النفي، وأما المبتدعة من المشبهة
والمجسمة، فإن دعتهم الزيادة في الإثبات، والكفر والإلحاد، والفساد في ذلك النفي
أعظم مما في الزيادة في الإثبات، كما قد بينا هذا في غير هذا الموضع.
وقال في (ج1 ص322-323) : ولهذا يوجد من
الجهمية النفاة، من يعتقد أن الله هو الوجود المطلق، وأنه وجود الموجودات أنفسها،
وأنه بنفسه في كل مكان، وأن وجود الموجودات كلها وجود واحد. ويقولون بوحدة الوجود
[في] الخارج وأنه عين ذلك الوجود، ونحو ذلك من الاعتقادات، التي يقولون: إنها حصلت
لهم بالكشف والمشاهدة، وهي خيالات وأوهام باطلة: إما أن لا يكون لها حقيقة في
الخارج، أو يكون لها حقيقة، لكن تكون هي أمر مخلوق، لا تكون هي الخالق سبحانه.
وكما يتخيلون ويتوهمون، أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق ولا تحت، ولا كذا
ولا كذا، مما هو عند أهل العقول السليمة خيالات باطلة، وأوهام فاسدة، لا تنطبق إلا
على المعدوم، بل على الممتنع؛ ولهذا يوجد في هؤلاء من يعبد المخلوقات، ومن يعتقد
في كثير من المخلوقات، أنه الله، أضعاف أضعاف ما يوجد في أهل الإثبات، كما قد
رأينا وسمعنا من ذلك ما لا يسع هذا المكان ذكر عُشره، فلهذا هم أعظم الناس
اختيالًا وتكبرًا، حيث قد يختال أحدهم في نفسه أنه الله ويعظمون فرعون في قوله:
{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } [النازعات: 24] {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ
إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] ونحو ذلك من الاختيال الباطل، الذي هو أفسد اختيال
وأعظم فرية على الله. تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
وقال في الصحيفة 371 من نفس المجلد : الرابع:
أن إثبات صفات لا تُعْلَم كيفيتها لذات لا تعلم كيفيتها، ليس ممتنعًا في العقل ولا
في الوهم والخيال، إنما الممتنع ثبوت ذات قائمة بنفسها لا داخل العالم ولا خارجه.
الخامس: أنه إذا عرض على الفطرة وجود
موجود لا داخل العالم ولا خارجه نفت ذلك، وأنكرته وقضت بعدمه، وإذا عرض عليها يد
ليست جسمًا، كأيد المخلوقين وعلم ليس عرضًا، كعلم المخلوقين، لم يقض بعدم فهمه
ومعرفته، أو بعلمه من وجه دون وجه.
وقال في الصحيفة 388 : الوجه الثاني: أن
هذه الحجة تحتج بها طوائف من متكلميهم: من الكرامية وغيرهم، وإلا فجمهورهم لا
يحتاجون إلى قياس شمولي في هذا الباب؛ بل عندهم أن علو الله على العرش معلوم
بالفطرة الضرورية، وقد تواطأت عليه الآثار النبوية، واتفق عليه خير البرية،
ويقولون نفي ذلك تعطيل للصانع، معلوم بالضرورة العقلية، فلو فرض أن هذا القياس
عارضه ما أبطله، لم يبطل ما علموه بالفطرة الضرورية من أن الله فوق خلقه، وأنه
يمتنع كونه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا يلزم من كون العبد مضطرًّا إلى العلم
بحكم الشيء المعين، أن يجعل نقيض ذلك قضية عامة كلية؛ فإن العلم بالمعين الموجود
يلزمه نفي النقيض، وذلك شيء غير العلم بنفي المطلق الكلي.
وقال في الصحيفة 401 : فمن المعلوم أن
الكتاب والسنة والإجماع، لم تنطق بان الأجسام كلها محدثة، وأن الله ليس بجسم، ولا
قال ذلك إمام من أئمة المسلمين، فليس في تركي لهذا القول، خروج عن الفطرة ولا عن
الشريعة، بخلاف قولي: أن الله تعالى ليس فوق العالم، وأنه موجود لا داخل العالم
ولا خارجه، فإن فيه من مخالفة الفطرة والشرعة، ما هو بين لكل أحد، وهو قول لم يقله
إمام من أئمة المسلمين، بل قالوا نقيضه، فكيف ألتزم خلاف المعقول الفطري، وخلاف
الكتاب والسنة والإجماع القديم، خوفًا أن أقول قولًا لم أخالف فيه، كتابًا ولا سنة
ولا إجماعًا ولا معقولًا فطريًّا.
وقال في (ج3 ص423-425) : قال البخاري وقال
زهير السجستاني سمعت سلام بن أبي مطيع يقول الجهمية كفار وكلام السلف والأئمة في
هذا الباب أعظم وأكثر من أن يذكر هنا إلا بعضه كلهم مطبقون على الذم والرد على من
نفى أن يكون الله فوق العرش كلهم متفقون على وصفه بذلك وعلى ذم الجهمية الذين
ينكرون ذلك وليس بينهم في ذلك خلاف ولا يقدر أحد أن ينقل عن أحد من سلف الأمة
وأئمتها في القرون الثلاثة حرفًا واحدًا يخالف ذلك لم يقولوا شيئًا من عبارات
النافية إن الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا أنه داخل العالم ولا خارجه
ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ولا أنه في كل مكان أو أنه ليس في مكان أو
أنه لا تجوز الإشارة غليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة بأن يكون
فوق العرش لا نصًّا ولا ظاهرًا بل هم مطبقون متفقون على أنه نفسه فوق العرش وعلى
ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض
ونحوهم وإذا كان كذلك فليعلم أن الرازي ونحوه من الجاحدين لأن يكون الله نفسه فوق
العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها الذين لهم في الأمة لسان صدق ومخالفون
لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية
والكلابية والأشعرية الذين هم الأشعري أئمة أصحابه ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم
المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة من الأشعرية وهم في المتأخرين منهم
أكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من الفقهاء والصوفية وطائفة من أهل
الحديث وحينئذ فيذكر ما يُتكلم به على حججه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تأمل هذا الكلام جدا يا عبد الله فإنه
نفيس جدا في بيان عقيدة الأشعرية المتأخرين أتباع الرازي الذي وصفه شيخ الإسلام
هنا بالجاحد ومخالفتهم لكل البشر بما في ذلك أسلافهم وفي بيان حكمهم والله
المستعان
ومن أنفس ما تقرأ للشيخ رحمه الله كلامه
في (ج3 ص521-531) : ولهذا قال البخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق الأفعال ما أبالي
أصليت خلف الجهمي أو الرافضي أو صليت خلف اليهودي والنصراني ولايسلم عليهم ولا
يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم قال وقال عبد الرحمن بن مهدي هما
ملتان فاحذروهم الجهمية والرافضة إذا عرف ذلك فالجهمية أظهروا مسألة القرآن وأنه
مخلوق وأظهروا أن الله لا يرى في الآخرة ولم يكونوا يظهرون لعامة المؤمنين
وعلمائهم إنكار أن الله فوق العرش وأنه لا داخل العالم ولا خارجه وإنما كان
العلماء يعلمون هذا منهم بالاستدلال والتوسم كما يعلم المنافقون في لحن القول قال
الله تعالى وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد 30] فأقسم سبحانه وتعالى أن
المنافقين لتعرفنهم في لحن القول وهذا كما قال حماد بن زيد الإمام الذي هو من أعظم
أئمة الدين القرآن كلام الله نزل به جبريل ما يحاولون إلا أن ليس في السماء إله
وقال أيضًا سليمان بن حرب سمعت حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية فقال إنما يحاولون
أن يقولوا ليس في السماء شيء وقال عباد بن العوام الواسطي كلمت بشر المريسي وأصحاب
بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء وقال عبد الرحمن بن مهدي
ليس في أصحاب الهواء شر من أصحاب جهم يَدُورون على أن يقولوا ليس في السماء شيء
أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا وقال أيضًا أصحاب جهم يريدون أن يقولوا ليس
في السماء شيء وأن الله ليس على العرش أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا وقال
عاصم بن علي ناظرت جهميًّا فتبين من كلامه أن لا يؤمن أن في السماء ربًا وقال علي
بن عاصم ما الذين قالوا إن لله ولدًا أكفر من الذين قالوا إن الله لا يتكلم وقال
احذر من المريسي وأصحابه فإن كلامهم أبو جاد الزندقة وأنا كلمت أستاذهم جهمًا فلم
يثبت أن في السماء إلهًا هكذا وجدت هذا عنه في كتاب خلق الأفعال للبخاري والأول
رواه ابن أبي حاتم عن عاصم بن علي بن عاصم في كتاب الرد على الجهمية وكان إسماعيل
بن أبي أويس يسميهم زنادقة العراق وقيل له سمعت أحدًا يقول القرآن مخلوق فقال
هؤلاء الزنادقة والله لقد فررت إلى اليمن حين تكلم أبو العباس ببغداد بهذا فرارًا
من هذا الكلام وقال وكيع بن الجراح من كذب بحديث إسماعيل عن قيس عن جرير عن النبي
صلى الله عليه وسلم يعني قوله إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر فهو جهمي
فاحذروه قال وكيع أيضًا لا تستخفوا بقولهم القرآن مخلوق فإنه من شر قولهم إنما
يذهبون إلى التعطيل وقال الحسن بن موسى الأشيب وذكر الجهمية فنال منهم ثم قال
أُدخل رأس من رؤساء الزنادقة يقال له سمعلة على المهدي فقال دلني على أصحابك فقال
أصحابي أكثر من ذلك أعظم بكثير من الاعتراف بأن الله يرى في الآخرة وأن القرآن غير
مخلوق فإذا كان هؤلاء الشرذمة الذين فيهم من التجهم ما فيهم مثل الرازي وأمثاله
يقرون بأن الله يرى كان إقرارهم بأن الله فوق العالم أولى وأحرى فإنه لا يَرِد على
مسألة العلو سؤال إلا ويَرِد على مسألة الرؤية ما هو أعظم منه ولا يمكنهم أن
يجيبوا لمن يناظرهم في مسالة الرؤية بجواب إلا أجاب من يناظرهم في مسألة العرش
بخير منه.
وقال في (ج3 ص769-770) : فطوائف من
الجهمية يقولون إنه بذاته في كل مكان وقد ذكر الأئمة والعلماء ذلك عن الجهمية
وردوا ذلك عليهم وطوائف أخر يقولون إنه موجود الذات في كل مكان وأنه على العرش كما
نقل الأشعري عن زهير وأبي معاذ وأيضًا هؤلاء الاتحادية يصرحون بذلك تصريحًا لا
مزيد عليه حتى يجعلوه عين الكلب والخنزير والنجاسات لا يقولون إنه مخالط لها بل
وجوده عين وجوده وهذا وإن كان من أعظم الكفر فالغرض أن إخوانه من الذين يقولون إن
الله ليس فوق العرش قد قالوا هذا كله وما هو أكثر منه فلابد أن يرد قولهم بطرقه
التي يسلكها وإلا لم يكن قوله أصح من قولهم بل قولهم أقرب إلى العقل من قوله إنه
لا داخل العالم ولا خارجه ولهم في الجواب عن المخالطة من الكلام ما هو مع كونه
باطلاً أقرب إلى العقل من كلامه مثل قولهم إنه بمنزلة الشعاع للشمس الذي لا يتنجس
بما يلاقيه وبمنزلة الفضاء والهواء الذي لا يتأثر بما يكون فيه ونحو هذا من المثال
التي يضربونها لله فهم مع كونهم جعلوا لله ندًّا وعدلاً ومثلاً وسميًّا في كثير من
أقوالهم إن لم يكونوا أمثل منه فليسوا دونه بكثير وأما إن أردت أن العقل يبطل هذا
القول فلم تذكر على بطلانه حجة عقلية أكثر ما ذكرت قولٌ تنفر عنه النفوس أو ما
يتضمن نوع نقص وأنت تقول ليس في العقل ما ينفي عن الله النقص وإنما نفيته بإجماع
فهذا الوجه في جانب من يقول بالقسم الثالث.
وقال في (ج3 ص783-784) : وهكذا كان السلف
يقولون عن قول الجهمية إنهم لما قالوا إن الله ليس على العرش وأنه لا يكون في مكان
دون مكان صاروا تارة يقولون إنه في كل مكان ويقول من يقول منهم إنه موجود لا نهاية
لذاته فيجعلونه من الموجودات المخلوقة أو نفس وجودها وتارة يقولون ليس في مكان
أصلاً ولا داخل العالم ولا خارجه فيجعلونه كالمعدومات فهم دائمًا مترددون بين
الإشراك وبين التعطيل إما يجعلونه كالمخلوقات وإما أن يجعلوه كالمعدومات فالأول
يكثر في عبادهم ومتصوفتهم والثاني يكثر في علمائهم ومتكلمتهم ولهذا لما كان صاحب
الفصوص ونحوه من القسم الأول جعلوه نفس الموجودات وجوزوا كل شرك في العالم وجعلوه
نفس العابد والمعبود والناكح والمنكوح والشاتم والمشتوم وقالوا ما عبد أحد إلا
الله ولا يمكن أحد أن يعبد إلا الله بل لا يتصور أن يكون العابد والمعبود عندهم
إلا الله ولما كان صاحب التأسيس ونحوه من القسم الثاني جعلوه كالمعدومات المحضة
ولهذا يقال فيهم متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئًا وهذا هو نهاية التعطيل ومتصوفتهم
يعبدون كل شيء وهذا نهاية الإشراك ولهذا ذكر علماء الإسلام والسنة أن هذا السلب
أول من ابتدعه في الإسلام هم الجهمية وليس له أصل في دين المسلمين ولا غيرهم بل
الموجود في كتاب الله وسنة رسوله وكلام سلف الأمة وأئمتها هو نفي إدراك نهايته
ونفي الإحاطة به كما قال تعالى لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام 103].
وقال في (ج4 ص106) : ولهذا اعترف أساطين
الفلاسفة أن كلامهم لا يفيد في الإلهيات العلم واليقين وإنما ينظر فيها بالأولى
والأحرى والأخلق وإن كان هذا الكلام باطلاً لم يصح أن يبطل به ما استقر في الفطر
استقراراً ضروريًّا من أن رب العالمين فوق العالم وأنه يمتنع وجود موجود لا داخل
العالم ولا خارجه.
وقال في (ج5 ص149-150) : وإذا علم أن
هؤلاء المنازعين قالوا إنا نعقل عقلاً ضروريًّا فطريًّا أو نعلم علمًا ضروريًّا
فطريًّا امتناعَ وجود موجودين ليس أحدهما داخل الآخر ولا خارجه ونعلم أن من أثبت
موجودًا لا داخل العالم ولا خارجه فإنه أثبت ما لا يتصور أن يعلم وجوده وما لا يكون
وجوده بل هذا بمنزلة جعلِه لا موجودًا ولا معدومًا ولا قديمًا ولا محدثًا ولا
عالمًا ولا غير عالم ولا قادرًا ولا غير قادر والموجود يمتنع أن يخلو عن هذين
النقيضين فمن أثبتهما أو نفاهما يكون قد وصف الموجود بصفة الممتنع وجوده فضلاً عن
أن يكون معدومًا فيكون قد أثبت واجب الوجود وجعله ممتنع الوجود فيكون قد جمع في
كلامه بين إثبات واجب الوجود بين وجوده وبين عدمه وهذه صفة هؤلاء الملاحدة من
الجهمية وأشياعهم هم منافقون مذبذبون بين الإقرار بالصانع واجب الوجود وبين إنكاره
وإحالة وجوده لا جحدوه بالكلية ولا أقروه بالكلية وصفوه بما يقتضي أنه واجب الوجود
ووصفوه بما يقتضي أنه ممتنع الوجود ثم قد يكون هذا في كلامهم اغلب وقد يكون هذا
أغلب وحينئذ فيكون الكفر الصريح على بعضهم أغلب وهو حال الملاحدة النفاة للنقيضين
جميعًا فإن جحود هؤلاء وجعلهم له ممتنعًا أضعاف إقرارهم بوجوب وجوده وقد يكون
الإثبات أغلب وهو حال من أقر بعامة أسمائه وصفاته وإنما جحد منها شيئًا يسيرًا كما
يوجد في بعض الصفاتية كثيرًا وهؤلاء يؤمنون ببعض أسناء الله تعالى ويكفرون ببعض
ويؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ولهذا تنازع الناس في إيمانهم وكفرهم بما ليس
هذا موضعه ولا ريب أن فيهم الجاهل المتأول الذي لا يجوز أن يُحكم عليه بحكم الكفار
وأن قوله من قول الكفار كما أن فيهم المنافق الزنديق الذي لا ريب في نفاقه وكفره.
فانظر يرحمك الله إلى كلام الشيخ الذي
يضعه بعضهم في غير سياقه , كيف أن عند الكلام على الأشعرية المتأخرين النفاة للنقيضين
أي القائلين بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه سمَاهم ملاحدة وأن الكفر الصريح هو
الغالب عليهم وعندما تكلم عن الذين يغلب عليهم الإثبات والنفي فيهم يسير نقل خلاف
الناس –وليس أهل السنة- في تكفيرهم وإعذار بعضهم بالجهل والتأويل , مما يدل على أن
القسم الأول لا خلاف في تكفيرهم ولا عذر لهم بجهل ولا تأويل , وهؤلاء الذين يجحدون
شيئا يسيرا في الصفات هم متقدمو الأشعرية والكلابية وبعض متأخري الحنابلة , وهل
يمكن لبشر عاقل أن ينزل قول الشيخ (وهو حال من أقر بعامة أسمائه وصفاته وإنما جحد
منها شيئًا يسيرًا كما يوجد في بعض الصفاتية كثيرًا) على من يؤصل أنه يثبت سبع
صفات وينكر غيرها ؟؟
وقال في (ج5 ص186) : ومن قال ليس في
الأمكنة ولا خارجًا عنها فهو كمن قال ليس مقارنًا للأزمنة ولا متقدمًا عليها وكل
من هذين المقالين من مقالات الجهمية لكن الأولى أقرب إلى العقل وهي قولهم في الابتداء
يقولون إنه في كل مكان فيجعلونه بمنزلة الحال فيها المحتاج إليها هو نظير قول من
قال مقارن للأزمنة المحدثة فيكون هؤلاء قد جعلوه داخلاً في المخلوقات والمحدثات بل
زادوا حتى جعل الاتحادية منهم نفسَ وجود المخلوقات فهؤلاء أقروا به ثم جعلوه هو
المخلوق أو بعض المخلوق وإذا قال هو في العالم لا مباين له ولا مماس له كان كقولهم
هو مع العالم لا متقدم عليه ولا مقارن له وأما الجهمية في الانتهاء فإنهم عطَّلوه
بالكلية ولم يثبتوا له وجود المخلوقات ولا غيرها حيث قالوا لا هو داخل العالم ولا
خارجه كما لو قالوا لا هو مع العالم ولا قبله ليس بين هذا وبين هذا فرق في بديهة
العقل.
وقال في (ج5 ص309-310) : الوجه الثاني أن
يقال ظاهر هذه الآيات إما أن يقتضي أنه بذاته في كل مكان أو لا يقتضي فإن اقتضى
الأول وجب القول بمضمون الصنفين جميعاً فيقال إنه فوق العرش وإنه بذاته في كل مكان
كما تقوله طائفة من الجهمية المجسمة وغير المجسمة كما تقدم ذكره فكان على هذا
المؤسس أن يقول بقول هؤلاء إن كانت هذه الآيات تقتضي أنه في كل مكان بذاته ويحتاج
أن يجيب إخوانه هؤلاء الجهمية عن دلالة الصنفين من الآيات على مذهبهم وإن لم تكن
هذه الآيات تقتضي أنه بذاته في كل مكان وهو الذي تقوله الجماعة لم يصلح لمعارضة ما
دل على أنه فوق العرش فقد ظهر على التقديرين بطلان قوله وهو أنه لاداخل العالم
ولاخارجه فإنه سواء كانت هذه الآيات دالة على أنه في كل مكان أو لم تكن دالة فإن
القرآن يدل على بطلان قولهم إنه لا داخل العالم ولا خارجه إذ مضمون القرآن على أحد
التقديرين أنه خارج العالم وعلى التقدير الآخر الذي عارض به المنازع أنه داخله
والقول بمضمونها قد قاله القوم وعلى التقديرين فقولُ المؤسس باطل.
وقال في (ج6 ص549-550) : والإمام أحمد ذكر
أن الجهم فر إلى نظير قول زنادقة النصارى فإن أولئك يقولون بالحلول الخاص في
المسيح والجهمية يقولون بالحلول العام المطلق وهو أنه في كل مكان لا يستقرون على
قدم في ذلك فتارة يقولون هو في كل مكان وتارة يقولون ليس في مكان أصلاً ولا هو
داخل العالم ولا خارجه وقد يطلقون الأول لفظاً ويريدون الثاني من جهة المعنى لنفور
القلوب عن إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه فإن فساد هذا معلوم في بداية
العقول فيطلقون للعامة انه بكل مكان لأن هذا إقرار بشيء من الجملة ولكن مقصود
نظارهم هو النفي العام والجهم وأئمتهم كانوا يأتون بألفاظ مجملة ومقصوده بالجميع
انه ليس على العرش كقوله هو على العرش كما تحت الثرى لا يختص بمكان دون مكان.
وقال في (ج8 486-487) : وأبو عيسى محمد بن
عيسى برغوث وهو من أتباع حسين النجار وكلام أولئك خير من كلام هؤلاء الذين جمعوا
إلى تعطيل أولئك إلحاد الفلاسفة مع أن أولئك لم يظهروا كل ما في قلوبهم للأئمة
فالجهمية لم تكن تظهر لهم لا داخل العالم ولا خارجه وإنما أظهروا أنه في كل مكان
فالأئمة استعظموا ما أظهروه فكيف ما أبطنوه والذي أبطنه أولئك هو خير من قول
الملاحدة الذين جمعوا بين أقوال الجهمية والفلاسفة الدهرية.
وقال رحمه الله في الفتاوى الكبرى (ج6
ص630) : وَوَافَقْتُمْ الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى نَفْيِهِمْ وَتَعْطِيلِهِمْ الَّذِي
مَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى إظْهَارِهِ فِي زَمَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ
وَهُوَ قَوْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَأَنَّهُ
لَيْسَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ رَبٌّ، وَلَا عَلَى الْعَرْشِ إلَهٌ، فَإِنَّ هَذِهِ
الْبِدْعَةَ الشَّنْعَاءَ وَالْمَقَالَةَ الَّتِي هِيَ شَرٌّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَمْ يَكُنْ يُظْهِرُهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ
لِلْعَامَّةِ، وَلَا يَدْعُو عُمُومَ النَّاسِ إلَيْهَا وَإِنَّمَا كَانَ
السَّلَفُ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى أَنَّهُمْ يُبْطِنُونَ ذَلِكَ بِمَا يُظْهِرُونَهُ
مِنْ مَقَالَاتِهِمْ فَمُوَافَقَتُكُمْ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَا أَسَرُّوهُ
مِنْ التَّعْطِيلِ وَالْإِلْحَادِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِلشَّرْعِ
وَالْعَقْلِ مِمَّا خَالَفْتُمُوهُ فِيهِ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ
وَالْقُرْآنِ، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَى
عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ أَعْظَمُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ
يُرَى، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ تُوهِمُ الْمُسْتَمِعَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ
دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَفِيهِ مَا يُوهِمُ بَعْضَ النَّاسِ نَفْيَ
الرُّؤْيَةِ وَلَكِنْ يُعَارِضُونَ آيَاتِ الْعُلُوِّ الْكَثِيرَةَ الصَّرِيحَةَ
بِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَان،
وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا، فَلَمْ يَكُنْ مَعَكُمْ
عَلَى هَذَا النَّفْيِ آيَةٌ تُشْعِرُ بِمَذْهَبِكُمْ، فَضْلًا مِنْ أَنْ تَدُلَّ
عَلَيْهِ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا، وَلَا حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ وَلَا
إمَامٍ، وَإِنَّمَا غَايَتُكُمْ أَنْ تَتَمَسَّكُوا بِأَثَرٍ مَكْذُوبٍ كَمَا
تَذْكُرُونَهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي أَيَّنَ الْأَيْنَ لَا يُقَالُ
لَهُ أَيْنَ، وَهَذَا مِنْ الْكَذِبِ عَلَى عَلِيٍّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ،
لَا إسْنَادَ لَهُ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْمَلَائِكَةِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ أَنَّ
ذَلِكَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لَكُمْ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ
مَخْلُوقٌ فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ مَا لَيْسَ فِي نَفْسِ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى
عِبَادِهِ، وَلِهَذَا كَانَ فِي فِطَرِ جَمِيعِ الْأُمَمِ الْإِقْرَارُ بِعُلُوِّ
اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ.
وكلام الشيخ في نقض هذا المذهب الكفري
وبيان مخالفته للنقل الصحيح والعقل الصريح والفطر السليمة وعقائد كل البشر مسلمهم
وكافرهم وبيان أنها شر من قول الجهمية الحلولية الأولى أنه في كل مكان , كثير جدا
وبالله التوفيق
وقال ابن القيم رحمه الله في الصواعق
المرسلة (ج3 ص1011-1012) : والاتحادية مصرحون بأنه موصوف بكل صفة مذمومة عقلا
وعرفا وشرعا ومعلوم أن هذه النقائص هي التي دل العقل الصريح واتفاق المرسلين من
أولهم إلى آخرهم على نفيها عن الله وتنزيهه عنها فمن جعل دلالته على نفي علمه
وسمعه وبصره وقوته وقدرته وحياته وإرادته وكماله وتكليمه وعلوه على عرشه ووجهه
الأعلى ويديه وغضبه ورضاه كدلالته على نفي تلك العيوب والنقائص وإثباتها له كإثبات
تلك العيوب والنقائص وإن العقل يوجب نفي هذا وهذا فهو من أسخف الناس عقلا وأعظمهم
جهلا وأفسدهم فطرة وكان الذين وصفوه سبحانه بتلك العيوب والنقائص أقرب إلى العقل
منه فإنهم وصفوه بالكمال والنقص وهؤلاء نزهوه عن الكمال وهو يستلزم وصفه بالنقص
فقط ومعلوم أن ذاتا موصوفة بالكمال والنقائص أكمل من ذات لا توصف بشيء من الكمالات
البتة وتوصف بأضدادها وأيضا فإن تلك الذات يمكن وجودها وهذه الذات يمتنع وجودها.
وجاء في مجموع فتاوى عبد العزيز ابن باز
(ج9 ص77) : ولما خاض المتكلمون في هذا المقام بغير حق حصل لهم بذلك حيرة عظيمة حتى
آل بهم الكلام إلى إنكار الله بالكلية حتى قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم
ولا كذا ولا كذا حتى وصفوه بصفات معناها العدم وإنكار وجوده سبحانه بالكلمة –هذا
خطأ مطبعي وصوابه : بالكلية-.
فاعتبر هذه المقالة إنكارا لله تعالى
بالكلية
فإذا علمت أن هذه المقالة شر وأخبث وأكفر
من قول الجهمية الأولى أن الله في كل مكان بذاته فانظر ما يلي
سئل عبد العزيز ابن باز كما في موقعه ما
يلي :
أين الله, هل هو على عرشه أم في كل مكان,
وما حكم من يقول:بإن الله في كل مكان؟
الله سبحانه فوق العرش، فوق العلو، فوق
جميع الخلق، عند أهل السنة والجماعة، هكذا جاءت الرسل بهذا عليهم الصلاة والسلام،
كل الرسل جاؤوا بأن الله فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، قال تعالى:
الرحمن على العرش استوى، وقال سبحانه: أأمنتم من في السماء، وقال جل وعلا: إليه
يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، وقال جل وتعالى: تعرج الملائكة والروح إليه
في يوم ٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، وقال جل وعلا: إن ربكم الله الذي خلق السماوات
والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، في سبعة مواضع، صرح فيها سبحانه بأنه فوق
العرش،استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في استواءهم، ولا في
غير ذلك من صفاته جل وعلا، وقال سبحانه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقال جل
وعلا: قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وقال
سبحانه: هل تعلم له سمياً استفهام إنكار، يعني لا سمي له، ولا كفؤ له سبحانه
وتعالى، ولما جاء رجل من الصحابة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -بجارية يريد أن
يعتقها، قال لها النبي- صلى الله عليه وسلم -: يا جارية أين الله؟ قالت: في
السماء، قال: من أنا؟، قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة، أخرجه مسلم
في صحيحه، لما سألها: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة، فدل
ذلك على أن ربنا في السماء في العلو، فوق العرش، فوق جميع الخلق، وهذا معنى قوله
سبحانه: أأمنتم من في السماء أن يخسف الله بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في
السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعملون كيف نذير، هكذا جاء في سورة الملك، وهذا
إجماع أهل السنة والجماعة، أجمع الصحابة كما أجمعت الرسل عليهم الصلاة والسلام أن
الله فوق العرش، أن الله في العلو جل وعلا، ومن هذا قوله جل وعلا: وقال فرعون يا
هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى، دل على
أن موسى أخبره بأن الله في العلو، وأنه فوق العرش، ولهذا قال فرعون ما قال، ومن
قال بأن الله في كل مكان أو ليس في العلو فهو كافر، مكذب لله ولرسوله، ومكذب
لإجماع أهل السنة والجماعة، كالجهمية وأشباههم والمعتزلة هؤلاء من أكفر الناس،
لإنكارهم أسماء الله وصفاته جل وعلا
وهذا رابط الفتيا : http://www.binbaz.org.sa/node/10305
وسئل أيضا :
الإيمان بالأسماء والصفات من أهم شروط
اكتمال العقيدة الصحيحة ومنها الاستواء على العرش, ولكن نجد في بعض البلاد بأنهم
يقولون: إن الله في كل مكان! بماذا تنصحونهم، وإن ماتوا على هذا هل هم خارج الملة؟
أفتونا بالتفصيل،
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى
الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذا سؤال
مهم عظيم يجب على كل مسلم أن ينتبه له ، وقد أوضحه الرب جل وعلا في كتابه العظيم
أوضح الجواب في كتابه العظيم سبحانه وتعالى، وهو الإيمان بعلو الله واستوائه على
عرشه، وقد دل كتاب الله العظيم في سبعة مواضع على أنه سبحانه فوق العرش، قد استوى
عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من ذلك سبحانه وتعالى، كما
قال جل وعلا في سورة الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ
اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) سورة الأعراف، في سبعة مواضع من القرآن، ومنها
قوله جل وعلا في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) سورة طـه،
فالذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بذلك، وأنه سبحانه فوق العرش في العلو قد
استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، كما قال تعالى: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ
الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) سورة غافر، وقال سبحانه: وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) سورة البقرة، وقال سبحانه: تَعْرُجُ
الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ (4) سورة المعارج، وقال سبحانه: ..إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.. (10) سورة فاطر، إلى آيات كثيرة،
تدل على علوه سبحانه وتعالى وأنه فوق العرش، فوق جميع الخلق. وهذا قول أهل السنة
والجماعة، وهو الذي جاءت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً وهو الذي دل
عليه القرآن العظيم، ودلت عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم المتواترة، وأجمع عليه
المسلمون: الصحابة ومن بعدهم، ومن زعم أن الله في كل مكان فقد كفر، لأنه مكذب لله
ولرسوله، ومكذب لجماعة المسلمين، فالواجب على كل من يعتقد هذا الاعتقاد أن يتوب
إلى الله، وأن يقلع عن ذنبه العظيم، وأن يؤمن بأن الله سبحانه في العلو فوق العرش،
فوق جميع الخلق جل وعلا.
وهذا رابط الفتيا : http://www.binbaz.org.sa/node/20566
وقد سئل في تعليقه على الفتوى الحموية
(ص87 طبعة مؤسسة ابن باز الخيرية) : الذين يقولون بأن الله تعالى في كل مكان
أيكفرون بهذا؟ فقال : نعم.
وسئل في تعليقه هذا (ص126-127) : أحسن
الله إليك الذين يقولون بأن الله في كل مكان يكفرون بهذا الأمر ؟ فقال : نعم نعم
نسأل الله العافية , فسئلوه : وإن كانوا جهالا في هذا الأمر يعني : يقولون الله في
كل مكان عن جهل ؟ فقال : نعم , لكن ينبهون يعلمون , الجاهل يعلم , يقال له : هذا
كفر وضلال , وعليك التوبة.
فلم يصرح بأنهم معذورون بالجهل ولكن أمر
بتعليمهم وأمرهم بالتوبة وظاهر كلامه أنهم غير معذورين بالجهل
فيتبين مما كل ما سبق أن الأشعرية
المتأخرين القائلين بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه أولى بالتكفير إطلاقا
وتعيينا وعدم العذر بالجهل وحكاية الإجماع على هذا من الجهمية القدماء القائلين
بأن الله في كل مكان , ويزداد كفرهم ويتضاعف إذا أضافوا إلى هذا تكفير أهل السنة
والحديث أو تبديعهم وتضليلهم , فعندها يتم لهم الخسران من كل وجه والله المستعان
وللفائدة : قال محمد بن إبراهيم آل الشيخ
في مجموع فتاويه (ج13 ص141 مطبعة الحكومة بمكة) : وأم الذين يجرونها من خلاف
ظاهرها فمجمل اعتقادهم أنهم يقولون ليس لها في الباطن مدلول هو صفة الله قط، بل
صفاته إما سلبية أو إضافية أو مركبة منهما، أو يثبتون بعض الصفات دون بعض، والتي
يثبتونها هي السبع أو الثمان أو الخمس عشرة أو يثبتون الأحوال دون الصفات، أو
يقرون من الصفات الخبرية بما في القرآن دون الحديث، وهم “قسمان”:
أحدهما: يتأولونها ويعينون المراد، مثل
قولهم (استوى) بمعنى استولى أو بمعنى علو المكانة والقدرة، أو بمعنى ظهور نوره على
العرش، أو بمعنى انتهاء الخلق إليه، إلى غير ذلك من المعاني الفاسدة.
الثاني: يقولون: الله أعلم بما أراد بها،
لكنا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجة عما علمنا، وكل منهما كفر أيضاً.
فكفر المؤولة والمفوضة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم