الوليد بن عبد الملك الخليفة الذي ظلمته الصورة النمطية عن الأمويين

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

الوليد بن عبد الملك الخليفة الذي ظلمته الصورة النمطية عن الأمويين

مشهور عند الناس أن عمر بن عبد العزيز هو عادل الأمويين من النسل المرواني، وهذه الشهرة جعلت كثيراً من الناس ينظرون لبقية الأمويين على أنهم ظلمة فجرة، خيرهم قليل وشرهم كثير.

وسأضع للقراء مجموعة من الحقائق عن الوليد بن عبد الملك ثاني خلفاء المروانيين، بويع له في عام 86 هـ، استفدت عامتها من كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري:

وقال الحافظ ابن كثير: “بني الوليد بن عبد الملك جامع دمشق على الوجه الذي ذكرنا فلم يكن له في الدنيا نظير، وبنى صخرة بيت المقدس عقد عليها القبة، وبنى المسجد النبوي ووسعه حتى دخلت الحجرة النبوية التي فيها القبر فيه. وله آثار حسان جدًّا ثم كانت وفاة الوليد في يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة من هذه السنة أعني: سنة ست وتسعين“. [البداية والنهاية (7: 312)]

قال الواقدي: “وكان الوليد جبارًا ذا سطوة شديدة لا يتوقف إذا غضب”. فرده ابن كثير قائلًا: يُرادُ بهذا الوليد بن يزيد الفاسق لا الوليد بن عبد الملك باني الجامع“. [البداية والنهاية (7: 312)].

قال البرزنجي في تعليقه على تاريخ الطبري: “وقد استوقفتنا رواية عند البسوي قال: أخبرنا ابن وهب- كذا ذكر البرزنجي والبسوي لم يدرك ابن وهب بينهما واسطة – : حدثني الليث: عن عقيل: عن ابن اجلس، فجلست بين يديه مجلس الخصم وليس عنده إلَّا ابن الديان قائمًا بسيفه فقال: ما تقول فيمن يسب الخلفاء أترى أن يقتل؟ قال: فسكت، فانتهرني وقال: ما لك لا تتكلم؟ فسكت فعاد لمثلها فقلت: أقتل يا أمير المؤمنين؟ قال: لا ولكنه سبَّ الخلفاء. قال: فقلت: فإني أرى أن ينكل به فيما أنهك من جهة الخلفاء. قال: فرفع رأسه إلى ابن الريان قال: وما أظنه إلَّا أنه يقول اضربوا رقبته، فقال: إنه فيهم لتائه (أو لنابه)، ثم حوّل وركه فدخل إلى أهله. فقال لي ابن الريان: به انقلب“. [المعرفة والتاريخ (1: 603) تاريخ دمشق (45: تر 5242)].


قلنا وهذه الرواية تبين لنا ما يلي:
لقد تأثر الوليد بن عبد الملك بما انتهى إلى أسماعه من أن الخصوم يسبون الخلفاء ويتعرضون لهم ومع ذلك لم يصدر أمرًا بعقوبة أو شيء، ولكنه استدعى عمر بن عبد العزيز المعروف بعلمه وورعه وتقواه ومعارضته للمظالم. ويبدو أن تلك الأقوال قد استفزت الوليد وأثارت غضبه حتى دفع به إلى أن يستدعي عمر بن عبد العزيز في وقت لم يكن يستدعي فيه في الأيام العادية، ومعلوم أن الوليد عاش ردحًا من الزمن يصارع الخصوم، ويقاتل لتثبيت دعائم حكمه، ولكنه لم يأمر بقمع المعارضة السلمية كما يذكر بعض الباحثين والناقدين والله أعلم”.

وأما الفتوحات التي وقعت في زمنه:

-فيها [87 هـ] فتحت بيكند وبخارى وسردانية ومطمورة وقميتم وبحيرة الفرسان عنوة.
-وفي [88 هـ] فتحت جرثومة وطوانة.
-وفي [89 هـ] فتحت جزيرة تافورقة وميورقة.
-وفي [91 هـ] فتحت نسف وكسّ وشومان ومدائن وحصون من بحر أذربيجان.
-وفي [92 هـ] فتح إقليم الأندلس بأسره ومدينة أرمابيل وقتربون.
-وفي [93 هـ] فتحت الديبل وغيرها ثم الكرخل وبرهم وباجة والبيضاء وخوارزم وسمرقند والصغد.
-وفي [94 هـ] فتحت كابل وفرغانة والشاش وسندرة وغيرها.
-وفي [95 هـ] فتحت الموقان ومدينة الباب.
-وفي [96 هـ] فتحت طوس وغيرها وفيها مات الخليفة الوليد في نصف جمادى الآخرة وله إحدى وستون سنة.
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة الوليد: أقام الجهاد في أيامه وفتحت فيها الفتوحات العظيمة كأيام عمر بن الخطاب. [تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 209)].
وقال الحافظ ابن كثير: وفتح في ولايته (الوليد) فتوحات كثيرة عظامًا وكان يرسل بنيه في كل غزوة إلى بلاد الروم، فتح الأندلس وأقاليم بلاد العجم حتى دخلت جيوشه إلى الصين“.
[البداية والنهاية (7: 311)].

وقديمًا قالوا: الحق ما شهد به الأعداء.
نعم فالحق سبحانه يجري أحيانًا قولة صادقة على لسان هؤلاء الذين طالما شَوّهوا التاريخ الإسلامي، فها هو أندريه مايكل يقول: “لقد أقام الأمويون نظامًا من أقوى الأنظمة التي عرفتها البشرية بأسرها، وبفضلهم دخل الإسلام في ذروة العصور الوسطى“.

وأزيد هنا ما روى الطبري: “حدثني عمر، قال: حدثني علي، قال: كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشأم أفضل خلائفهم، بني المساجد مسجد دمشق ومسجد المدينة، ووضع المنار، وأعطى الناس، وأعطى المجذمين، وقال: لا تسألوا الناس. وأعطى كل مقعد خادمًا، وكل ضرير قائدًا. وفتح في ولايته فتوح عظام، فتح موسى بن نصير الأندلس، وفتح قتيبة كاشغر، وفتح محمد بن القاسم الهند. قال: وكان الوليد يمر بالبقال فيقف عليه فيأخذ حزمة البقل فيقول: بكم هذه؟ فيقول: بفلس؛ فيقول: زد فيها.
قال: وأتاه رجل من بني مخزوم يسأله في دينه، فقال: نعم، إن كنت مستحقًا ذلك، قال: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقًّا لذلك مع قرابتي! قال: أقرأت القرآن؟ قال: لا، قال: ادنُ مني، فدنا منه، فنزع عمامته بقضيب كان في يده، وقرعه قرعات بالقضيب، وقال لرجل: ضم هذا إليك، فلا يُفارقك حتى يقرأ القرآن، فقام إليه عثمان بن يزيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ علي دينًا، فقال: أقرأتَ القرآن؟ قال: نعم، فاستقرأه عشرَ آيات من الأنفال، وعشر آيات من براءة، فقرأ، فقال: نعم، نقضي عنكم، ونصل أرحامكم على هذا
“.

أقول: كثير من الناس تراه يعظم حكاماً في زماننا لمجرد الرغد المعيشي، فلا فيهم من أقام فتوحات ولا طبق الشرع ثم تجده يسب أمثال الوليد، ومنهم من يعظم حكاماً جاءوا في آخر الزمان بحجة أنهم كانوا يحفظون بيضة الإسلام، ولا يقبل الكلام في عقائدهم الفاسدة، بل ربما ميع العقيدة لأجلهم، ثم تجده يلعن الأمويين أو يسبهم بحجة أنهم نواصب! وكأن النصب شر من الشرك بالله، ومع كون هذا ليس ثابتاً عليهم جميعاً، ولا شك أن للوليد سيئات غير أن غيره تذكر حسناته دون سيئاته، وأما هذا فتذكر سيئاته دون حسناته.

وفي حديث جابر بن سمرة الذي يستدل به الشيعة: “لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش“، وفي رواية قال : أميراً.

فهل هذا الحديث ينطبق على حال معصوم الشيعة الذي يمارس التقية أم على هذا الأمير الذي ما كان أعداء الدين يطمعون بأرض الإسلام في زمنه، وإنما يطمعون بالسلامة فحسب.