قال المقريزي في الخطط متحدثاً عن الدولة الفاطمية :” كانت الدولة إذا خلت من وزير صاحب سيف، جلس صاحب الباب في باب الذهب بالقصر، وبين يديه النقباء والحجاب، فينادي المنادي بين يديه: يا أرباب الظلامات _ يعني من عنده مظلمة _، فيحضرون، فمن كانت ظلامته مشافهة أرسلت إلى الولاة والقضاة رسالة بكشفها، ومن تظلم ممن ليس من أهل البلدين أحضر قصة بأمره، فيتسلمها الحاجب منه، فإذا جمعها أحضرها إلى الموقع بالقلم الدقيق، فيوقع عليها، ثم تحمل إلى الموقع بالقلم الجليل، فيبسط ما أشار إليه الموقع الأوّل، ثم تحمل في خريطة إلى الخليفة، فيوقع عليها، ثم تخرج في الخريطة إلى الحاجب، فيقف على باب القصر، ويسلم كل توقيع لصاحبه، فإن كان وزيره صاحب سيف: جلس للمظالم بنفسه، وقبالته: قاضي القضاة، ومن جانبيه شاهدان معتبران، ومن جانب الوزير: الموقع بالقلم الدقيق، ويليه: صاحب ديوان المال، وبين يديه صاحب الباب واسفهسلار العساكر، وبين أيديهما النوّاب، والحجاب على طبقاتهم، ويكون الجلوس بالقصر في مجلس المظالم في يومين من الأسبوع، وكان الخليفة إذا رفعت إليه القصة، وقع عليها: يعتد ذلك إن شاء الله تعالى، ويوقع في الجانب الأيمن منها، يوقع بذلك، فتخرج إلى صاحب ديوان المجلس، فيوقع عليها جليلا، ويخلي مكان العلامة فيعلم عليها الخليفة وتثبت، وكانت علامتهم أبدا: الحمد لله رب العالمين، وكان الخليفة يوقع في المسامحة، والتسويغ والتحبيس: قد أنعمنا بذلك، وقد أمضينا ذلك، وكان إذا أراد أن يعلم ذلك الشيء الذي أنهي وقع ليخرج الحال في ذلك، فإذا أحضر إليه إخراج الحال، علم عليه فإن كان حينئذ وزير وقع الخليفة بخطه، وزيرنا السيد الأجل وذكر نعته المعروف به أمتعنا الله ببقائه يتقدّم بنجاز ذلك إن شاء الله تعالى، فيكتب الوزير تحت خط الخليفة: يمتثل أمر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ويثبت في الدواوين”
إلى أن قال :” وكان من جملة القصر الكبير موضع يعرف: بالسقيفة يقف عنده المتظلمون، وكانت عادة الخليفة أن يجلس هناك كل ليلة لمن يأتيه من المتظلمين، فإذا ظلم أحد وقف تحت السقيفة، وقال بصوت عال: لا إله إلّا الله محمد رسول الله عليّ وليّ الله، فيسمعه الخليفة، فيأمر بإحضاره إليه، أو يفوّض أمره إلى الوزير أو القاضي أو الوالي”
الدولة الفاطمية وصفها بأنها رافضية خطأ بل هي إسماعيلية قرمطية وأمراؤها يتفاوتون في رفضهم ، ذكرت هذا الأمر ليعلم أن هذه الدولة الظالمة باتفاق المؤرخين كان فيها من مظاهر العدل ما يفتقد اليوم في عدد من بلداننا ، بل لو كان مثل هذا موجوداً في بلد غربي لوجدت الصفحات تمتليء بالحديث عنه
وقال المقريزي :وكان القضاة عَلَى مذاهب الشيعة الإسماعيلية في الفروع إلا في عهد الوزير أبي علي بن الأفضل فأنه عين أربعة قضاة يقضي كل منهم بمذهبه إمامي وإسماعيلي وشافعي ومالكي.
تأمل كيف أن القرمطي ما ضاق صدره بالقضاء على المذاهب الفقهية والعلمانيون. تضيق صدورهم بهذا