المعنى الصحيح لقولهم ( كان صحفياً )

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن المشهور عند كثير من طلبة العلم أن ( الصحفي ) هو من لا شيوخ عنده
وتتلمذ على الصحف

وينزلون قول السلف في بعض الناس ( كان صحفيا) على هذا المعنى

 والصواب أن معنى الصحفي عند السلف
كثير التصحيف أو من كان يروي عن صحيفة غير معتمدة

وإن كان عنده شيوخ وإليك بيان ذلك عن طريق النظر في تراجم من قيل فيهم
هذه الكلمة

1_ خلاس بن عمرو

وهذا أقدم من قيل فيه هذه الكلمة ، وإليك عدة فوائد مهمة في شأنه

الأولى : أنه ثقة بل قال أحمد ثقة ثقة

الثانية : أنه تتلمذ على عدد من الصحابة

و قال عبد الرحمن بن أبى حاتم : سئل أبو زرعة عن خلاس ، سمع من على ؟ فقال
: يحيى بن سعيد يقول : هو كتاب عن على ، و قد سمع من عمار ، و عائشة ، و ابن عباس و
قال أبو حاتم : يقال : وقعت عنده صحف عن على ، و ليس بقوى .

فمن سمع عائشة وابن عباس وعماراً كيف يقال عنه صحفي بالمعنى المعروف عندنا
وهو من لا شيوخ عنده

الثالثة : أنه لم يسمع من علي وأرسل عنه وهذا يقع من ثقات كثر ولكن المصيبة
أنهم كانوا يخشون أن يكون أخذ صحيفة الحارث

قال أبو داود يقول : كانوا يخشون أن يكون خلاس يحدث عن صحيفة الحارث الأعور
.

فهذا معنى قول أيوب فيه ( كان صحفيا) ، والرواية عن الصحيفة وقعت من جماعة
من الأعيان كالأوزاعي فروايته عن يحيى بن أبي كثير صحيفة

فإن سأل سائل : لماذا لا يحبذ المحدثون الصحيفة كثيراً وتراهم كثيراً ما
يطعنون في الصحف وقل أن يقبلوا صحيفة ؟

فيقال : ظروف الكتابة قديماً مختلفة عن ظروف الكتابة اليوم فلم يكن التشكيل
والنقط موجوداً عند التابعين ورسم الخط لم يكن بالوضوح الموجود اليوم ، بل إن المرء
يجد مشقة في قراءة مخطوط كتب القرن السادس أو السابع فكيف بالأمر في تلك الأعصار ،
فإذا قرأ الطالب في الصحيفة دون قراءتها على الشيخ الذي يرويها عنه كان ذلك مظنة خطأ
وتصحيف خصوصاً في أسماء الرواة أو وصل الأسانيد المرسلة أو غير ذلك

أما إذا قابلها على الشيخ أصلح له ما قد يغلط فيه ، فمن ثم جاءت المصنفات
في ضبط أسماء الرواة في الأعصار المتأخرة كتصنيف الذهبي وابن حجر وابن ناصر الدين الدمشقي

وأما اليوم فقل أن تجد شيخاً متقناً يضبط أسماء الرواة ويقف على الوهم
في الإسناد بل إذا غلط محقق الكتاب في قراءة المخطوط تبعه على الخطأ

على أن اليوم مع وجود التشكيل والنقط والخط الواضح أمن كثير مما كان يخشى
قديماً

2_ عبد الملك بن حبيب

قال الحافظ في التهذيب :” وفي تاريخ أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي توههنه
فإنه كان صحفيا لا يدري ما الحديث.

قلت: هذا القول أعدل ما قيل فيه فلعله كان يحدث من كتب غيره فيغلط وذكر
ابن الفرضي أنه كان يتسهل في السماع ويحمل على سبيل الاجازة”

قال الذهبي في السير :” وَحَمَلَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ المَاجَشُوْنِ،
وَمُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ اليَسَارِيِّ، وَأَسَدِ بنِ مُوْسَى السُّنَّةِ، وَأَصْبَغَ
بنِ الفَرَجِ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَعِدَّةٍ
مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَرجَعَ إِلَى قُرْطُبَةَ بِعِلْمٍ جَمٍّ، وَفِقْهٍ
كَثِيْرٍوَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالحِذْقِ فِي الفِقْهِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، بَعِيْدَ
الصِّيْتِ، كَثِيْرَ التَّصَانِيْفِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ لَيْسَ
بِمُتْقِنٍ، بَلْ يَحْمِلُ الحَدِيْثَ تَهَوُّراً كَيْفَ اتَّفَقَ، وَيَنْقُلُهُ وَجَادَةً
وَإِجَازَةً ، وَلاَ يَتَعَانَى تَحْرِيْرَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ “

وهذا الرجل حمل عنه العلم بقي بن مخلد ، وله شيوخ كثيرون وكان فقيهاً كبيراً
فلا يمكن أن يقال عنه صحفي بمعنى ( لا شيوخ عنده مطلقا) وإنما كان يكثر التصحيف ويتسهل
في السماع ما كان بالإجازة فإذا أجازه أحد قال ( سمعت )

3_ أبو علي ابن البنا الحنبلي

قال الذهبي في ترجمته في تاريخ الإسلام :” سمع من: هلال الحفّار،
وأبي الفتح بن أبي الفوارس، وأبي الحسن بن رزقويه، وأبي الحسين بن بشران، وعبد الله
بن يحيى السُّكَّريّ، وهذه الطبّقة فأكثر”

وقال القفطي :” كان مشاراً إليه في القراءآت واللّغة والحديث. حكي
عنه أنّه قال: صنّف خمسمائة مصنَّف”

ومع هذا قال فيه ابن النجار :” كان صحفيا قليل التحصيل روى الكثير،
وأقرأ ودرّس، وأفتى، وشرح الإيضاح لأبي عليّ الفارسيّ. إذا نظرت في كلامه بان لك سوء
تصرُّفه.

ورأيت له ترتيباً في غريب أبي عبيد قد خبط كثيراً وصحّف”

فهذا على معنى كثرة التصحيف وإلا فالرجل مكثر عن الشيوخ

4_ عبد اللَّه بن بري بن عبد الجبار بن بري

قال الذهبي في تاريخ الإسلام :” وسمع من: أبي صادق المديني، وأبي
عبد الله محمد بن أحمد الرازي، وعبد الجبار بن محمد المعافري، وعلي بن عبد الرحمن الحضرمي،
وأبي البركات محمد بن حمزة البن العراقي، وابن العباس بن الحطيئة، وغيرهم.

وتصدر بجامع مصر لإقراء العربية، وتخرج به جماعة كثرية.

وانفرد بهذا الشأن، وقصده الطلبة من الآفاق”

فهذا لا يمكن أن يقال ليس عنده شيوخ ومع ذلك قيل فيه ( كان صحفيا) وأخشى
أنها تصحيف !

5_ عثمان بن مقبل بن قاسم بن علي أبو عمرو الواعظ الحنبلي

وهذا قال فيه ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد :” وطلب الحديث وسمع
الكثير وكتب وحصل وكان يسكن بالمأمونية يدرس ويفتي ويعقد مجلس الوعظ”

فهذا مكثر من السماع من الشيوخ لا يمكن أن يقال أنه لم يكن عنده شيوخ

ومع ذلك قال ابن النجار فيه :” وقد صنف كتبا في التفسير والوعظ والفقه
والتواريخ وفيها غلط

كثير لقلة معرفته بالنقل لانه كان صحفيا ينقل من الكتب ولم يأخذه من الشيوخ
وكان خطه في غاية الرداءة كتبت عنه وكان متدينا صالحا حسن الطريقة”

فهذه على كثرة التصحيف

وقال العسكري في تصحيفات المحدثين :” التصحيف مثل حباب وحتات وخباب
وجناب وحيان وحبان وحبيب وخبيب وحارثة وجارية وبشر وبسر وعباس وعياش وحمزة وجمرة وحازم
وخازم ورباح ورياح وأشباهها وجعلتها أبوابا تبلغ المائة أو تقاربها وذكرت في كل باب
اسما منها وشرحت ما يقيد منه وتضبط به حروفه ذلك من الشكل والنقط والعجم وذكرت أكثر
من يسمى بذلك الاسم من محمد المشهورين فلا يشكل على من يقرؤه ويسلم به من قبح التصحيف
وشناعته فقد عير به جماعة من العلماء وفضح به كثير من الأدباء وسموا الصحفية كان ونهى
العلماء عن الحمل عنهم واطرحوا حديثهم وأسقطوهم أبو وبدأت بذكر جملة من أخبار المصحفين
وبعض ما وهم فيه العلماء غير قاصد للطعن على أحد منهم ولا الوضع منه وما يسلم أحد من
زلة ولا خطا الا من عصم الله”

فإطلاق السلف لا يعنون به جزماً ( من لا شيوخ عنده )

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم