قال ابن النحاس المتوفى عام 338 في كتابه «الناسخ والمنسوخ»: “فأما غير يحيى بن معين فمقدِّمٌ ليحيى بن آدم حتى قال سفيان بن عيينة: «بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله ﷺ رجل من العلماء يُقوِّي الله به الدين وإن يحيى بن آدم عندي منهم»”.
ابن النحاس ما أدرك ابن عيينة، غير أنه جزم بنسبة الكلمة له، وإسناده إلى ابن عيينة قصير.
وعامة من شرح حديث التجديد: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» في القرون الثمانية الأولى لم يذكر هذه الفائدة.
ويحيى بن آدم عامة المسلمين اليوم لا يعرفونه، مع أن له كتاباً بين أيدينا، وهو «كتاب الخراج»، وقد توفي عام 203، أي بينه وبين وفاة الشافعي سنة، ولا تعارض فكلاهما يُعدُّ مجدداً، فلا يمتنع تعدد المجددين.
وقال أبو حاتم: “كان يتفقه، وهو: ثقة”.
وقال يعقوب بن شيبة: “ثقة كثير الحديث، فقيه البدن ولم يكن له سن متقدم، سمعت على ابن المديني يقول: يرحم الله يحيى بن آدم أي علم كان عنده. وجعل يطريه، وسمعت عبيد بن يعيش يقول: سمعت أبا أسامة يقول: ما رأيت يحيى بن آدم قط إلا ذكرت الشعبي، يعني أنه كان جامعا للعلم.
وقال محمود بن غيلان: سمعت أبا أسامة يقول: كان عمر بن الخطاب في زمانه رأس الناس، وهو جامع، وكان بعده ابن عباس في زمانه، وكان بعد ابن عباس في زمانه الشعبي، وكان بعد الشعبي في زمانه سفيان الثوري، وكان بعد الثوري في زمانه يحيى بن آدم”.
وهو أحد شيوخ الإمام أحمد، ومع ذلك يُروى عنه أنه كان يعدُّ أحمد إماماً له.
قال ابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة»: “أخبرنا محمد بن الآبنوسي عن الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو بكر المروذي قال: سمعت من حضر بطرسوس يقول سمعت إسحاق بن راهويه يقول سمعت يحيى بن آدم يقول أحمد بن حنبل إمامنا”.
وهذا رجاله ثقات، لولا ذاك الطرسوسي المبهم، وكان أحمد يناظره.
وقال ابن أبي يعلى: “وبه (يعني الإسناد السابق) قال المروذي: حدثني أبو عبد الله النيسابوري قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كلمت يحيى بن آدم في «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» قال: من قال به؟ فقلت: قال به سفيان بن عيينة وقال به ابن المبارك وقال به أحمد بن حنبل. قال إسحاق: ما قلت له أحمد بن حنبل إلا لأكسره. فقال لي: قاله أحمد؟ قلت: نعم”.
هذا وهو من طبقة شيوخ أحمد.
ولعل سبب ثناء ابن عيينة عليه بهذا أنه كوفي ولم يُذكر عنه تشيع ولا إرجاء، وكان فقيهاً وثقةً في الحديث، حديثه مخرج في الستة، ومصنِّفاً في العلم، وكان من أئمة القراءات أيضاً.
جاء في «مشيخة الآبنوسي»: “220- أخبرنا أبو الحسن العلاف قال حدثنا أحمد بن عثمان قال حدثنا ثعلب قال حدثنا خلف بن هشام قال حدثنا يحيى بن آدم الكوفي قال سألت أبا بكر بن عياش عن قراءة عاصم بن بهدلة فحدثني بها وقرأها علي حرفا حرفا وقال تعلمتها من عاصم حرفا حرفا وقال قال لي عاصم ما أقرأني أحد من الناس إلا أبو عبد الرحمن السلمي قال وكان أبو عبد الرحمن السلمي قد قرأ على علي رضي الله عنه قال عاصم وكنت أرجع من عند أبي عبد الرحمن فأعرض على زر بن حبيش وكان زر قد قرأ على عبد الله.
قال أبو بكر قلت لعاصم قد استوثقت”.
وقال الذهبي في «تاريخ الإسلام» في ترجمة أبي بكر بن عياش: “وأثبت من حمل عنه قراءاته: يحيى بن آدم. وعليه دارت قراءاته”.
وقد حمل عن ابن المبارك والثوري والحسن بن صالح، وحمل عنه أحمد وإسحاق، وكلهم مجتهدون في الفقه، فتأمَّل كيف أن هذا الرجل الجليل يجهله عامة الناس اليوم، حتى أكثر طلاب العلم، لتعلم أن المعول ليس على الشهرة، وأننا مقصرون في حق سلفنا.