فإن كثيراً ما يردد الأشاعرة المبتدعة في
هذا العصر أن أهل السنة هم الأشاعرة والماتردية .
والحق أن بينهم خلافات تقتضي التبديع
والتضليل وقد عرضت لشيء من هذا في مقالي ( الخلاف بين الأشاعرة والماتردية في مسألة
الاستثناء في الإيمان )
وهنا أعرض لمسألة أخرى ، قد ذكر الشاطبي في الاعتصام في الضابط الذي تخرج
فيه الفرقة عن كونها فرقة ناجية أن تخالف هذه الفرقة أهل السنة في أصل كلي ، أو يكثر
منها المخالفة في الفروع ومثل لذلك بمسألة التحسين والتقبيح العقليين
قال الشاطبي في الاعتصام (2/ 543) :” وَالثَّانِي: أَنَّ الْبِدَعَ
تَنْقَسِمُ إِلَى مَا هِيَ كُلِّيَّةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِلَى جُزْئِيَّةٍ، وَمَعْنَى
ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ بِسَبَبِ الْبِدْعَةِ كُلِّيًّا فِي الشَّرِيعَةِ،
كَبِدْعَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّينَ، وَبِدْعَةِ إِنْكَارِ الْأَخْبَارِ
السُّنِّيَّةِ اقْتِصَارًا عَلَى الْقُرْآنِ، وَبِدْعَةِ الْخَوَارِجِ فِي قَوْلِهِمْ:
لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ
فَرْعًا مِنْ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ دُونَ فَرْعٍ، بَلْ سَتَجِدُهَا تَنْتَظِمُ مَا
لَا يَنْحَصِرُ مِنَ الْفُرُوعِ الْجُزْئِيَّةِ”
وعلى هذا التقرير ينبغي أن يكون الأشاعرة والماتردية فرقتان لأن الأشاعرة
( وعلى مذهبهم الشاطبي ) ينفون أن يكون للأشياء حسن وقبح في ذاتها ، فالفرق عندهم بين
الزنا والزواج أن هذا نهى الله عنه ، وهذا أمر الله ولا حسن في الزواج في نفسه من أجل
ذلك أمر الله به ، ولا قبح في الزنا في نفسه من أجل ذلك نهى الله عنه
والشاطبي موقفه متناقض إذ وافق المعتزلة في الحكمة والتعليل مع نفي التحسين
والتقبيح العقليين !
وأما الماتردية فمذهبهم في هذه المسألة أن الأشياء فيها حسن وقبح لذاتها
وهذا صواب غير أنهم جنحوا إلى مذهب المعتزلة فقرروا أن الله لو لم يرسل الرسل لاستحق
الناس العذاب لأن التوحيد حسنه معروف والشرك قبحه معروف
وأهل السنة توسطوا فأثبتوا الحسن والقبح العقليين ، وأوقفوا على العقاب
على ورود الشرع لقوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً )
وقد قال الشاطبي (1/236) :” وَإِنَّمَا يَقُولُ بِهِ الْمُبْتَدِعَةُ
أَعْنِي: التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ بِالْعَقْلِ”
وهذا تبديع واضح منه للماتردية والمعتزلة في هذه المسألة ، ولا شك أنه
يمس أهل السنة أيضاً والله المستعان ، فكيف يقال بعد ذلك أن الأشاعرة والماتردية فرقة
واحدة وهم أهل السنة والجماعة
ومن الطرائف العصرية أن هناك رجلاً أشعرياً جبرياً اسمه مصطفى صبري كان
صديقاً للكوثري الجهمي الماتردي وحصل بينهم خلاف في هذه المسائل استطاع أن يسجل مصطفى
صبري من خلاله اعترافاً كوثرياً خطيراً
نقل مصطفى صبري في كتابه موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين
(3/392) عن الكوثري قوله :” إن مذهب المعتزلة القدرية الذي انقرض ما زال يعيش
في هذه المسألة تحت اسم الماتردية “!
فعلى الأشاعرة المتأخرين أن يحاربوا القدرية الماتردية ! ، كما حارب أسلافهم
المعتزلة وان يتركوا هذا التمييع !
وقد قال الطوفي متهكماً بمذهب الأشاعرة في أن أفعال ليست معللة في كتابه
درء القول القبيح في التحسين والتقبيح ص98 :” لو لم تكن أفعال الله معللة لزم
منه إفحام الرسل بأن يقال : معجزك هذا الذي أتيت به لم يخلقه الله لأجل تصديقك بل خلقه
لا لعلة ولا لغرض ، وإنما ظهر على وفق دعواك اتفاقاً ، فتعليل الأفعال لازم لصحة الاحتجاج
بالمعجز “
وهذا الإلزام أخذه الطوفي من شيخه ابن تيمية في النبوات غير أن الطوفي
مع تلمذته على شيخ الإسلام متهم بالرفض !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم