الكلام على حديث : ( هذا مني – يعني الحسن – وحسين من علي )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أبو داود  4131 : حدثنا عمرو
بن عثمان بن سعيد الحمصي ثنا بقية عن بحير عن خالد قال

 : وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو
بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان فقال معاوية للمقدام
أعلمت أن الحسن بن علي توفي ؟

 فرجع ( أي قال إنا لله وإنا إليه
راجعون ) المقدام فقال له رجل أتراها مصيبة ؟

 قال له ولم لا أراها مصيبة وقد
وضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجره فقال ” هذا مني وحسين من علي ؟

 فقال الأسدي جمرة أطفأها الله
عزوجل قال فقال المقدام أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره ثم قال يا
معاوية إن أنا صدقت فصدقني وإن أنا كذبت فكذبني قال أفعل

قال فأنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس الذهب
؟ قال نعم قال فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس الحرير
؟

 قال نعم قال فأنشدك بالله هل تعلم
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟

قال نعم قال فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يامعاوية فقال معاوية قد
علمت أني لن أنجو منك يامقدام قال خالد فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه وفرض لابنه
في المائتين ففرقها المقدام على أصحابه قال ولم يعط الأسدي أحدا شيئا مما أخذ فبلغ
ذلك معاوية فقال أما المقدام فرجل كريم بسط يده وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لشيئه
.

أقول : بقية مدلس ولا يعتمد على تصريحه في المسند ، فإن في المسند أخطاءً
على في السند والمتن جاءت من ابن المذهب نص عليها الذهبي وابن حجر

قال الذهبي في الميزان :” الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بالمتقن،
وكذلك شيخه ابن مالك، ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد”

ومما يؤكد وقوع الخطأ في ذكر تصريح بقية أنك لا تجد هذا التصريح في عامة
المصادر التي خرجت الحديث مثل التاريخ الصغير للبخاري ومعجم الطبراني الكبير ومسند
الشاميين له ، والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان

وقد نبه أبو حاتم وأبو زرعة تنبيهاً جليلاً على أن بقية بن الوليد كان
يدلس فيتوهم بعض طلبته ويجعله مصرحاً

قال ابن أبي حاتم في العلل :” 1871- وَسَمِعْتُ أَبِي رَوَى : عَنْ
هِشَامِ بْن خَالِدٍ الأَزْرَقِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ،
قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ مِنْ سَقَمٍ
أَوْ ذَهَابِ مَالٍ ، فَاحْتَسَبَ وَلَمْ يَشْكُ إِلَى النَّاسِ ، كَانَ حَقًّا عَلَى
اللهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ.

قَالَ أَبِي : هَذَا حَدِيث موضوع لا أصل له ، وكان بَقِيَّة يدلس ، فظنوا
هؤلاء أَنَّهُ يَقُولُ فِي كل حَدِيث : حَدَّثَنَا ولا يفتقدون الخبر منه”

أقول : في هذا الخبر فوائد

الأولى : أن بقية كان يدلس تدليس الإسناد فإن أبا حاتم تكلم في سماعه من
شيخه المباشر ولم يتكلم على عنعنته في بقية السند

ومما يدل على أن بقية يدلس تدليس الإسناد قول ابن أبي حاتم في العلل
:” 2087- وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ بَقِيَّةُ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ
، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ.

قَالَ أَبِي : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، نَرَى أَنَّ بَقِيَّةَ دَلَّسَهُ
عَنْ ضَعِيفٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.”

وهذا تدليس إسناد

الثانية : ليس كل تصريح جاء لبقية معتبراً ، وذلك لأن بعض تلاميذه جعل
جميع أخباره بالتحديث ، وإن كان قد عنعنها جهلاً منه بأن شيخه مدلس وتجوزاً منه في
صيغ التحديث

وقال ابن أبي حاتم في العلل :” 1151- وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ ؛ رواهُ
أبُو تقِيٍّ هِشامُ بنُ عَبدِ الملِكِ ، عن بقِيّة ، قال : حدّثنِي ثورُ بنُ يزِيد
، عن خالِدِ بنِ معدان ، عن مُعاذِ بنِ جبلٍ ، قال : قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم : إِنَّ أطيب الكسبِ كسبُ التُّجّارِ الّذِين إِذا حدّثُوا لم يكذِبُوا ، وإِذا
ائتُمِنُوا لم يخُونُوا ، إِذا وعدُوا لم يُخلِفُوا ، وإِذا اشتروا لم يذُمُّوا ، وإِذا
باعُوا لم يُطرُوا ، وإِذا كان عليهِم لم يمطُلُوا ، وإِذا كان لهُم لم يُعسِرُوا.

قال أبِي : هذا حدِيثٌ باطِلٌ ، ولم يضبِط أبُو تقِيٍّ ، عن بقِيّة ، وكان
بقِيّةُ لا يذكُرُ الخبر فِي مِثلِ هذا”

وهذا مثالٌ آخر على توهم طلبة بقية في صيغ السماع

وقال ابن أبي حاتم في العلل :” 2394- وَسَمِعْتُ أَبِي رَوَى : عَنْ
هِشَامِ بْنِ خَالِدٍ الأَزْرَقِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ،
قَالَ : حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ
فَلا يَنْظُرُ إِلَى فَرْجِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمَى.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
: مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ مِنْ سَقَمٍ أَوْ ذِهَابِ مَالٍ فَاحْتَسَبَ وَلَمْ يَشْكُ
إِلَى النَّاسِ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لا تَأْكُلُوا بِهَاتَيْنِ
: الإِبْهَامِ وَالْمُشِيرَةِ ، وَلَكِنْ كُلُوا بِثَلاثٍ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ ، وَلا
تَأْكُلُوا بِخَمْسٍ فَإِنَّهَا أَكْلَةُ الأَعْرَابِ.

قَالَ أَبِي : هَذِهِ الثَّلاثَةُ الأَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ لا أَصْلَ
لَهَا ، وَكَانَ بَقِيَّةُ يُدَلِّسُ فَظَنُّوا هَؤُلاءِ أَنَّهُ يَقُولُ فِي كُلِّ
حَدِيثٍ : حَدَّثَنَا وَلَمْ يَفْتَقِدُوا الْخَبَرَ مِنْهُ”

وهذا من ذاك

وقال ابن أبي حاتم :” 2390- وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ
بَقِيَّةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنَ
عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لا تَبْدَؤُوا بِالْكَلامِ
قَبْلَ السَّلامِ ، فَمَنْ بَدَأَ بِالْكَلامِ قَبْلَ السَّلامِ فَلا تُجِيبُوهُ.

قَالَ أَبِي : هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ ، لَيْسَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي
رَوَّادٍ”

أقول : فهنا لم يقبل أبو حاتم بتصريح بقية بالتحديث ، ويبين لنا أبو زرعة
سبب عدم قبول أبي حاتم لهذا التصريح

قال ابن أبي حاتم في العلل :” 2516- وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ
حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ أَبُو تَقِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنَ عُمَرَ ، قَالَ
: قَالَ النَّبِيُّ : لا تَبْدَأُوا بِالْكَلامِ قَبْلَ السَّلامِ ، فَمَنْ بَدَأَ
بِالْكَلامِ قَبْلَ السَّلامِ فَلا تُجِيبُوهُ.

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ، لَمْ يَسْمَعْ
بَقِيَّةُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ أَهْلِ حِمْصَ
، وأهل حمص لا يميزون هَذَا”

أقول : فأرجع أبو زرعة الحديث إلى غلط أهل حمص على بقية ، وجعلهم ما رواه
بالعنعنة ، بالتصريح

فقد يكون الوهم من حيوة بن شريح خصوصاً أنه انفرد بالتصريح من دون كل من
روى الخبر عن بقية ، وعلى القول بأن بقية يدلس التسوية يكون السند ضعيفاً بعلة أخرى

والخبر فيما يبدو لا يثبت مع ما في متنه من غرابة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم