الكلام على حديث ( نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْتِنُهُ )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الحاكم في المستدرك 7291 : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْقَاضِي ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ
، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْتِنُهُ

” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ

سبب عدم تخريجهما أنه معلول فإن معمراً رواه مرسلاً وجعل آخر الكلام لهشام

قال معمر في جامعه 192 : عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال :

 نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يشرب من في السقاء . قال هشام : فإنه ينتنه ذلك .

وهذه الرواية أصح لأن معمراً لم يسلك الجادة ، ثم إنه فصل الكلام فصلاً
دقيقاً يدل على الحفظ ، وحماد بن سلمة كان يغلط في غير حديث ثابت وحميد .

 ولهذه العلة اجتنب أصحاب الصحيحين
والسنن تخريج هذا الخبر ، وقد رجح البيهقي فيه الرواية المرسلة وأن آخره من كلام هشام

وليعلم طالب هذا العلم الشريف أن سلسلة هشام عن عروة عن عائشة سلسلة مشهورة
جداً عند أهل الحديث عامتها في الصحيحين فكيف إذا أضفت إليهما مسند أحمد

ولا يجتنب أصحاب الصحيح وأصحاب السنن خبراً في هذه السلسلة إلا لعلة

وقد نبه على هذا الحاكم نفسه!

قال الحاكم في معرفة علوم الحديث ص59 :” إن الصحيح لا يعرف بروايته
فقط ، وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر
من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث . فإذا وجد مثل هذه الأحاديث
بالأسانيد الصحيحة ( رواة الحديث ثقات ) غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم
لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته”

ولم يسر الحاكم نهائياً في المستدرك على هذا

قال البيهقي في الشعب 5620 – أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ،
أَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَارُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ” نَهَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ “
” قَالَ هِشَامٌ فَإِنَّهُ ينتنه ذَلِكَ

رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
مَوْصُولًا وَقَالَ ذَلِكَ ينتنه

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ هِشَامٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هِشَامُ
بْنُ عُرْوَةَ مُحْتَمَلٌ وَهُوَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَبُخَارُ مَعِدَتِهِ
وَقَدْ لَا يَطِيبُ نَفْسُ كُلِّ أَحَدٍ شُرْبَ سُؤْرِهِ فَأُحِبُّ التَّنَزُّهَ مِنْ
ذَلِكَ لِئَلَّايُفْسِدَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ

أقول : فهذا البيهقي تلميذ الحاكم رجح الإرسال ورجح أن قوله ( لِأَنَّ
ذَلِكَ يُنْتِنُهُ ) من كلام هشام لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم

وقد صح النهي عن الشرب من في السقاء  عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وابن
عباس أخرجهما البخاري في صحيحه من غير ذكر التعليل

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم