الكلام على حديث ( ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقال الترمذي في جامعه [ 1448 ] حدثنا علي بن خشرم حدثنا عيسى بن يونس
عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

 ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس
قطع .

قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم وقد رواه
مغيرة بن مسلم أخو عبد العزيز القسملي كذا قال علي بن المديني بصري عن أبي الزبير عن
جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث بن جريج

وقال أبو داود 4393 : حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ جَابِرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : لَيْسَ عَلَى الْمُنْتَهِبِ
قَطْعٌ وَمَنِ انْتَهَبَ نُهْبَةً مَشْهُورَةً فَلَيْسَ مِنَّا .

فذكر المنتهب فقط ، وهذا الحديث أعل بعلتين

الأولى : عنعنة ابن جريج

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/450) :” سألت أبي وأبا زرعة عن حديث
رواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم : ( ليس على خائن ولا منتهب قطع ) .

فقالا : لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من أبي الزبير يقال أنه سمعه من ياسين
أنا حدثت به ابن جريج عن أبي الزبير ،  فقلت
لهما : ما حال ياسين ؟ فقالا : ليس بقوي “

وقال الخليلي في الإرشاد (1/352) : ” روى ابن جريج عن أبي الزبير
عم جابر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” ليس على المنتهب ولا على المختلس
ولا على الخائن قطع ” .

 ويقال : إن هذا لم يسمعه من أبي
الزبير لكنه أخذه عن ياسين الزيات وهو ضعيف جداً عن أبي الزبير وابن جريج يدلس في أحاديث
ولا يخفى ذلك على الحفاظ “

وكذا أعله النسائي بهذه العلة في سننه

وقال ابن عدي في ترجمة ياسين الزيات من الكامل :” أخبرنا إبراهيم
بن محمد ثنا أحمد بن منصور قال عبد الرزاق أهل مكة يقولون ان بن جريج لم يسمع من أبى
الزبير إنما سمع من ياسين “

و قال أبو داود : هذان الحديثان لم يَسْمعهما ابنُ جُرَيْج من أَبي الزُّبَيْر
، وبلغني عن أحمد بن حَنْبَل ، أنه قال : إنما سَمِعَهُمَا ابنُ جُرَيْج من ياسين الزَّيَّات.

وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (3/ 793) :” قال الخطيب لا اعلم
روى هذا الحديث عن ابن جريج مجودا هكذا غير المكي بن ابراهيم إن كان ابن الحباب حفظه
عنه وان الثوري وعيسى ابن يونس وغيرهما رووه عن ابن جريج عن أبي الزبير ولم يذكروا
فيه الخائن وكان أهل العلم يقولون لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من ابي الزبير وانما
سمعه من ياسين الزيات عنه فدلس في روايته عن ابي الزبير وقال المؤلف وقد قال يحيى بن
معين ياسين ليس حديثه بشيء وقال النسائي متروك الحديث “

فخلاصة الكلام أن الذين نصوا على عدم سماع ابن جريج هذا الحديث من أبي
الزبير هم

1- أحمد ابن حنبل

2- أبو داود

3- أهل مكة كما قال عبد الرزاق

4- أبو حاتم

5- أبو زرعة

6- الخليلي

7- ابن عدي

8- الخطيب البغدادي

9- النسائي

وهذا السند على رجاله رجال مسلم ، وهو أصلٌ في بابه فلعله اجتنبه من أجل
هذه العلة

وقد أجيب عن هذه العلة بأجوبة

الجواب الأول : تصريح ابن جريج بالتحديث في بعض طرق الحديث

قال ابن المبارك في مسنده ص84 عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير المكي عن
جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درأ عن المنتهب والمختلس والخائن
القطع ( في الأصل قطع ) .

وقد انبرى النسائي للإجابة عن هذه الرواية

قال النسائي في الكبرى [ 7463 ] أخبرنا محمد بن حاتم قال أنا سويد قال
أنا عبد الله عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم درأ عن المنتهب والمختلس والخائن القطع .

قال لنا أبو عبد الرحمن ما صنع شيئاً بن جريج لم يسمعه من أبي الزبير عندنا
والله أعلم .

فالظاهر أنه يرى وهم ابن المبارك في هذه الرواية ، وكذا عامة الأئمة الذين
أعلوا هذه الرواية يكاد يجزم الباحث أن كتب ابن المبارك لا تخفى عليهم ، ولكنهم يوهمونه
فيما روى

إذا قبلت نفسك هذا الجواب سهل عليك الجواب عن الرواية الأخرى

فقد جاء تصريح ابن جريج بالتحديث عند الدارمي في مسنده

قال الدارمي (2/175) (أخبرنا) أبو عاصم عن ابن جريج قال انا أبو الزبير
قال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المنتهب ولا على المختلس ولا على
الخائن قطع .

وقد روى هذا الخبر من طريق أبي عاصم النبيل دون التصريح بالتحديث كل من
ابن أبي شيبة في المصنف وابن ماجه في سننه

وقال ابن ماجه 2591 : حدثنامحمد بن بشار . ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج
، عن أبى الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
” لا يقطع الخائن ولا المنتهب ولا المختلس “

وقال ابن أبي شيبة 29254: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، رَفَعَهُ ، بِنَحْوِهِ.

فأخشى أن يكون التصريح الذي وقع في مسند الدارمي وهمٌ من النساخ أو غيره
، فإنه مما يبعد أن تخفى هذه الرواية كل أولئك الأئمة الذين نفوا سماع ابن جريج من
أبي الزبير هذا الحديث

وقد جاء التصريح بالتحديث في النسخة المطبوعة من مصنف عبد الرزاق

قال عبد الرزاق (18844) – عن ابن جريج قال : قال لي أبو الزبير : قال
: قال جابر بن عبد الله :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس على المنتهب قطع
.

وهذه الرواية مع ما فيها من التصريح مختصرة

قال حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على المصنف :” هذا يرد على أحمد
وأبي داود قولهما أن ابن جريج لم يسمعه منأبي الزبير ، وقد روى نحوه يونس عن ابن جريج
والمغيرة بن مسلم عنأبي الزبير ، ورواه النسائي من طريق ابن المبارك عن ابن جريج قال:
أخبرني أبو الزبير (الكبرى ، الورقة 402 ب) وقول النسائي (ماعمل شيئا) تحكم مردود عليه
، فقد تابع ابن المبارك عبد الرزاق “

أقول : ليس أحمد وأبو داود وحدهما في هذا الباب بل معهما جماعةٌ من الأئمة

ثم يمكن أن يجمع بين كلام الإمام أحمد وما في المصنف بأن الرواية المطولة
لم يسمعها ابن جريج من أبي الزبير وإنما سمع هذه الرواية المختصرة المقتصرة على ذكر
المنتهب والمختلس فقط

وقد تكون كلمة (لي ) مما زاده بعض النساخ فقد تقدم كلام عبد الرزاق نفسه
نقلاً عن أهل مكة بأن ابن جريج لم يسمع هذا الخبر من أبي الزبير

قال النسائي :”رواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومخلد بن
يزيد وجماعة فلم يقل واحد منهم عن بن جريج حدثني أبو الزبير ولا أحسبه سمعه منه

ولم يذكر تصريحاً عن عبد الرزاق أو النبيل

وأجيب عن هذه العلة بجوابٍ آخر وهو أن سفيان الثوري قد تابع ابن جريج عن
أبي الزبير

وقد انبرى الإمام النسائي للإجابة عن هذه التقوية

قال النسائي في الكبرى [ 7461 ] أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد بن علي عن
مخلد عن سفيان عن أبي الزبير المكي عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس
على خائن ولا منتهب ولا مختلس

قطع قال أبو عبد الرحمن لم يسمعه سفيان من أبي الزبير

ثم قال [ 7462 ] أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان
عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على خائن
ولا منتهب ولا مختلس قطع ولم يسمعه أيضا بن جريج من أبي الزبير

أقول : فعاد الطريق إلى كونه طريق ابن جريج فلا يفيده قوةً

وأجيب عن هذه العلة بجوابٍ ثالث وهو أن المغيرة بن مسلم قد تابع ابن جريج
.

قال النسائي في المجتبى [ 4975 ] أخبرنا خالد بن روح الدمشقي قال حدثنا
يزيد يعني بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قال حدثنا شبابة عن المغيرة بن مسلم
عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على مختلس ولا منتهب
ولا خائن قطع

أقول : ومغيرة بن مسلم صدوق إلى أنهم تكلموا في روايته عن أبي الزبير خاصة

قال ابن رجب في شرح العلل (2/ 794) :” أحاديثه عن أبي الزبير خاصة
مستنكرة .

قال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى بن معين – وسئل عن المغيرة بن مسلم – ؟
فقال : (( ما أنكر حديثه عن أبي الزبير )) .

وقال النسائي في كتابه ( يعني السنن الكبرى ) : (( عنده عن أبي الزبير
غير حديث منكر )) “

أقول : واستنكار ابن معين لرواية المغيرة عن أبي الزبير يدل على أنه لا
يرى رواية ابن جريج عن أبي الزبير محفوظة ، ولو كانت محفوظةً لما استنكروا رواية المغيرة
عنه

وأجيب عن هذه العلة بجوابٍ رابع وهو أن أشعث بن سوار قد تابع ابن جريج
، وروايته موقوفة لا تفيد الرواية المرفوعة قوةً ، وقد أجاب النسائي عن هذه التقوية
أيضاً ، ثم إن روايته مقتصرة على ذكر ( الخائن ) فقط .

قال النسائي في الكبرى [ 7469 ] أخبرنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو خالد
عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر قال ليس على خائن قطع قال أبو عبد الرحمن أشعث بن سوار
ضعيف لا يحتج بحديثه .

وأعل هذا الخبر بعلةٍ أخرى ، وهي عنعنة أبي الزبير ، عند من يعل بعنعنته
وهو ابن القطان الفاسي

وقد أجيب عن هذه العلة بأجوبة

الجواب الأول : أنه قد صرح بالتحديث في مصنف عبد الرزاق

وقد راجعت المطبوع ، فما وجدت هذه الرواية ، وإنما وجدت روايةً توهم التصريح

قال عبد الرزاق (18859) – عن ياسين أن أبا الزبير أخبره عن جابر قال :
ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع، قلت : أعن النبي صلى الله عليه
وسلم ؟ قال : فعن من .

فهذه هي الرواية ، وهي من طريق ياسين الزيات وهو متروك فلا تفيد شيئاً

وأجيب عن هذه العلة بجوابٍ ثان ، وهو أن عمرو بن دينار قد تابع أبا الزبير

قال ابن حبان [ 4456 ] أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى قال حدثنا مؤمل
بن اهاب قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا بن جريج عن أبي الزبير وعمرو بن دينار عن جابر
بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على منتهب قطع ومن انتهب نهبة
فليس منا.

وهذه الرواية غير محفوظة ولعل مؤملاً حملها عن عبد الرزاق بعدما تغير

قال الدارقطني في العلل :” س 24- وسُئِل عَن حَدِيثٍ يَروِيهِ جابِرُ
بن عَبدِ الله ، عَن أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ، أَنَّهُ قال :

لَيس عَلَى الخائِنِ قَطعٌ.

فَقال : كَذا قال ابن لَهِيعَة ، عَن عَمرِو بنِ دِينارٍ ، قال : عَن جابِرٍ
، عَن أَبِي بَكرٍ قَولَهُ.

وَرَواهُ مُؤَمَّلُ بن إِهابٍ ، عَن عَبدِ الرَّزّاقِ ، عَنِ ابنِ جُرَيجٍ
، عَن عَمرِو بنِ دِينارٍ ، عَن جابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم.

وَلا يَصِحُّ ، والمَحفُوظُ ، عَنِ ابنِ جُرَيجٍ ، عَن أَبِي الزُّبَيرِ
، عَن جابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم “

وقد روى عبد الرزاق في المصنف ما يدل على نكارة هذه الرواية

قال عبد الرزاق في المصنف (18861)عن ابن جريج قال : قلت لعطاء :الخيانة
؟ قال : لا قطع فيها ولا حد يعلم ، قال ابن جريج : وقال لي عمرو بن دينار : ما بلغني
فيها من شيء .

فهذا تصريح من عمرو أنه ليس عنده في الباب شيء مما يدل على نكارة تلك الرواية
كما حققه الحافظ الدارقطني .

وللخبر شواهد

قال الطبراني في الأوسط [ 513 ] حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور قال حدثنا
أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم قال أملى علي عبد الله بن وهب من حفظه عن يونس عن الزهري
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على منتهب ولا مختلس ولا خائن
قطع لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا يونس ولا عن يونس إلا بن وهب تفرد به أبو معمر.

أقول : وهذا الخبر ظاهر سنده السلامة ، إلى أن له علة

فقد اضطرب فيه يونس بن يزيد الأيلي

قال ابن ماجه – 2592حدثنا محمد بن يحيى .ثنا محمد بن عاصم بن جعفر المصرى
. ثنا المفضل ابن فضالة ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” ليس على المختلس
قطع ” .

وهذا هو الشاهد الثاني ، وقد خالفه معمر فرواه عن الزهري من قوله

وقال عبد الرزاق (18864) – أخبرنا عن معمر عن الزهري قال : ليس على الخائن
قطع .

ومعمر أثبت من يونس في الزهري فروايته أصح

قال المزي في تهذيب الكمال (32/ 555) :” قال أبو بكر الأثرم : أنكر
أبو عَبد الله على يونس ، وَقَال : كان يجئ عن سَعِيد بأشياء ليس من حديث سَعِيد وضعف
أمر يونس ، وَقَال : لم يكن يعرف الحديث ، وكان يكتب ، أرى ، أول الكتاب فينقطع الكلام
، فيكون أوله عن سَعِيد وبعضة عن الزُّهْرِيّ ، فيشتبه عليه. قال أبو عَبد الله : ويونس
يروي أحاديث من رأي الزُّهْرِيّ يجعلها عن سَعِيد. قال أبو عَبد الله : يونس كثير الخطأ
عن الزُّهْرِيّ ، وعقيل أقل خطأ منه.

وَقَال أبو زُرْعَة الدمشقي : سمعت أبا عَبد الله أحمد بن حنبل يقول :
في حديث يونس بن يزيد منكرات عن الزُّهْرِيّ ، منها : عن سالم عَن أبيه ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم : فيما سقت السماء العشر.

وَقَال أبو الحسن الميموني : سئل أحمد بن حنبل : من أثبت في الزُّهْرِيّ
؟ قال : معمر. قيل له : فيونس ؟ قال : روى أحاديث منكرة.

وَقَال الفضل بن زياد : قال أحمد : يونس أكثر حديثًا عن الزُّهْرِيّ من
عقيل ، وهما ثقتان “

قال ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل ص416 :” نا أبي قال سمعت
مقاتل بن محمد قال سمعت وكيعا يقول: لقيت يونس بن يزيد الأيلي فذاكرته بأحاديث الزهري
المعروفة فجهدت أن يقيم لي حديثا فما أقامه “

وقد ورد عن الصحابة آثار في هذا المعنى

قال ابن أبي شيبة 29256- حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، عَنِ الْحَكَمِ
، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ.

أقول : وفي سنده حجاج بن أرطأة وهو مدلس وقد عنعن  ، والحكم هو ابن عتيبة وهو من أتباع التابعين فلم
يدرك علياً قطعاً

قال ابن أبي شيبة في المصنف 29257- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ،
عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ خِلاَسٍ ؛ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَقْطَعْ
فِي الْخُلْسَةِ.

وخلاس تكلموا في سماعه من علي ، وعامتهم على أن روايته عن علي من صحيفة
، وجوز بعضهم أن تكون صحيفة الحارث الأعور .

وقد تكلموا في سماع قتادة من خلاس

قال العلائي في جامع التحصيل ص255 :” قال أحمد وكان يحيى بن سعيد
لا يحدث عن قتادة عن خلاس بن عمرو شيئا يعني كأنه لم يسمع منه “

غير أن رواية قتادة عن خلاس موجودةٌ في صحيح مسلم (1012) من طريق شعبة
عن قتادة عنه ، ورواية علي هذه خاصة بالمختلس

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 29255- حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ؛ أَنَّ مَرْوَانَ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنِ الْخُلْسَةِ
؟ فَلَمْ يَرَ فِيهَا قَطْعًا.

أقول : والزهري لم يسمع زيداً ، فقد تكلموا في سماعه من أبي هريرة ، وزيد
أقدم وفاةً من أبي هريرة

و المنتهب الذي ينهب الشيء والناس ينظرون والمختلس الذي يجتذب الشيء فيعلم
به قبل أخذه .

ولم يقع الإجماع على عدم قطع المختلس

وقال ابن المنذر في الإجماع ص40 :”أجمعوا أن لا قطع على المختلس وانفرد
إياس بن معاوية فقال أقطعه وأجمعوا أن لا قطع على الخائن “

ومخالفة إياس بن معاوية تخرق الإجماع ، خلافاً لمن لا يعتبر خلاف الواحد
والاثنين خارقاً للإجماع كابن جرير وابن المنذر

واعلم رحمك الله أن الفقهاء اختلفوا فيمن استعار متاعاً ثم جحده على وجه
الخيانة والسرقة ، وبلغ ذلك المسروق حد النصاب هل يقطع أم لا يقطع

والجمهور على أنه لا يقطع اعتماداً على ظاهر حديث الباب إذ أنه والحال
هذه داخلٌ في عموم اسم الخيانة ، ولا قطع على الخائن

وذهب إسحاق وأحمد في رواية عنه إلى أنه يقطع واحتجوا بحديث المخزومية

قال الإمام مسلم 4507 – وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ
النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا .

وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن المخزومية كانت تسرق على الوجه الذي
تستحق به القطع ، وتسرق أيضاً على وجه الخيانة فذكر الوجه الثاني فقط .

وهذا التأويل فيه تكلف ومخالفة للأصل ، فالأصل عدم وقوع الفعل ، ثم إنه
في مثل هذه الحال إنما يذكر أقبح ما عند الجاني وما استحق به العقوبة ، ولا يذكر شيءٌ
آخر إلا على تبعاً .

وعلى الرغم من أنه في صحيح مسلم إلى أن بعضهم حاول إعلاله بأن معمراً انفرد
بذكر العارية من دون كل من روى الحديث

قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 365) :” وَاسْتُشْكِلَ حَدِيثُ الْمَخْزُومِيَّةِ،
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ،
كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ، تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ، وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ،
وَمُسْلِمٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ
الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ
إلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا،
وَأَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ بِهَذَا
اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ
بْنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ
بِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَفْظُ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَهُ
عَبْدُ الْحَقِّ فِي “الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ”، وَقَالَ فِي
“أَحْكَامِهِ”: قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي قِصَّةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ،
وَاَلَّذِينَ قَالُوا: سَرَقَتْ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا: اسْتَعَارَتْ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ،
فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عليه السلام:
“لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا” ، فَقُطِعَتْ، انْتَهَى. وَأَخَذَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ الْعَارِيَّةِ،
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ خَائِنٌ، وَالْخَائِنُ من
يؤتمن على شيء، فيخون به، فَسَقَطَ الْقَطْعُ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ
بِإِتْمَامِهِ، وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعَارِيَّةِ وَقَعَ فِيهِ
لِقَصْدِ التَّعْرِيفِ، لَا أَنَّهُ سَبَبُ الْقَطْعِ، بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي
صُرِّحَ فِيهَا بِالسَّرِقَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ تَفَرَّدَ
بِذِكْرِ الْعَارِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ
اللَّيْثَ رَاوِيَ السَّرِقَةِ تابعه عليه جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: يُونُسُنُ يَزِيدَ،
وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ
الزُّهْرِيِّ، كَرِوَايَةِ اللَّيْثِ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَافَقَ مَعْمَرًا
فِي رِوَايَةِ الْعَارِيَّةِ، لَكِنْ لَا يُقَاوَمُ مَنْ ذَكَرَ “

وقد ذكروا أن أيوب بن موسى قد تابعه ، ولكن رواية أيوب بن موسى (4869)
موافقة لرواية الجماعة ، وذكر زيادة الإستعارة عنه إسحاق بن إبراهيم عن سفيان ، وأكثر
أصحاب سفيان لا يذكرونها والله أعلم

وله شاهدٌ من حديث ابن عمر لكنه معلول

قال ابن أبي حاتم في العلل (1/453) :” وسمِعتُ أبِي ، وذكر الحدِيث
الّذِي : رواهُ عبدُ الرّزّاقِ ، عن مَعْمَرٍ ، عن أيُّوب ، عن نافِعٍ ، عنِ ابنِ عُمر
، قال : كانتِ المخزُومِيّةُ تستعِيرُ المتاع ، وتجحدُها ، فأمر رسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم بِقطعِ يدِها.

قال أبِي : روى هذا الحدِيث اللّيثُ بنُ سعدٍ ، عن مُحمّدِ بنِ عَبدِ الرّحمنِ
بنِ غنجٍ ، عن نافِعٍ : أنَّ صفِيّة بِنت أبِي عُبيدٍ ، أخبرتهُ أنَّ امرأةً كانت تستعِيرُ
المتاع فِي عهدِ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمّ تجحدُهُ ، فأمر النّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم بِقطعِ يدِها ، فِي قِصّةٍ طوِيلةٍ مُرسلاً ، وهذا أشبهُ ولم يروِ
عن أيُّوب إِلاَّ معمرٌ.

وذكر حدِيث يُونُس ، عنِ الزُّهرِيِّ ، عن عُروة ، عن عائِشة ، عنِ النّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم فِي هذا.

قال أبِي : كذا رواهُ يُونُسُ “

وقال النسائي في المجتبى 4889 أخبرنا عثمان بن عبد الله قال حدثني الحسن
بن حماد قال حدثنا عمرو بن هاشم الجنبي أبو مالك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن
عمر رضي الله عنهما أن امرأة كانت تستعير الحلي للناس ثم تمسكه فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لتتب هذه المرأة إلى الله ورسوله وترد ما تأخذ على القوم ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها .

أقول : وعمرو بن هاشم ضعيف وخالفه شعيب بن إسحاق فرواه مرسلاً

قال النسائي في المجتبى 4890 أخبرني محمد بن الخليل عن شعيب بن إسحق عن
عبيد الله عن نافع أن امرأة كانت تستعير الحلي في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاستعارت من ذلك حليا فجمعته ثم أمسكته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتب هذه
المرأة وتؤدي ما عندها مرارا فلم تفعل فأمر بها فقطعت.

وله شاهد من مرسل سعيد بن المسيب

وقال النسائي في المجتبى 4892 أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا معاذ بن
هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن سعيد بن يزيد عن سعيد بن المسيب أن امرأة من بني مخزوم
استعارت حليا على لسان أناس فجحدتها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت .

أقول : ومعاذ بن هشام فيه كلام ينزله إلى رتبة الصدوق ، وقد خالف همام
في هذا الإسناد

قال النسائي في المجتبى 4892_ أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الصمد
قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة عن داود بن أبي عاصم أن سعيد بن المسيب حدثه نحوه

وهذا إسنادٌ قوي إن كان قتادة سمع من داود ، ومراسيل ابن المسيب من أصح
المراسيل .

وقد حمل الحنابلة الذين قالوا بقول إسحاق بقطع يد جاحد العارية ، عدم قطع
الخائن على خائن الوديعة دون خائن العارية .

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم