عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :
إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا
من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله حجب فجاء حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على
الله عز وجل .
الحديث بهذا اللفظ له عن سعيد طريقان
1- علي بن زيد بن جدعان عن سعيد به وحديثه عند الخرائطي في محاسن الأخلاق
(54) بهذا اللفظ المختصر والدقاق في مجلس في الرؤية (250) بلفظٍ أوفى من هذا
وعلي بن زيد هذا الراجح فيه الضعف لوجوه
الأول : أن عدداً ممن جرحوه قد فسروا الجرح فذكروا سوء حفظه
أ- قال ابن خزيمة لا أحتج به لسوء حفظه
ب- وقال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد ثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث
وفي رواية كان يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غدا فكأنه ليس ذلك
ج- وقال ابن حبان يهم ويخطىء فكثر ذلك منه فاستحق الترك – انظر هذه الأقوال
في تهذيب التهذيب –
قلت : القاعدة أن الجرح المفسر مقدم على التعديل وإن كثر المعدلون فكيف
إذا كان الجارحون هم الأكثر
الثاني : أن هناك من نص على اختلاطه
أ- قال معاذ بن معاذ عن شعبة حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط
ب- وقال ابن قانع خلط في آخر عمره وترك حديثه – انظر التهذيب –
قلت : والمثبت مقدم على النافي كما يقال فكيف إذا كان المثبت إماماً مثل
شعبة كما أنه تلميذ لهذا المتهم بالإختلاط
الثالث : أن الأكثر من النقاد على تضعيفه فقد ضعفه أحمد وابن معين وأبو
حاتم ويعقوب بن شيبة والنسائي وأبي أحمد الحاكم وغيرهم
وقد روى هذا الحديث من طريق علي بن زيد بن جدعان الطبراني في الطوال
(7) وليس فيه الجزء المختص بحسن الخلق بل هو حديثٌ طويل _ سيأتي ذكره _ وقد غلط محقق
مكارم الأخلاق للخرائطي حين عزا هذا الحديث باللفظ الموجود أعلاه للطبراني في الطوال
موهماً أنه مطابق للفظ الخرائطي في المكارم وهذا غلط لأن لفظ الطبراني ليس فيه ذكر
حسن الخلق
وطريق الطبراني فيه سليمان بن أحمد الواسطي وهو متهم بالكذب وله ترجمة
حافلة في الميزان فلا يعول على روايته
2- هلال أبو جبلة وحديثه عند الخرائطي في مكارم الأخلاق (55) وابن عساكر
في التاريخ (9/ 967) – وهذه الإحالة مستفادة من تحقيق المكارم –
قلت : هلال هذا مجهول غير أن ابن أبي حاتم ذكر أن له تلميذين اثنين فمثله
مجهول الحال فهل يصلح حديثه لتقوية علي بن زيد
الجواب : لا لأن روايته عن سعيد احتمال الإنقطاع فيها قوي لأمرين
أولها : أن أبا حاتم ذكر أن من شيوخ هلال عطاء بن أبي ميمونة وعطاء هذا
من صغار التابعين فمن تتلمذ عليه يبعد أن يكون أدرك سعيداً وهو من رؤوس كبار التابعين
ثانيها : أن هلالاً لا يعرف بلده والظاهر أنه بصري لأن من الرواة عنه جعفر
بن سليمان وهو بصري ويروي هلال عن عطاء بن أبي ميمونة وهو بصري وإذا كان بصرياً فاحتمال
سماعه من ابن المسيب بعيد لأن ابن المسيب مدني
فعليه يحتمل قد أخذ هذا الحديث من علي بن زيد بن جدعان البصري وأرسله عن
سعيد فيكون مرجع الطريقين إلى طريقٍ واحد
وقد جاء الحديث بلفظٍ آخر عند الطبراني في الكبير
قال الهيثمي في مجمع (7/180) :” قال خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة فجاءه وضوؤه
فاستنقذه من ذلك ورأيت رجلا من أمتي قد سلط عليه عذاب القبر فجاءته صلاته فاستنقذته
من ذلك ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله فخلصه منهم ورأيت رجلا
من أمتي يلهث من العطش فجاء، صيام رمضان فسقاه ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة
ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة من فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة فجاءه حجه
وعمرته فاستخرجاه من الظلمة ورأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه فجاءته صلة
الرحم فقالت إن هذا كان واصلا لرحمه فكلمهم وكلمو وصار معهم ورأيت رجلا من أمتي يتقي
وهج النار عن وجهه فجاءته صدقته فصارت ظلا على رأسه وسترا عن وجه ورأيت رجلا من أمتي
جاءته زبانية العذاب فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ذلك ورأيت رجلا
من أمتي هوى في النار فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله فأخرجته من النار ورأيت رجلا
من أمتي قد هوت صحيفة إلى شماله فجاءه خوفه من الله فأخذ صحيفته في يمينه ورأيت رجلا
من أمتي قد خف ميزانه فجاء إقراضه فثقل ميزانه ورأيت رجلا من أمتي يرعد كما يرعد الزعفة
فجاءه حسن ظنه بالله فسكن رعدته ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط مرة ويجثو مرة
ويتعلق مرة فجاءته صلاته علي فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاوز ورأيت رجلا من
أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادته أن لا إله إلا الله فأخذت
بيده فأدخلته الجنة. رواه الطبراني باسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي وفي
الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي وكلاهما ضعيف “
قلت : وهذا اللفظ الذي أورده الهيثمي ليس فيه ذكر حسن الخلق فلا يصلح شاهداً
لحديثنا الأصل من جهة المتن ولم يتنبه لهذا محقق مكارم الأخلاق فجعله شاهداً للخبر
الأصل
كما أنه لا يصلح من جهة الإسناد أيضاً فسليمان تقدم الكلام عليه .
وخالد بن عبد الرحمن المخزومي
متروك مترجم في الميزان وعليه فإن عبارة الهيثمي فيها قصور .
والعتب على محقق مكارم الأخلاق
الذي لم ينبه إلى هذا القصور ، وهو في معرض جمع الطرق فبيان مثل هذا ضروري
وقد تحرف ( المخزومي ) في مطبوعة المكارم إلى ( الخزرجي ) وكذا فليكن التحقيق
!
وقد انفصل المحقق إلى تحسين الخبر باللفظ المذكور أعلاه – أعني به اللفظ
الذي فيه ذكر حسن الخلق – وهذا تساهلٌ مفرط قد ظهر لك ما فيه مما سبق
ثم وقفت على طريقين لهذا الحديث عن سعيد بن المسيب
1_ عبد الرحمن بن أبي عبد الله
وحديثه عند المعافى بن زكريا في الجليس الصالح (1/458) قال حدثنا محمد
بن الحسن بن علي بن سعيد الترمذي سنة ست عشرة وثلاثمائة قال، حدثنا إبراهيم بت إسحاق
الجرمي قال، حدثنا عمار بن نصر المروزي ومحمد بن الجنيد قالا، حدثنا عبد الله بن نافع
بن ثابت قال، حدثنا ابن أبي فديك عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن سعيد بن المسيب
عن عبد الرحمن بن سمرة
– وقد دلني على هذا الطريق أحد
الأخوة –
قلت : عبد الرحمن بن أبي عبد الله ترجم له الخطيب في غنية الملتمس ولم
يذكر عنه راوياً غير ابن أبي فديك ولم أقف على جرح ولا تعديل في شأنه
2_ يحيى بن سعيد عنه وحديثه في تاريخ أصبهان قال :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مِنْ أَصْلِهِ،
ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ بِشْرٍ، ثنا
نُوحُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ،
قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «رَأَيْتُ
الْبَارِحَةَ عَجَبًا، رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشًا، كُلَّمَا
وَرَدَ حَوْضًا مُنِعَ، فَجَاءَهُ صِيَامُ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ وَأَرْوَاهُ
وهذا لفظ مختلف
وعلي بن بشر ضعيف جداً اتهمه ابن منده
قال في لسان الميزان قال أبو الشيخ: كان ضعيفا حدث بحديث كثير لم يكتب
إلا من حديثه.
وقال أبو نعيم: في حديثه نكارة.
وقال محمد بن يحيى بن منده: رأيت أبا الحجاج الفرساني قد لزم علي بن بشر
ويقول: بيني وبينك السلطان فإنك تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشيخه نوح بن يعقوب مجهول
وقد رواه ابن الشجري في أماليه من طريقه
فالخبر لا يثبت وهذا الطرق والألفاظ المختلفه لا يحتمل تقويتها ببعض
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم