فهذا بحث كتبته قبل عدة سنوات في حديث ( إنما أنا رحمة مهداة ) في نقدي
لتعليق الداراني على مسند الدارمي
فقلت هناك :
” الإنتقاد السابع
قال الدارمي 15 – أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِىُّ
بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ:”
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ “
فعلق الداراني بما مفاده أن هذا السند صحيح ولكنه مرسل
ثم ذكر رواية الطبراني في الصغير (1/95) وفي الأوسط برقم (5،30) _ كذا
قال _ من طريق زياد بن يحيى حدثنا مالك بن سعير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
به
وقال الطبراني :” لم يروه عن الأعمش إلا مالك بن سعير “
فقال الداراني :” نقول لو كان منفرداً لما كان في تفرده ضرر للحديث
لأنه ثقة
ومع ذلك فقد تابعه على روايته عن الأعمش مرفوعاً أيضاً وكيع عند ابن سعد
(1/1/128) وابن أبي شيبة (1/504) وابن عدي (4/1546) من طريق عمر بن سنان عن عبدالله
بن نصر عن وكيع عن الأعمش بالإسناد السابق وعبدالله بن نصر ضعيف
وأخرجه ابن سعد في الطبقات (1/1/128) من الطريق السابق مرسلاً “
قلت على كلامه مآخذ
المأخذ الأول قوله ” مالك بن سعير ثقة ” تساهلٌ عجيب
فإنك إذا رجعت إلى ترجمته في التهذيب
ستجد أن أبا داود قد ضعفه وقال أبوزرعة والدارقطني: ” صدوق”
وذكره ابن حبان في الثقات
فمثل لا يرتقي إلى أن يكون ثقة بل هو صدوق فقط
لذا قال في التقريب (( لا بأس به ))
وقال الذهبي في الميزان (( صدوق معروف ))
وهذا ما كان يرجحه الألباني ( انظر معجم الرجال الذين تكلم فيهم الشيخ
الألباني )
المأخذ الثاني قوله في مالك بن سعير :”نقول لو كان منفرداً لما كان
في تفرده ضرر للحديث “
قلت في هذا نظر لأمرين
الأول أنه صدوق فمثله لا تقبل زيادته من دون الثقة ( علي بن مسهر )
الثاني أن هذا هو مذهب جماعة من الفقهاء وهو قبول الزيادة من الثقة مطلقاً
وهذا مخالف لمذهب جماهير المحدثين النقاد
قال الإمام مسلم في التمييز ص189:” الزيادة في الأخبار لا تلزم إلا
عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في الحفظ “
وقال ابن خزيمة في صحيحه فيما نقله عنه ابن حجر في النكت (2/689)
:”لسنا ندفع أن تكون الزيادة مقبولة من الحفاظ ، ولكنا نقول : إذا تكافأت الرواة
في الحفظ والاتقان فروى حافظ بالأخبار زيادة في خبر قبلت زيادته . فإذا تواردت الأخبار
، فزاد وليس مثلهم في الحفظ زيادة لم تكن تلك الزيادة مقبولة “
ونقل ابن حجر بعد ذلك عن ابن عبد البر قوله ” إنما تقبل الزيادة من
الحافظ إذا ثبت عنه وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ ، لأنه كأنه حديث آخر
مستأنف وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ ، ولا متقن ، فإنها لا يلتفت إليها
“
وفي ص (429) من شرح العلل نقل ابن رجب عن الدارقطني في حديث زاد في إسناده
رجلان ثقتان وخالفهما الثوري، فلم يذكره قال:” لولا أن الثوري خالف لكان القول
قول من زاد فيه؛ لأن زيادة الثقة مقبولة. قال ابن رجب: وهذا تصريح بأنه إنما يقبل الزيادة
إذا لم يخالفه من هو أحفظ منه”
وقال ابن حجر في النكت (2/613) :”والحق في هذا أن زيادة الثقة لا
تقبيل دائماً ، ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين ، فلم يصب . وإنما يقبلون ذلك إذا
استووا في الوصف ولم يتعرض بعضهم لنفيها لفظاً ولا معنى .
لتعليله يرجع إلى قول الأكثر عدداً لبعدهم عن الغلط والسهو ذلك عند التساوي
في الحفظ والإتقان فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قول الأحفظ والأكثر اتقاناً وهذه
قاعدة متفقٌ على العمل بها عند أهل الحديث “
قلت فمثل هذه الزيادة إذا بها مالك تكون شاذةً وعلى مذهب الداراني لا يوجد
شيء اسمه زيادة شاذة إلا في النادر القليل وهو عند المخالفة
المأخذ الثالث : ما ذكره من متابعة وكيع
عبدالله بن نصر ضعيف كما ذكر الداراني نفسه وقد انفرد بهذه الزيادة
وقد روي الحديث عنه مرسلاً ابن سعد كما ذكر الداراني نفسه وهو ثقة
فعليه تكون الزيادة عن وكيع منكرة
والمنكر لا يصلح للإعتضاد
قال ابن عدي في رواية عبدالله بن نصر :” هذا غير محفوظ عن وكيع
“
قلت : يعني منكر
وما فعله الداراني هو أنه عضد الرواية الشاذة بالرواية المنكرة !!
وقد أورد الألباني في الصحيحة تحت حديث (490) متابعين لعبدالله بن نصر
قال:”كذلك أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في ” المعجم ” (
ق 106 / 2 ) قال : أنبأنا
إبراهيم أنبأنا وكيع به . و إبراهيم هذا هو ابن عبد الله أبو إسحاق العبسي
كما
في إسناد حديث قبل هذا عنده . و هو إبراهيم بن عبد الله بن بكير بن الحارث
العبسي , و هو آخر أصحاب وكيع وفاة , توفي سنة تسع و سبعين و مائتين كما
في ” الشذرات ” ( 2 / 174 ) . و له جزء من حديث وكيع بن الجراح , يرويه أبو
عمرو “
قلت أخرجه مرسلاً
وقال:”أخرجه أبو الحسن علي بن عمر الحربي السكري في ” الفوائد
المنتقاة “
(2/157) : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا حاتم بن منصور
الشاشي أبو سعيد قال : حدثنا عبد الله بن أبي عرابة الشاشي .
و عبد الله هذا أورده السمعاني في ” الشاشي ” فقال :
” هذه النسبة إلى مدينة وراء نهر سيحون يقال : لها ( الشاش ) , و
هي من ثغور
الترك , خرج منها جماعة كثيرة من أئمة المسلمين منهم عبد الله بن أبي عرابة
الشاشي , رحل إلى مرو و العراق , و سمع علي بن حجر و أحمد بن حنبل , روى
عنه
أهل بلده , و مات سنة ( 286 ) ” .
لكن الراوي عنه حاتم بن منصور لم أجد له الآن ترجمة “
قلت حاتم بن منصور الشاشي من شيوخ العقيلي في الضعفاء 505 و 772 وهذا يقوي
من أمره
ثم قال :”فإن رجحنا رواية وكيع المرسلة , فيكون مالك قد خالفه
فتكون روايته شاذة , و رواية وكيع المرسلة هي المحفوظة , و إن رجحنا رواية
وكيع
الموصولة فتتفق الروايتان , و يكون كل منهما شاهدا للآخر , و هذا هو الأرجح
عندي , لأن اتفاق ثلاثة من الرواة على روايته عن وكيع موصولا , يبعد في
العادة
أن يتفقوا على الخطأ , و لو كان في بعضهم ضعف بدون تهمة , أو في بعض الرواة
عنه
فإذا انضم إلى ذلك رواية مالك بن سعير قوي الحديث و ارتقى إلى درجة الحسن
أو الصحة , و الله أعلم “
قلت في كلامه أمور
الأول أنه رجح إمكانية أن تكون رواية مالك بن سعير شاذة بخلاف الداراني
الذي لا يرى إمكانية ذلك لأن مالك عنده ثقة !
الثاني أنه لم يقبل رواية عبدالله بن نصر عن وكيع منفردة بل ضم إليها
روايتين أخريين ثم رجحها من باب الأكثر أولى بالحفظ وأبعد عن الوهم
ولم يفعل كما فعل الداراني الذي جعل الزيادة التي ينفرد بها الضعيف من
دون الثقة صالحة للإعتبار وهذا مخالف للقواعد العلمية
وقد فات الألباني والداراني أن ابن أبي شيبة قد رواه في المصنف
(7/441) عن وكيع مرسلاً
وما ذكره الداراني من أن ابن أبي شيبة رواه من طريق عمر بن سنان عن عبدالله
بن نصر غلط وتضليل للقاريء
وكذا ابن سعد فقد رواه ابن سعد عن وكيع مباشرةً بالرواية المرسلة
وأما الداراني فقد أوهم أنها روياها بالرواية المتصلة بسندٍ نازل وهذا
غلط
ومع اتفاق ابن سعد وابن أبي شيبة على الرواية المرسلة عن وكيع يظهر أنها
هي الأرجح لأنهما أثبت ممن زادها
ولا يعقل غفلة ثقتين ثبتين من كبار الحفاظ مثلهما عنها
وأما من زادها فيبدو أن الأمر قد اختلط عليه الأمر بحديث مالك بن سعير
أو يكون سمع عدة أحاديث من وكيع من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
وجاء هذا الحديث بعدها فظن أنه منها
ثم وجدت لهذين الإثنين ثالثاً وهو أحمد بن عبدالجبار – وهو ضعيف –
قال البيهقي في شعب 1404 أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس
الأصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :” أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة “
فهؤلاء الثلاثة تترجح كفتهم على أولئك لما قدمنا فالصواب في الخبر أنه
مرسل , وذكر أبي هريرة في السند جادة مطروقة معروفة , وإسقاطه منه لا يحفظه إلا
حافظ قد حفظ ما سمع
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم