قال البزار في مسنده 6940: حَدَّثنا العباس بن جعفر ، حَدَّثنا أبو ظفر
، حَدَّثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابتٍ ، عَن أَنَسٍ ، قال :
قيل : يارسول الله من أهل الجنة
؟ قال : من لا يموت حتى تملأ مسامعه مما يحب
.
قيل فمن أهل النار ؟ قال : من
لا يموت حتى تملأ مسامعه مما يكره.
هكذا وجدتُهُ عندي عن عباس ، ولاَ نعلمُ روى هذا الحديث ، عَن أَنَس إلاَّ
ثابت ، ولا عن ثابتٍ إلاَّ سليمان بن المغيرة.
البزار صاحب مسند معلل ، وهذه منه إشارة إلى علة وكثيراً ما تجد شرح إشارات
البزار في العلل لابن أبي حاتم والعلل للدارقطني وفي علل الدارقطني أكثر
وفعلاً هذا الخبر معلول
قال البغوي في الجعديات 2831 : حدثنا علي ، أنا حماد ، عن ثابت ، عن أبي
بكر الصديق قال : قيل : يا رسول الله من أهل النار قال : من لا يموت حتى تملأ مسامعه
مما يكره .
فقيل : يا رسول الله ، من أهل
الجنة ؟ قال : من لا يموت حتى تملأ مسامعه مما يحب
حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت وروايته أرجح لأنه لم يسلك الجادة
فثابت عن أنس جادة روي بها العشرات من الأحاديث
وأما ثابت عن الصديق فهذا سند نادر قلما يقع
وقد أشار إلى إعلال هذا الخبر البخاري في التاريخ الصغير (1/297)
:” حدثني عبد السلام قال حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال النبي صلى الله عليه
وسلم أهل الجنة من لا يموت حتى تملا مسامعه مما يحب حدثنا موسى عن حماد عن ثابت عن
أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله”
وصرح بإعلال الخبر أبو حاتم وأبو زرعة
قال ابن أبي حاتم في العلل :” 2185- وَسَأَلْتُ أَبِي ، وَأَبَا زُرْعَةَ
، عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ أَبُو الظُّفْرِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،
عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قِيلَ لَهُ : مَنْ
أَهْلُ الْجَنَّةِ ، مَنْ أَهْلُ النَّارِ قَالَ : مَنْ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَمْلأَ
مَسَامِعَهُ مِمَّا يُحِبُّ.
فَقَالا : هَذَا عِنْدَنَا خَطَأٌ ، رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ،
عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، مُرْسَلاً
، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : فَمِنْهُمْ مَنْ يُحَدِّثُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ
، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، مُرْسَلاً ، وَالْوَهْمُ مِنْ
أَبِي الظُّفْرِ.
وسَمِعْتُ أَبِي ، قَالَ : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ النَّاسِ
بِحَدِيثِ ثَابِتٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، وَحُمَيْدٌ ، حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ”
فهذا يؤكد ما ذكرته من أن إشارات البزار تجد شرحها في كتب العلل ، وهذا
السند الراجح منقطع فثابت لم يدرك الصديق
وللخبر شاهد من حديث ابن عباس
قال ابن ماجه في سننه 4224: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، وَزَيْدُ
بْنُ أَخْزَمَ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا أَبُو
هِلاَلٍ ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي ثُبَيْتٍ ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : أَهْلُ
الْجَنَّةِ ، مَنْ مَلأَ اللَّهَ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ خَيْرًا ، وَهُوَ
يَسْمَعُ ، وَأَهْلُ النَّارِ ، مَنْ مَلأَ اللَّهُ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ
شَرًّا ، وَهُوَ يَسْمَعُ.
وقد خرج البزار هذا الحديث في مسنده المعلل ، وخرجه الطبراني في معجمه
الأوسط الذي يجمع فيه غرائب شيوخه
وخرجه أبو نعيم في الحلية (3/80) ثم قال :” غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي الْجَوْزَاءِ لَمْ يَرْفَعْهُ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي
هِلَالٍ”
وهذه إشارة من أبي نعيم إلى أن الحديث روي مرسلاً والصواب فيه الإرسال
، والأمر كما أشار إليه
قال أحمد في الزهد 69: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنَا أَبُو
هِلاَلٍ ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي ثُبَيْتٍ ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ
بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ : أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ مُلِئَتْ مَسَامِعُهُ مِنَ
الثَّنَاءِ الْحَسَنِ ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنْ مُلِئَتْ مَسَامِعُهُ مِنَ الثَّنَاءِ
السَّيِّئِ وَهُوَ يَسْمَعُ.
عبد الصمد بن عبد الوارث ثقة ثبت وروايته أصح من رواية لأن مسلماً سلك
الجادة وهو لم يسلكها ، وقد يكون الحمل في هذا على أبي هلال الراسبي فإنه صدوق فيه
لين فيكون اضطرب في الحديث
وهنا قاعدة مهمة للمهتمين بالعلل وهي ( الخطأ أكثر من الصواب )
ومعنى هذه القاعدة أن الروايات المرسلة والموقوفة أقل بكثير من الروايات
المرفوعة المتصلة .
لأن الناس يتطلبون رواية المرفوع
المتصل ويبتعدون في الغالب عن رواية المراسيل والموقوفات
فكثير من الأخبار المرسلة التي وهم فيها الرواة ووصلوها ، تجد أن الرواية
الموصولة الخطأ توجد في عدة مصادر ربما تصل إلى عشرة مصادر أو أكثر ، والرواية المرسلة
الصواب لا توجد إلا في مصدر أو مصدرين
ومثل هذا يقال في المرفوع والموقوف
أذكر هذا لأبين ضرورة الرجوع إلى كتب العلل ، وألا يغتر معاصر فيظن أنه
بالفهارس اطلع على ما لم يطلع عليه الأوائل ، فمعظم الفهارس إنما عنيت بالمرفوعات وأما
الموقوفات والمقطوعات التي كان يحفظها الأئمة في رؤوسهم ويعلون بها الروايات الخطأ
، فليس لها فهارس وافية في الغالب
وحتى سعة الاطلاع وحدها لا تكفي ، إن لم يرافقها الفهم ودقة النظر فإن
المعاصر ربما وقف على الرواية المعلولة والرواية المعلة فلم يتنبه إلى كون إحداهما
تعل الأخرى بل ربما ذكر هذه في شواهد تلك ، وهذا قلما يقع للأئمة النقاد ، بل لا يقع
إطلاقاً
ثم هذا يبين لك ضرورة العناية بإشارات الأئمة إلى العلل ، وعدم العجلة
في التصحيح قبل المبالغة في جمع الطرق والتنقيب فإنك قد تقف على علة ، فجمع الطرق يكون
للوقوف على علة وليس للتقوية فقط .
ثم ليدرس الأمر بقرائنه ، فإنك
إن وجدت حديثاً انفرد به ابن ماجه وقد قيل في زوائد ابن ماجه أن غالبها ضعاف ، ووجدت
البزار ذكر الخبر في مسنده المعلل ، فهذه قرائن تدل على أن للخبر علة ينبغي لك تطلبها
فالخلاصة أن عندنا مرسل أبي الجوزاء ورواية ثابت عن الصديق ، ولا يقوي
بعضهما بعضاً فإن الانقطاع في المكان نفسه من السند فأبو الجوزاء لم يدرك الصديق فلو
سماه لكان منقطعاً وكلاً من ثابت وأبي الجوزاء بصري فاحتمال عود الخبرين إلى المخرج
نفسه وارد بقوة
فالخبر بهذا اللفظ لا يصح ، وقد أطنبت في شرح علل هذا الخبر لشعوري بوجود
بعض الإخوة المستفيدين ممن يرغب بتعلم هذا العلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم