الكلام على حديث : ( أكرموا الخبز )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذا جمعٌ لطرق حديث :[  أكرموا
الخبز ]  وهو من الأحاديث المشهورة كما أنه
حصل في الحكم عليه  خلاف بين النقاد كما سيأتي
بيانه

هذا الحديث روي عن جمع من الصحابة:

1- أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

وله عنها طريقان

أ – طريق كريمة بنت همام عنها

رواه الحاكم في المستدرك (7227) من طريق محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي
ثنا بشر بن المبارك الراسبي قال :- ذهبت مع جدي إلى وليمة فيها غالب القطان.قال: فجيء
بالخوان، فوضع، فمسك القوم أيديهم.

فسمعت غالب القطان يقول: ما لهم لا يأكلون؟

قالوا: ينتظرون الأدم.

فقال غالب: حدثتنا كريمة بنت همام الطائية، عن عائشة أم المؤمنين -رضي
الله تعالى عنها-:

أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (أكرموا الخبز، وإن كرامة الخبز
أن لا ينتظر به).

وشيخ الحاكم في هذا الحديث أحمد بن محمد ابن القاسم أبو يحيى السمرقندي

قال الوادعي في كتابه رجال الحاكم ص172 :” ترجمه الإمام الذهبي _
رحمه الله _ في الميزان فقال : أحمد بن محمد ابن ابراهيم ابن حازم أبو يحيى السمرقندي
الكرابيسي .

عن محمد بن نصر وابن خزيمة .

وعنه الإدريسي وقال : اتهم في إكثاره عن ابن نصر ورأيت خط محمد بن نصر
له بالإجازة بما عنده عنه “

أقول : وروايته هنا عن محمد بن نصر أبو عبد الله المروزي الإمام المعروف
وقد دافع عنه الإدريسي .

 وأما محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي
فوثقه الدارقطني في سننه (2/178)

وأما بشر بن المبارك فهو هنا منسوبٌ (الراسبي) وفي رواية البيهقي في شعب
الإيمان (5481) ط مكتبة الرشد نسبوه ( العبدي ) ولا يمكن أن تجتمع له النسبتان

قال السمعاني في الأنساب (2/281) ط دار احياء التراث :” الراسبي بكسر
السين والباء الموحدة منسوبٌ إلى بني راسب وهي قبيلة نزلت البصرة “

وقال أيضاً (3/306) :” العبدي بفتح العين المهملة ، وسكون الباء المنقوطة
بواحدة وفي آخرها الدال المهملة هذه النسبة إلى عبد القيس في ربيعة بن نزار “

وهناك وجه مخالفةٍ آخر في رواية البيهقي لرواية الحاكم ففي رواية البيهقي
يقول بشر بن المبارك :- ذهبت مع أبي …

وفي رواية الحاكم :” ذهبت مع جدي “

وفي سند البيهقي محمد بن قبيصة الإسفراييني قال محقق الشعب :” لعله
محمد بن أحمد بن قبيصة أبو عبد الله ذكره الخطيب (1/355) :- حدث عن الحسين بن فهم روى
عنه ابراهيم بن محمد الباقرجي “

وفي سنده أيضاً أبو العباس الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة ولم يعرفه
محقق الشعب .

وأما بشر بن المبارك فلم يوثقه معتبر وذكره ابن حبان في الثقات (5/91)
ط دار الكتب العلمية :” روى عنه يوسف بن سعيد بن مسلم “

ولا أدري إن كان هذا هو بشر بن المبارك صاحبنا أو غيره ، فإن ابن حبان
لم ينسبه راسبياً أو عبدياً ولا أجد راوياً مشتركاً في الشيوخ والتلاميذ ، وسواءً كان
هذا أو ذاك فإن توثيق ابن حبان لا يرفع عنه الجهالة

ب- عروة عنها

قال ابن ماجه 3353: حدّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ.
حدّثنا وَسَّاجُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ. حدّثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوقَرِيُّ.
حدّثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم الْبَيْتَ. فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقَاةً. فَأَخَذَهَا فَمَسَحَهَا ثُمَّ
أَكَلَهَا، وَقَالَ:

(يَاعَائِشَةَ! أَكْرِمِي كَرِيماً. فَإِنَّهَا مَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ
قَطُّ، فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ).

أقول : الوليد متهم متروك متهم بالكذب ( انظر ترجمته في تهذيب التهذيب
)

2- أبو هريرة

وله عن أبي هريرة ثلاثة طرق

أ – عطاء بن أبي رباح عنه

قال قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب (204) ط دار زمزم أخبرنا
أبو حفص السمسار أنا أبو سعيد النقاش أنا أبو سعيد محمد بن إبراهيم بن عبد الله الإسماعيلي
النيسابوري نا محمد بن إبراهيم بن موسى الصغاني قدم علينا حاجاً نا أبو الليث نصر بن
الحسن نا عبد الرحيم نا إسحاق بن نجيح عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :- ” أكرموا الخبز ولا تضيعوه ، فإنه ما ضيعه قومٌ إلا ابتلاهم
الله تعالى “

أقول : هذا الطريق مما فات ابن الجوزي في الموضوعات والسيوطي في اللآليء
والألباني في الضعيفة ، وفيه إسحاق بن نجيح وهو متهم بالكذب وقد اضطرب فيه فرواه من
وجه آخر يأتي ذكره إن شاء الله .

ب- سعيد بن المسيب عنه

قال ابن حبان في الضعفاء والمجروحين (2/390) ط دار الصميعي في ترجمة نوح
بن أبي مريم أبو عصمة الجامع الكذاب المعروف :” وهو الذي روى عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال :- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يقطع الخبز بالسكين وقال :” أكرموا الخبر فإن الله أكرمه ” .

وكذا ذكره ابن عدي في ترجمة نوح من الكامل

ج- عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عنه

قال أبو نعيم في الحلية (9/330) ط دار احياء التراث العربي في آخر ترجمة
ذي النون المصري حدثنا محمد بن عثمان العثماني ( كذا في المطبوع وصوابه عثمان بن محمد
) ثنا الحسن بن أبي الحسن ثنا أبو الحسن علي بن يعقوب حدثني محمد بن إبراهيم بن عبيد
الله حدثني محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الخوارزمي أخبرني أبو الفيض ذو النون المصري
حدثني أبو حربة أحمد بن الحكم من أهل البلقاء عن عبد الله بن إدريس قال :- وفد على
مولاي نجا الملك رجلٌ من أهل الشام يستميحه يقال عبدالرحمن بن هرمز الأعرج فقدم إليه
طعاما على مائدة فتحركت القصعة على المائدة فأسندها الملك برغيف فقال له عبدالرحمن
بن هرمز حدثني أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا خرجتم من
حج أو عمرة فتمتعوا لكي تنكلوا وأكرموا الخير فإن الله تعالى سخر له بركات السماء والأرض
ولا تسندوا القصعة بالخبر فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع .

أقول : أبو حربة ويقال أبو حزبة مجهول مترجم في الميزان والمتن فيه نكارة
فإن نسب الأعرج إلى الشام والأعرج مدنيٌ معروف .

 عبد الله بن إدريس ليس هو الأودي
الكوفي المعروف فإن ذاك لم يدرك الأعرج بل هو البجائي مجهول ترجم له في لسان
(4/431).

 وأبو الحسن علي بن يعقوب ترجم
له أبو نعيم في أخبار أصبهان فقال :” علي بن يعقوب بن إسحاق بن البختيار المؤذن
أبو الحسن كان يؤذن في الجامع ، توفي بعد الخمسين ، روى عن الأخرم وأحمد بن علي بن
الجارود وإبراهيم بن محمد بن الحسن وطبقتهم ، والحسن بن هارون بن سليمان ” وعليه
فهو مجهول فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً

3- أبو موسى الأشعري

قال تمام في فوائده (494) ط مكتبة الرشد أخبرنا أبو الميمون بن راشد ثنا
أبو أسامة ثنا إسحاق ثنا نمير بن الوليد عن أبيه عن جده عن أبي موسى قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :” أكرموا الخبز فإن الله عز وجل سخر له بركات السماوات والأرض
والحديد والبقر وابن آدم “

قال ابن الجوزي في الموضوعات (5/12 ) ط دار أضواء السلف :” وهذا من
عمل عبد الله أيضاً ” يريد عبد الله بن محمد بن أسامة وهو وضاع كما بينه هو .

4- يزيد ( ولم أتبينه )

قال ابن الجوزي في الموضوعات (5/13) أنبأنا عبد الخالق بن عبد الصمد قال
أنبأنا ابن النقور ، أخبرنا المخلص حدثنا البغوي حدثنا أبو رَوح البلد قال حدثنا أبو
شهاب الحناط عن طلحة عن ثور عبد الله غريبٌ جداً وقال ابن يزيد عن أبيه قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :” أكرموا الخبز فإن الله أنزل له بركات من السماء وأخرج بركات
من الأرض “

وفي سنده طلحة الحضرمي وهو متروك وبه أعله ابن الجوزي

5- عبد الله بن أم حرام

روى الخطيب في تاريخ مدينة السلام ( بغداد ) (12/320) ط دار الكتب العلمية
من طريق غياث بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي قال سمعت :- عبد الله بن
أم حرام يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” أكرموا الخبز فإن الله سخر
لكم به بركات من السماء والأرض “

وغياث متهم بالكذب كما شرحه الخطيب في ترجمته

وقال العقيلي في الضعفاء (3/787) ط دار الصميعي في ترجمة عبد الملك بن
عبد الرحمن أبو العباس الشامي قال :” ومن حديثه ما حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا
المفضل بن غسان الغلابي قال حدثنا عبد الملك بن عبد الرحمن أبو العباس الشامي عن إبراهيم
بن أبي عبلة قال :- رأيت على ابن أم حرام كساء من خز ، وقد صلى مع النبي صلى الله عليه
وسلم القبلتين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” أكرموا الخبز فإن الله أكرمه
وأخرجه لكم من بركات السماء والأرض “

وعبد الملك متروك كما شرحه العقيلي

وقال العقيلي عقبه : قال الغَلابي: قال يَحيَى بن مَعِين: أَوَّل هَذا
الحَديث حَق وآخِرُه باطِلٌ.انتهى

6- أبو سكينة ( وفي صحبته خلاف )

قال الطبراني في الكبير (22/335) (840) ط دار احياء التراث العربي حدثنا
علي بن عبد العزيز ثنا خلف بن يحيى قاضي الري ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد بن عبد الله
عن أبي سكينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :- ” أكرموا الخبز فإن الله
أكرمه فمن أكرمه أكرمه الله “

قال محقق المعجم الكبير حمدي بن عبد المجيد :” خلف بن يحيى كذبه أبو
حاتم فالحديث موضوع “

7- عبد الله بن عباس

رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1320) من طريق إسحاق بن نجيح عن ابن جريج
عن عطاء عن ابن عباس .

وأعله ابن الجوزي بإسحاق بن نجيح وهو متروك معروف

8- موسى الطائفي مرسلاً ( وهو تابعي )

قال البخاري في التاريخ (8/12 ) :” 1967 : منهال بن عيسى العبدي سمع
معاناً أبو العباس الدارمي نا مسلم بن إبراهيم نا المنهال بن عيسى نا معان أبو صالح
حدثني موسى الطائفي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أكرموا الخبز فذكر الحديث

ومعان هذا ترجم له العقيلي في الضعفاء (4/1396) وقال :” حديثه غير
محفوظ ولا يتابع عليه ” وهذا جرحٌ شديد فقوله ( غير محفوظ ) يساوي ( منكر ) في
المعنى

وقال :” معان هذا يحدث عن الثقات بمناكير “

9- مكحول الشامي مرسلاً

قال السيوطي في كتاب الأطعمة من اللآليء المصنوعة :” وقال حميد بن
زنجويه في ترغيبه حدثنا أبو عاصم النبيل عن محمد بن راشد عن الفضل بن عطاء عن إبراهيم
ابن عبدالرحمن المديني عن مكحول قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أكرموا الخبز
فإن اللّه تعالى أنزل من بركات السماء وأخرج من بركات الأرض وإذا وضعت المائدة فأربعوا
ومن يأكل ما يسقط حول المائدة يغفر له “

أقول : الفضل بن عطاء مجهول ترجم له العقيلي في الضعفاء (3/1138)
:” إسناده مجهول فيه نظر ” وقد وصف الذهبي في الميزان خبره بالبطلان فهو
مجهول عين مستنكر الحديث فمثله شديد الضعف

ومراسيل مكحول من أوهى المراسيل

قال الذهبي في الموقظة : “ويوجد في المراسيل موضوعات.

نعم وإن صح الإسناد إلى تابعي متوسط الطبقة، كمراسيل مجاهد، وإبراهيم،
والشعبي، فهو مرسل جيد لا بأس به، يقبله قوم ويرده آخرون.

ومن أوهَى المراسيل عندهم مراسيل الحسن.

وأوهى من ذلك مراسيل الزهري وقتادة وحميد الطويل من صغار التابعين

وغالب المحققين يعدون مراسيل هؤلاء معضلات ومنقطعات؛ فإن غالب روايات هؤلاء
عن تابعي كبير، عن صحابي، قد ظنوا بمرسله أنه أسقط من إسناده اثنين “

قلت :إذن مراسيل مكحول عند المحققين معضلات فإنه من صغار التابعين بل طعنوا
في سماعه من جمع من التابعين

قال الجوزقاني في مقدمة الأباطيل والمناكير (( والمعضل عندنا أسوأ حالاً
من المنقطع ))

قلت : وذكر قبلها أن المنقطع أسوأ من المرسل

ولو كان المعضل مما يعتبر به لما كان لهذه المفاضلة وجه

والخلاصة

أن طرق هذا الحديث كثيرةٌ جداً ولذلك حسنه من حسنه بمجموع طرقه

وأما ابن الجوزي فحكم عليه بالوضع

وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة ص161 :” أسانيده لا تقوم بها حجة”

وما قاله الشوكاني أشبه والله أعلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم