الكلام على حديث : ( أكثر خطايا ابن آدم في لسانه )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الطبراني في الكبير  10446
: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عون بن سلام ثنا أبو بكر النهشلي عن الأعمش
[ عن أبي وائل ] عن عبد الله : أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال : يا لسان قل خيرا
تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه

قال ابن أبي حاتم في العلل :” 1796- وَسَأَلتُ أَبِي عَن حَدِيثٍ
؛ رَواهُ عَونُ بن سَلامٍ ، عَن أَبِي بَكرٍ النَّهشَلِيِّ ، عَنِ الأَعمَشِ ، عَن
أَبِي وائِلٍ ، عَن عَبدِ اللهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ،
قالَ : أَكثَرُ خَطايا بني آدَمَ فِي لِسانِهِ.

قالَ أَبِي : هَذا حَدِيثٌ باطِلٌ”

وقد يستغرب من لا يفهم دقة نظر النقاد هذا الحكم مع وثاقة رجال الإسناد

والحق أن استنكاره للحديث وجيه فإن الأعمش من الثقات الأثبات الذين يجمع
حديثهم .

 وأصحابه كثيرون جداً ففيهم سفيان
الثوري وشعبة وأبو معاوية وحفص بن غياث وغيرهم كثير ، وانفراد النهشلي من دون هؤلاء
عن الأعمش بحديث مرفوع وهو صدوق فقط محل نظر .

فأين بقية أصحاب الأعمش والمرفوعات العناية بها عظيمة ، وقد ذكرت عدداً
من أمثلة هذا في مقالي ( تحرير معنى المنكر عند أئمة النقد )

بل إن النهشلي هذا ليس له عن الأعمش إلا هذا الحديث فقط ، وقد أغرب على
أصحابه به

قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه :” فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ
لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلاَلَتِهِ ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ
لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَحَدِيثُهُمَا
عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا
حَدِيثَهُمَا عَلَى الاِتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ ، فَيَرْوِي عَنْهُمَا ،
أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِهِمَا ، وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ
، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ”

والأعمش أوسع رواية من الزهري ، فينطبق عليه الكلام من باب أولى ، فإذا
أضفنا إلى هذا أن سلسلة ( الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله ) سلسلة معروفة يتطلبها أهل
الحديث لقوتها ازادادت النكارة وضوحاً

ولهذا استغرب أبو نعيم صاحب الحلية هذا الحديث

فقال بعد إخراجه في الحلية (5/45) :” غريب من حديث الأعمش، تفرد به
أبو بكر النهشلي واسمه -عبد الله بن قطاف كوفي”

قال ابن رجب في شرح علل الترمذي :” قال المروذي سمعت أحمد يقول :
(( تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب ، ما أقل الفقه فيهم ؟! ))

ونقل محمد بن سهل بن عسكر عن أحمد قال : (( إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون
: هذا الحديث غريب أو فائدة ، فاعلم أنه خطأ أو دخل حديث في حديث ، أو خطأ من المحدث
، أو ليس له إسناد ، وإن كان قد روى شعبة ، وسفيان . وإذا سمعتم يقولون : لا شئ فاعلم
أنه حديث صحيح )) .

وقال أحمد بن يحيى سمعت أحمد غير مرة يقول : (( لا تكتبوا هذه الأحاديث
الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء )) “

وعليه فإن الحديث منكر أو باطل كما قال أبو حاتم ، وهو على شرط الوادعي
في كتابه ( أحاديث معلة ظاهرها الصحة ) ولم أجده فيه

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم