الكلام على أثر ندم عائشة على الخروج يوم الجمل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن أبي الدنيا في المتمنين 67 : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا أبو
معاوية ، حدثنا إسماعيل ، عن قيس ، قال : قالت عائشة رضي الله عنها :

 لوددت أني كنت ثكلت عشرة كلهم
مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأني لم أسر مسيري الذي سرت

أبو معاوية يضطرب في غير حديث الأعمش ، وقيس حققت في بحث خبر كلاب الحوأب
أنه لم يسمع عائشة فإنه يروي عنها بواسطة

قال أحمد في مسنده 24253 : حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 ” ادْعُوا لِي بَعضَ أَصْحَابِي
“، قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ ؟ قَالَ: ” لَا ” . قُلْتُ: عُمَرُ ؟ قَالَ:
” لَا ” . قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ ؟ قَالَ: ” لَا ” . قَالَتْ:
قُلْتُ: عُثْمَانُ ؟ قَالَ: ” نَعَمْ “، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: ” تَنَحَّيْ
” . فَجَعَلَ يُسَارُّهُ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ
الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تُقَاتِلُ ؟

 قَالَ: ” لَا، إِنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي
عَلَيْهِ

وأسقط بعضهم ذكر عائشة من السند ، ولكن الذين زادوه ثقات أثبات فهنا يحيى
القطان وفي مسند إسحاق بن راهوية أبو معاوية الضرير ، وفي مسند الحميدي (285) سفيان
بن عيينة

فإن قلت : ما الدليل على أن الأئمة يعتبرون مثل هذا علةً في السند

قلت لك : قال ابن أبي حاتم في المراسيل 318 _كتب إلي علي بن أبي طاهر حدثنا
أحمد بن محمد الأثرم قال قلت لأبي عبدالله أبو وائل سمع من عائشة قال ما أدري ربما
أدخل بينه وبينها مسروق في غير شيء وذكر حديث إذا أنفقت المرأة

فهنا توقف أحمد في سماع أبي وائل من عائشة مع أنه أدركها بل هو مخضرم شأنه
شأن قيس وأدرك فلما روى عنها بواسطة تشكك أحمد في سماعه منها

وقال ابن أبي حاتم في المراسيل 320: سمعت أبي يقول أبو وائل قد أدرك عليا
غير أن حبيب بن أبي ثابت روى عن أبي وائل عن أبي الهياج عن علي رضي الله عنه أن النبي
– صلى الله عليه وسلم – بعثه لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته

فتأمل كيف شكك في سماعه من علي مع أنه أدركه بسبب روايته عنه بواسطة

ولهذا قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/161) :” ولا يقال: اكتفى بالمعاصرة،
لأن محل ذلك أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين إذا كان النافي واسع الاطلاع
مثل ابن المديني، والله أعلم”

والإمام واسع الاطلاع إنما ينفي بأدلة وقرائن لا بالتشهي ، وقد بينت لك
القرينة التي يعتمدها الأئمة في نفي مثل هذا

وقال ابن أبي حاتم في المراسيل 606 :

كتب إلي علي بن أبي طاهر حدثنا أحمد بن محمد بن هانىء

 سمعت أبا عبدالله وذكر حديث خالد
بن الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها عن النبي – صلى الله عليه وسلم –
قال حولوا مقعدي إلى القبلة فقال مرسل

فقلت له عراك بن مالك قال سمعت عائشة رضي الله عنها

 فأنكره وقال عراك بن مالك من أين
سمع عائشة ماله ولعائشة إنما يروي عن عروة هذا خطأ

 قال لي من روى هذا قلت حماد بن
مسلمة عن خالد الحذاء فقال رواه غير واحد عن خالد الحذاء ليس فيه سمعت وقال غير واحد
أيضا عن حماد بن مسلمة ليس فيه سمعت

فاستدل أحمد على عدم سماعه منها بروايته عنها بواسطة

وقال الحاكم في المستدرك 4673 : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ ،
الْعَدْلُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ، أَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ (هِشَامٍ ، وَ) قَيْسِ [بْنِ أَبِي حَازِمٍ]،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ” وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ ثَكِلْتُ عَشْرَةً مِثْلَ الْحَارِثِ
بْنِ هِشَامٍ ، وَأَنِّي لَمْ أَسِرْ مَسِيرِي مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ “

وهذا الخبر من غرائب المستدرك ، فإن إسماعيل لا يعرف بالرواية عن رجل اسمه
( هشام )

وخالفهم يعلى بن عبيد

قال ابن أبي شيبة في المصنف 38966- حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ،
قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ
، قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : لأَنْ أَكُونَ جَلَسْت عَنْ مَسِيرِي كَانَ أَحَبَّ
إلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي عَشَرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ
وَلَدِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ.

وهذا أصح لأن إسماعيل عن قيس جادة وهذا ليس بجادة وعلي بن عمرو مجهول

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد :” وعن محمد بن قيس قال ذكر لعائشة
يوم الجمل قالت والناس يقولون يوم الجمل قالوا نعم قالت وددت أني كنت جلست كما جلس
أصحابي وكان أحب إلى أن أكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة كلهم مثل
عبد الرحمن الحارث بن هشام ومثل عبد الله بن الزبير. رواه الطبراني وفيه أبو معشر نجيح
وهو ضعيف يكتب حديثه، وبقية رجاله ثقات”

ومحمد بن قيس ليس تابعياً أصلاً فالخبر منقطع أو معضل ولفظه يختلف عن لفظ
الأثر السابق فلا يشهد له ويحتمل أن يكون الساقط ذلك المجهول ، وأبو معشر اختلط ففحش
اختلاطه فروى أباطيل

وورد عنها خبر آخر في الندم ، بلفظ آخر

قال ابن أبي شيبة في المصنف 38973- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ جَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قالَتْ عَائِشَةُ
: وَدِدْت أَنِّي كُنْت غُصْنًا رَطْبًا وَلَمْ أَسِرْ مَسِيرِي هَذَا.

قال البوصيري في”مصباح الزجاجة” وكذا الحافظ في “تهذيب
التهذيب” : قال ابن حزم في “المحلى” : لم يسمع عبدالله بن عبيدالله
بن عمير من عائشة.اهـ

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 425) : أنبأنا أبو محمد عبد الله بن
علي بن عبد الله بن الآبنوسي أنا أبو بكر محمد بن عبد الملك بن بشران أنا أبو الحسن
الدارقطني نا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان نا على بن سيف بن
عميرة حدثنا أبي نا الحارث بن المغيرة البصري عن الورد بن زيد قال كنت عند أبي جعفر
فدخل عليه محمد بن مسلم الزهري فجعلا يتذاكران إلى ان ذكر الزهري عائشة فقال كانت تقول
ما كان بيني وبين علي إلا كما يكون بين الأحماء فقال أبو جعفر أفلا تذكر ما كان في
حديث الإفك فقال الزهري إنها كانت تذكره ثم قال الزهري حدثني عروة أن عائشة كانت تقول
إذا ذكرت حديث الإفك وذكرت عليا إنه لم يحسن في أمري وقد أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن
بن الحارث بن هشام أنها كانت تقول والله لوددت أني لم أسر مسيري الذي سرت وأن لي عشرة
أولاد من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثكلتهم كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن
هشام فجعل أبو جعفر يتبسم ثم تفاوضا حديث الناس مليا

وهذا باطل في سنده أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة حافظ رافضي كذاب ، وعلي
بن سيف مجهول ووالده يغرب والحارث من رواة الرافضة ، والورد مجهول فانفراد أمثال هؤلاء
عن الزهري بلفظ منكر ، وحديث الإفك ومخرج في الصحيح وليس فيه تلك اللفظة

فعليه فالخبر لا يصح من جميع طرقه وألفاظه على اختلافها

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم