قال الشهرستاني الأشعري في كتابه الملل
والنحل ص104 :” فأما أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وجماعة من أئمة
السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث مثل: مالك بن أنس،
ومقاتل بن سليمان، وسلكوا طريق السلامة فقالوا: نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة،
ولا نتعرض للتأويل بعد أن علم قطعا أن الله عز وجل لا يشبه شيئا من المخلوقات، وأن
كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقدره. وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية أن
قالوا: من حرك يده عند قراءة قوله تعالى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 3 أو أشار بأصبعيه
عند روايته: “قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن”
هذا الفصل على اختصاره يبين عظيم جهل هذا
الرجل بالسلف وطريقتهم وإنما كان عالماً بأحوال الفلاسفة فهو من أحسن من تكلم عنهم
وفصل أحوالهم على الحكاية لا على التقويم وبيان جهله في هذه الفقرة من وجوه
أولها : دعواه أن المذكورين يحرمون
الإشارة الحسية عند ذكر أخبار الصفات بل يقضون على اليد بالقطع وهذا كذب ولم ينقله
عنهم أحد يعتد به
وكيف يقولونه وقد ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم
قال أبو داود في سننه 4728 – حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيُّ الْمَعْنَى، قَالَا:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ
يَعْنِي ابْنَ عِمْرَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ
مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ
الْآيَةَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا} [النساء: 58] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:
58] قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ
إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ»، قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ»، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ الْمُقْرِئُ:
يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ»
وتأمل قول أبي داود ( وهذا رد على الجهمية
) وما يتضمن من الرد على الجهمي الشهرستاني، وعلى فتيا الشهرستاني تقطع يد النبي صلى الله عليه وسلم ! والله المستعان
وقال مسلم في صحيحه 25 – (2788)
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ،
أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يَأْخُذُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ – وَيَقْبِضُ
أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا – أَنَا الْمَلِكُ ” حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى
الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ:
أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وحصل من فعل السلف
قال عبد الله بن أحمد في السنة 500 –
حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، نا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، نا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، نا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” فِي قَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف:
143] قَالَ: قَالَ: «هَكَذَا، يَعْنِي أَخْرَجَ طَرَفَ الْخِنْصَرِ» قَالَ أَبِي:
أَرَناهُ مُعَاذٌ فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا يَا
أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَنْ
أَنْتَ يَا حُمَيْدُ وَمَا أَنْتَ يَا حُمَيْدُ؟ حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ أَنْتَ مَا
تُرِيدُ إِلَيْهِ؟ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ مُعَاذًا
يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ حَبَسَهُ شَهْرَيْنِ يَعْنِي لِحُمَيْدٍ
وقال عبد الله في السنة 489 – سَمِعْتُ
أَبِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، بِحَدِيثِ سُفْيَانَ عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ اللَّهَ
يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ» قَالَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ: جَعَلَ
يَحْيَى يُشِيرُ بِأَصَابِعِهِ وَأَرَانِي أَبِي كَيْفَ جَعَلَ يُشِيرُ
بِأُصْبُعِهِ يَضَعُ أُصْبُعًا أُصْبُعًا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا.
فيحيى القطان إمام أهل الحديث يشير
الإشارة الحسية المثبتة
وينقل ذلك الإمام أحمد مقراً وهذا يبين
كذب الشهرستاني الجهمي
وقال ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة
:” وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ” «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ
اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ
يَمِينٌ» ” فَلَا يُقَالُ هَذَا يَدُ النِّعْمَةِ وَالْقُدْرَةِ، وَقَوْلِهِ:
” «يَقْبِضُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ بِيَدِهِ وَالْأَرْضَ بِالْيَدِ الْأُخْرَى
ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ» “، فَهُنَا هَزٌّ
وَقَبْضٌ وَذِكْرُ يَدَيْنِ، وَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَقْبِضُ يَدَيْهِ وَيَبْسُطُهَا تَحْقِيقًا
لِلصِّفَةِ لَا تَشْبِيهًا لَهَا كَمَا قَرَأَ: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا
بَصِيرًا} [النساء: 134] وَوَضَعَ يَدَيْهِ”
والأمر كما قال ابن القيم فهذه الإشارات
تحقيق لحقيقة الصفة مع كون صفات الله لا تشبه صفات المخلوقين
ولو تأمل هذا من ظنوا أن حديث ( خلق الله
آدم على صورته ) يفيد التشبيه لكفوا عن هذا الظن الفاسد
وأعني بهذا الكلام الألباني
حيث جاء في موسوعته في العقيدة (7/801)
:” هذا حديث نبع من بلادكم، وانتشر إلينا، لكنه هو حديث لا يصح مهما حاول
الشيخ أن يقويه، فتقوية الحديث الضعيف ليس من تخصص الشيخ، فهو اعتدى على التخصص
لَمَّا صحح هذا الحديث وبخاصة أنه يثير الإشكالات والشبهات الكثيرة عند عامة
المسلمين، فلو أنه أبقى الحديث على الرواية الصحيحة: «إن الله خلق آدم على صورته»
[فلا] يعتمد على الرواية الأخرى التي تثير الإشكالات العديدة والكبيرة، منها تشبيه
الرحمن بالإنسان فلا يروي هذا الحديث ولا يدندن حوله، وإنما يكتفي بالحديث الصحيح:
«إن الله خلق آدم على صورته» ثم بعد ذلك يفسره كل مفسر حسب ما يترجح لديه”
والله المستعان ما كان أئمة السلف كأحمد
وإسحاق وغيرهم مشبهة وقد نقل ابن تيمية اتفاقهم على القول بحديث ( إن الله خلق آدم
على صورة الرحمن )
والبشر له وجه وسمع وبصر والله عز وجل له
سمع ووجه وبصر لا كمثل المخلوقات ( فهذا معنى الخبر ) ومن توهم من هذا التشبيه
فليتوهم التشبيه من كون البشر حياً والله عز وجل حي
ومثل هذه الإشارة الحسية ما جاء في حديث
جابر عند أحمد:” ولا تكون حتى تقوم الساعة – أكبر من فتنة الدجال ، ولا من
نبي إلا حذر أمته ، ولأخبرتكم بشيء ما أخبره نبي قبلي . ثم وضع يده على عينه ، ثم
قال : أشهد أن الله عز وجل ليس بأعور “
وليس عجيباً على القوم الكذب على السلف
فقد كذب إمامهم الأشعري على السلف في
رسالته إلى أهل الثغر ومقالات الإسلاميين ونسب عقيدة الجبرية في أن القدرة لا بد
أن تقارن الفعل للسلف ونسب إليهم تأويل الغضب والرضا وبدع أخرى ما تكلم بها السلف
وقد كذب ابن عساكر على السلف حين زعم أنهم لم يحرموا علم الكلام مطلقاً
وحرف هو والبيهقي كلام الشافعي في حفص الفرد
قال ابن تيمية في النبوات :” من الناس من ظن أن السلف أنكروا كلام القدرية فقط
ولكنّ لفظ الكلام لمّا كان مجملاً، لم يعرف كثيرٌ من الناس الفرق بين الكلام الذي ذموه، وغيره؛ فمن الناس من يظن أنّهم إنّما أنكروا كلام القدرية فقط؛ كما ذكره البيهقي وابن عساكر في تفسير كلام الشافعيّ، ونحوه؛ ليُخرجوا أصحابهم عن الذمّ، وليس كذلك؛ بل الشافعي أنكر كلام الجهمية؛ كلام حفص الفرد، وأمثاله، وهؤلاء كانت منازعتهم في الصفات، والقرآن، والرؤية، لا في القدر. وكذلك أحمد بن حنبل خصومه من أهل الكلام هم الجهمية الذين ناظروه في القرآن؛ مثل أبي عيسى محمد بن عيسى برغوث؛ صاحب حسين النّجّار، وأمثاله. ولم يكونوا قدريّة، ولا كان النزاع في مسائل القدر. ولهذا يُصرّح أحمد، وأمثاله من السلف بذمّ الجهميّة، بل يكفرونهم أعظم من سائر الطوائف”
وهنا ابن تيمية ينزل تكفير الشافعي لحفص على الأشعرية أصحاب البيهقي وابن عساكر
بل حتى إمامهم الأشعري يغلطون عليه في مقالاته
قال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري :” وَذكر الشَّيْخ الإِمَام ركن الدّين أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيّ رَحمَه اللَّه فِي آخر كتاب صنفه وَسَماهُ عقيدة أَصْحَاب الإِمَام المطلبي الشَّافِعِي رَحمَه اللَّه وكافة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَقَالَ ونعتقد أَن الْمُصِيب من الْمُجْتَهدين فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَاحِد وَيجب التَّعْيِين فِي الْأُصُول فاما الْفُرُوع فَرُبمَا يَتَأَتَّى التَّعْيِين وَرُبمَا لَا يَتَأَتَّى وَمذهب الشَّيْخ أَبِي الْحسن رَحمَه اللَّه تصويب الْمُجْتَهدين فِي الْفُرُوع وَلَيْسَ ذَلِك مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأَبُو الْحَسَنِ أحد أَصْحَاب الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فَإِذا خَالفه فِي شَيْء أعرضنَا عَنهُ فِيهِ وَمن هَذَا الْقَبِيل قَوْله أَن لَا صِيغَة لِلْأَمْرِ وتقل وتعز مُخَالفَته أصُول الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ونصوصه وَرُبمَا نسب المبتدعون إِلَيْهِ أَنه يَقُول لَيْسَ فِي الْمُصحف قُرْآن وَلَا فِي الْقَبْر نَبِي وَكَذَلِكَ الاستثنَاء فِي الْإِيمَان وَنفى قدرَة الْخلق فِي الْأَزَل وتكفير الْعَوام وَإِيجَاب علم الدَّلِيل عَلَيْهِم وَقد تصفحت مَا تصفحت من كتبه وتأملت نصوصه فِي هَذِهِ الْمسَائِل فَوَجَدتهَا كلهَا خلاف مَا نسب إِلَيْهِ وَلَا عجب إِن اعْترضُوا عَلَيْهِ واخترصوا فَإِنَّهُ رَحمَه اللَّه فاضح الْقَدَرِيَّة وَعَامة المبتدعة وَكَاشف عَوْرَاتهمْ وَلَا خير فِيمَن لَا يعرف حاسده”
الاستثناء في الإيمان الذي يبرئونه منه هو قوله وقول أصحابه إلى اليوم
والقول بكفر المقلد نسبه إليه أبو جعفر السمناني
قال ابن حجر في شرح البخاري (1/71) :” وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ وَاجِب فَقِيلَ الْمَعْرِفَةُ وَقِيلَ النَّظَرُ وَقَالَ الْمُقْتَرِحُ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ خِطَابًا وَمَقْصُودًا الْمَعْرِفَةُ وَأَوَّلُ وَاجِبٍ اشْتِغَالًا وَأَدَاءً الْقَصْدُ إِلَى النَّظَرِ وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ كَبِيرٌ وَمُنَازَعَةٌ طَوِيلَةٌ حَتَّى نَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِي نَقِيضِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِإِطْبَاقِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى قَبُولِ الْإِسْلَامَ مِمَّنْ دَخَلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَنْقِيبٍ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْ دِينِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ فَرُجُوعُهُمْ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى ظُهُورِ الْحَقِّ لَهُمْ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْمَذْكُورَةَ يُكْتَفَى فِيهَا بِأَدْنَى نَظَرٍ بِخِلَافِ مَا قَرَّرُوهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا وَحَدِيثُ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفطْرَة ظَاهر أَن فِي دَفْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَصْلِهَا وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِهَذَا فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ نَقَلَ الْقُدْوَةُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيِّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُعْتَزِلَةِ بَقِيَتْ فِي الْمَذْهَبِ”
وأما قولهم ليس في المصحف قرآن ، فالقرآن غير المخلوق لا تقولون أنه في الأرض وما أيدينا مخلوق هذا مذهبكم
والقول بأنه ليس في القبر نبي فهذا مقتضى المذهب القائل بأن العرض لا يدوم زمانين وقد صرح ابن فورك الذي رفعه ابن عساكر إلى السماء ( أعني القول بأن النبي لم يعد نبياً اليوم )
الوجه الثاني : أن الشهرستاني يخلط خلطاً
عجيباً فيذكر داود الظاهري مع أحمد ، وأحمد كان يبدع داود الظاهري
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى
(6/161) :” لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَحْمَدَ إنْكَارُ ذَلِكَ وَقَدْ
يُحْتَجُّ بِهِ لِأَحَدِ قَوْلَيْ أَصْحَابِنَا. قَالَ المروذي قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ: مِنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الأصبهاني؟ – لَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ
جَاءَنِي كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ دَاوُد
الأصبهاني قَالَ: كَذِبًا: إنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ
الْخَلَّالُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي ” كِتَابِ السُّنَّةِ ” وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: اسْتَأْذَنَ ” دَاوُد ” عَلَى أَبِي
فَقَالَ: مَنْ هَذَا. دَاوُد؟ لَا جَبَرَ وُدُّ اللَّهِ قَلْبَهُ وَدَوَّدَ
اللَّهُ قَبْرَهُ فَمَاتَ مُدَوَّدًا”
وقريب من الشهرستاني الكلاباذي صاحب
التعرف على مذاهب أهل التصوف حين قرن أحمد بالكرابيسي ونسب لعامة الصوفية اعتقاد
ابن كلاب ، وقد أدخل فيهم جعفر الصادق وسفيان الثوري والفضيل وهؤلاء من أبعد ما
يكون عن الكلام وكثير من الثرثرة التي ذكرها
والشهرستاني صاحب تخليط شديد في ذكر مذاهب
الناس وقد نبه على هذا ابن تيمية رحمه الله
قال الشهرستاني في الملل والنحل :”
تتمة رجال المرجئة كما نقل:
الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، وسعيد
بن جبير، وطلق بن حبيب، وعمرو بن مرة، ومحارب بن زياد، ومقاتل بن سليمان، وذر،
وعمرو بن ذر، وحماد بن أبي سليمان، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وقديد
بن جعفر.
وهؤلاء كلهم أئمة الحديث”
وسعيد بن جبير لا أدري كيف يذكر في
المرجئة ! وقد اشتهر عنه التحذير منهم
قال عبد الله في السنة 616 – حَدَّثَنِي
أَبِي، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «مَثَلُ
الْمُرْجِئَةِ مَثَلُ الصَّابِئِينَ»
وقال أيضاً 621 – حَدَّثَنِي أَبِي، نا
إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ غَيْرُ
سَائِلِهِ وَلَا ذَاكِرًا ذَاكَ لَهُ: «لَا تُجَالِسْ طَلْقًا يَعْنِي أَنَّهُ
كَانَ يَرَى رَأْيَ الْمُرْجِئَةِ»
وأبو حنيفة وأبو يوسف والشيباني من أهل
الرأي وليسوا من أئمة الحديث
وقد نسب الشهرستاني أبا حنيفة للتشيع وهذا
غلط
وقال الشهرستاني في الملل :” فمن
الزيدية: أبو خالد الواسطي، ومنصور بن الأسود، وهارون بن سعد العجلي.
“جارودية”:
ووكيع بن الجراح. ويحيى بن آدم، وعبيد
الله بن موسى، وعلي بن صالح، والفضل ابن دكين، وأبو حنيفة.
“بترية”:
وخرج محمد بن عجلان مع محمد الإمام:
وخرج إبراهيم بن سعيد، وعباد بن عوام،
ويزيد بن هارون، والعلاء بن راشد، وهشيم بن بشير، والعوام بن حوشب، ومستلم بن سعيد
مع إبراهيم الإمام”
وهذا تخليط عجيب فينسب وكيعاً إلى
الجارودية الذين يطعنون في الشيخين ونزه الله وكيعاً عن هذا وإنما كان فيه شيء من
الانحراف عن عثمان
والفضل بن دكين على تشيعه يقول ( ما كتبت
علي الحفظة أني سببت معاوية ) وهذا ينسبه للجارودية
ويحيى بن آدم وهشيم لم أرَ من ينسبهم
للتشيع
ونسبته يزيد بن هارون للخروج كذب وإنما
يعتمد الشهرستاني كتب الرافضة وفيها كذب كثير وكذا عباد بن عباد ويزيد بن هارون
إنما كان يتوقف في علي وعثمان
بل نسب شعبة أيضاً للتشيع وهذا كذب
وما ذكره عن العوام بن حوشب كذب أيضاً
والله المستعان ولعل كل ما ذكره كذب
وقال الشهرستاني :” ومن الإمامية
وسائر أصناف الشيعة: سالم بن أبي الجعد، وسالم بن أبي حفصة، وسلمة بن كهيل، وثوير
بن أبي فاختة، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو المقدام، وشعبة، والأعمش، وجابر الجعفي،
وأبو عبد الله الجدلي، وأبو إسحاق السبيعي، والمغيرة، وطاووس والشعبي، وعلقمة،
وهيبيرة بن بريم، وحبة العرني، والحارث الأعور”
عامة ما ذكره كذب هنا ونزه الله هؤلاء _
عدا الجعفي _ عن قول الإمامية ، وجابر الظاهر أنه لا يفضل علياً على الشيخين
واعجب من ذكره للشعبي مع الشيعة على كثرة
ذمه للشيعة مما يقارن قبح ما ذكره عن سعيد بن جبير
قال عبد الله بن أحمد في السنة 1282 :
حدثني أبي نا أبو معاوية نا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن علقمة قال :
غلت الشيعة في علي رضي الله عنه كما غلت
النصارى في عيسى بن مريم عليه السلام .
قال وكان الشعبي يقول لقد بغضوا إلينا
حديث علي رضي الله عنه
قال ابن سعد في ترجمة الشعبي من الطبقات
(6/ 124) :” وكان له ديوان وكان يغزو عليه وكان شيعيا فرأى منهم أمورا وسمع
كلامهم وإفراطهم فترك رأيهم وكان يعيبهم قال أخبرنا أبو معاوية الضرير قال حدثنا
مالك بن مغول عن الشعبي قال لو كانت الشيعة من الطير كانوا رخما ولو كانوا من
الدواب كانوا حميرا”
قال ابن تيمية في منهاج السنة :”
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ مِنْ أَشَدِّ الْمُتَعَصِّبِينَ
عَلَى الْإِمَامِيَّةِ)) .
فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَمِيلُ كَثِيرًا
إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِهِمْ، بَلْ يَذْكُرُ أَحْيَانًا أَشْيَاءً مِنْ
كَلَامِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ مِنْهُمْ وَيُوَجِّهُهُ. وَلِهَذَا
اتَّهَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّهُ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ مَنِ اتَّهَمَهُ شَوَاهِدَ مِنْ
كَلَامِهِ وَسِيرَتِهِ. وَقَدْ يُقال: هُوَ مَعَ الشِّيعَةِ بِوَجْهٍ، وَمَعَ
أَصْحَابِ الأشعري بوجه”
الوجه الثالث : ذكره لمقاتل بن سليمان مع
أئمة السلف ! مع ذكره له بعد ذلك مع المشبهة !
ومن فرط تجهم الشهرستاني حين ذكر تشبيه
بعض فرق اليهود لم يذكر إلا الأمور الثابتة في الكتاب والسنة
قال الشهرستاني في الملل :” وأما
التشبيه فلأنهم وجدوا التوراة ملئت من المتشابهات مثل الصورة، والمشافهة، والتكليم
جهراً، والنزول على طور سينا انتقالاً، والاستواء على العرش استقراراً، وجواز
الرؤية فوقاً وغير ذلك”
وترك نسبة الله للتعب والتصريح بالتشبيه
في قولهم في آدم ( كشبهي ) ونسبة الندم والبكاء والبداء ، وجاء بأمور بعضها ثابت
وبعضها له
وهذا شرح لمقولة ابن تيمية في الشهرستاني
ونقوله عن الفرق
قال ابن تيمية في الرد على المنطقيين
:” أو يفعلون كما فعله الشهرستاني في الملل والنحل حيث اخذ يذكر المفاضلة بين
الأرواح العلوية وبين الأنبياء ويجعل إثبات هذه وسائط أولى من تلك تفضيلا لأقوال
الحنفاء على أقوال الصابئة وهذا غلط عظيم.
فان الحنفاء لا يثبتون بين الله وبين
مخلوقاته واسطة في عبادته وسؤاله وإنما يثبتون الوسائط في تبليغ رسالاته فأصل
الحنفاء شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا وغيره من الرسل رسل الله.”
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم