القوة الناعمة للأنمي الياباني
بمناسبة استضافة مؤلف سلسلة (ون بيس) في معرض الكتاب في الرياض أود الحديث عن هذا الأمر من خلال التعليق على مقال أكاديمي للباحث Tze-Yue G.Hu بعنوان:
[The Economies of Anime
Anime as a soft power, a cultural product, and a (trans)national medium]
[اقتصاديات الأنمي
الأنمي كقوة ناعمة، منتج ثقافي، وسط وطني عابر للحدود]
يتكلم فيه عن الأنمي الياباني وقوته الناعمة (وسيأتي شرح معنى القوة الناعمة).
ولكن قبل أن أذكر مقتطفات من مقاله وأعلق عليه أريد ذكر تجربتي الشخصية عند دراستي لأحوال الشباب المحبين للأنمي.
الأمر لا يقتصر على متابعة ألف حلقة من مسلسل ون بيس مثلًا، بل يمتد إلى متابعة التحليلات التي تلي كل حلقة والانطباعات المباشرة التي تتزامن مع نشرها.
ثم جلسات التقييم التي تقيِّم أداء الأستوديو العارض للعمل من ناحية الرسم والتحريك وغيرها.
وقد وجدت شبابًا يحسنون اللغة اليابانية وما حمَلَهم على تعلمها إلا حب الأنمي (وما جاءني في حياتي شخص يريد تعلم اليابانية من أجل الدعوة إلا مرة واحدة)، ووجدت منهم من يتطوعون لترجمة الحلقات ويسهرون على ذلك الليالي دون أن يحصِّلوا أي أجر.
وبعد ذلك ترى المقتطفات المؤثرة وحديثَ كل شخص منهم عن أكثر شخصية أثرت فيه وعما يتمناه من الكاتب وعن أكثر مشهد أثر فيه وغير ذلك.
والأمر ليس مصدر دخل للعديد منهم، بل هو شغف، حتى إن كثيرًا منهم قنواتهم صغيرة وحساباتهم صغيرة، ربما يرجون أن تكبر مستقبلًا، ولكنني رأيت منهم جلَدًا كنت أتمنى أن أراه في عامة طلبة العلم.
ورأيتهم يخوضون النقاشات مع بعضهم البعض، وعند عدد منهم مهارة تفكيك المغالطات التي في كلام الخصم!
كل هذه أعمار مهدرة في هذه الأعمال، مع المخالفات الشرعية، فحتى الذكي منهم يكرِّس ذكاءه في هذا، وأظن أن الأمر له دخل بالهروب من الواقع أو صنع شيء بعيدًا عن إملاء الوالدين (وهذا باب يحتاج وقتًا لشرحه).
والآن نشرع في المقصود.
يصف الباحث Tze-Yue G.Hu الرسوم المتحركة بأنها “واحدة من أكثر الحلي المتبلورة معاصرة في اليابان المتنامية باستمرار” ويقارن الأنمي بشكل عام بأحد نظرائه الأمريكيين، أستوديوهات والت ديزني. وفقًا له، تعتمد ديزني على التراث الأوروبي للإلهام الأدبي والتمثيل الجرافيكي، في حين أن اليابانيين غالبًا ما يستلهمون الشنتوية والرموز الشعبية اليابانية الأصلية والأنظمة الشعبية والمعتقدات والعادات والأفكار والممارسات اليابانية. تعتبر الرسوم المتحركة مرنة مثل أي وسيلة فنية أخرى في اليابان. يمكن العثور على جميع الأنواع الممكنة داخل الرسوم المتحركة، مما يجعلها جذابة لجميع الفئات العمرية.
يتمثل جزء من استراتيجية اليابان في تحفيز القوة الناعمة لليابان من أجل النمو الاقتصادي، وبالتالي فقد شكلت الحكومة “صندوق اليابان البارد” وتحاول تحفيز السلع الثقافية اليابانية ماليًّا كقوة اقتصادية ناعمة حيث تلعب صناعة الرسوم المتحركة دورًا مهمًا.
أقول: ثم شَرَح كيف أن ألعاب الفيديو والأنمي روَّجت للمنتجات الثقافية اليابانية مما من شأنه أن يدعم السياحة وشراء هذه المنتجات، فعاد الأمر إلى أهداف اقتصادية في عالم رأسمالي.
ثم يقول الكاتب: “عند مناقشة الهوية الوطنية لليابان، يعتبر الدين جزءًا من الهوية اليابانية التي تبرز بمعنى أعمق بكثير مما اعتدنا عليه في العالم الغربي. يمكن العثور على الدين في جميع أنحاء البلاد (على سبيل المثال في الاحتفالات والتقاليد، المناظر الطبيعية والمباني). نظرًا لأن هذه الأطروحة تركز على الهوية الوطنية و”اقتصاديات” الأنمي وبالتالي الهوية الوطنية لليابان، فمن المهم أيضًا شرح تصوير الدين في إنتاجات الأنمي لفهم هذا الموضوع تمامًا. لذلك، اخترت أيضًا استكشاف أعمال Studio Ghibli كمثال للأفلام التي تُصَوَّر فيها الشنتوية والعالم الياباني “الخارق” والبيئة كجزء من القومية. ثانيًا، كما ذكرت سابقًا في هذا الفصل، عندما تكون الأفلام وطنية للغاية في تمثيلها للتقاليد والثقافة، قد لا يفهمها المتفرجون دائمًا بشكل كامل. في الفقرات التالية، أشرح السياق والمعنى الأعمق لبعض أفلام Studio Ghibli المختارة كمثال لأنمي حيث الدين -كجزء من الهوية الوطنية اليابانية- متأصل بعمق في الأفلام.
المعتقدات الثلاثة الرئيسية في اليابان هي فلسفة الشنتو والبوذية والفلسفة الكونفوشيوسية اليابانية. الشينتو (“طريق الآلهة”) هي ديانة يابانية متأصلة بعمق في الثقافة اليابانية وهي موجودة منذ 2000 عام على الأقل”.
أقول: هذا من أعظم مفاسد متابعة هذه الأشياء، أن يسمع المرء آيات الله يُكفَر بها ويُستهزَأ بها ويعتاد على ذلك. ربما نجد مناعةً عظيمةً نحن الذين ما جاءتنا هذه المنتجات الثقافية إلا متأخرًا، ولكن ماذا عن الشاب اليافع الذي يتكوَّن عقله الآن؟ لا نتوقع منهم أن يتحولوا إلى البوذية، وإن لم يكن خيارًا مستحيلًا، ولكن نتوقع أن تتأثر نظرتهم وقراءتهم للإسلام بهذه المعطيات.
وتقول الكاتبة سوزان جاي نابير (Susan J. Napier) في مقال بعنوان:
[ANIME from Akira to Princess Mononoke Experiencing Contemporary Japanese Animation]:
“… يشكل مسرح الآلهة (ماتسوري) أساس الثقافة الشعبية في اليابان. استمر هذا الجانب البدائي، الفاحش والعنيف في كثير من الأحيان، من الثقافة اليابانية حتى يومنا هذا، على الرغم من الرفضِ المتكرر لمظاهره المبتذلة الجنسية وإضافةِ أشكال أكثر جديَّة ومغايرة.
على الرغم من أن الأنمي يمكن أن يكون له جانبه “الجادّ” أيضًا، إلا أن من المؤكد أن العديد من الأعمال تعبِّر بقوة عن روح المهرجان بالدعابة الجافة، والمبالغة الساخرة، والهزل، والمحتوى الجنسي، والموضوعات العنيفة”.
أقول: بعد هذا الاستعراض أود أن أُذكِّركم بحديث بعض الناس عن القوم الذين صعدوا للقمر ونحن لا زلنا نقرأ في كتب الحديث، أحسب أن القراءة في كتب الحديث أنفع من متابعة آلاف الحلقات من الأنمي الياباني.
وأذكِّركم أيضًا بحديث بعض الناس عن أن تدريس القرآن للأطفال لا يناسبهم، فهل يناسبهم متابعة الأساطير اليابانية عن الآلهة مع ما فيها من فحش ومبالغات بشعة ومحتوى جنسي بالغ القذارة؟!
الاجتهاد في هذا الأمر دوافعه اقتصادية في بلد خياراته الاقتصادية ليست واسعة في ظل التضييق الأمريكي، احتفاؤك بالأمر مجرد خدمة مجانية لهم، هذا بالنسبة لمن يحتفي بكُتَّاب الأنمي من المسؤولين، أما بالنسبة للشباب الذين حَكَيْتُ أحوالهم في أول المقال فأقول لهم: هذه ساعات عمرك أغلى ما تملك، ما ذهب منها لا يعود، فأنفقها حيث شئت ولكن اعلم أن الحساب قريب.
وهؤلاء القوم هم أحوج إليكم منكم إليهم، أنتم معكم التوحيد النقي وهم معهم الأساطير القذرة، فبدلًا من أن تسعوا لوصول الهدى إليهم يكون كل همكم نشر بلاياهم!
فإن ابتُليت فلا أقلَّ من أن تُسخِّر معرفتك بلغتهم وثقافتهم في دعوتهم، عسى الله أن يغفر لك، ولا بد من التوبة.
قال تعالى: {وقد نَزَّلَ عليكم في الكتاب أنْ إذا سمعتم آيات الله يُكفَر بها ويُستهزَأ بها فلا تَقْعُدُوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيرِه إنكم إذًا مثلُهُم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا} [النساء]
وإنني لأُشفِق على أصحاب الترشيحات لأعمال الأنمي، فهؤلاء يلحقهم من السيئات الجارية ما الله به عليم.
فالبدار إلى التوبة البدار.