الفرق بين الرواية عن أهل البدع في زمن السلف والإجازات المعاصرة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد لاحظت أن بعض الفضلاء يأخذ الإجازات عن بعض من لم يعرف بالسلفية ،
وإذا ذكر إجازاته اعتد بإجازة هذا المبتدع

ولعل إخواننا هؤلاء يتأولون رواية بعض السلف عن أهل البدع ، وفي هذا القياس
نظر

فلو سلمنا جدلاً أن الرواية عن أهل البدع في زمن الرواية كالإجازة اليوم
فإن الرواية آنذاك لم تكن عن أهل البدع على إطلاقها بل كانت مشروطة بشروط

أهمها ألا يكون هذا المبتدع داعية إلى بدعته

قال الخطيب في الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع 294 – أخبرنا محمد بن
الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، ثنا يعقوب بن سفيان ،
ثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثني معن بن عيسى ، قال : كان مالك بن أنس يقول : « لا تأخذ
العلم من أربعة ، وخذ ممن سوى ذلك ، لا تأخذ من سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس
، ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس ، إذا جرب ذلك عليه ، وإن كان لا يتهم أن
يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ، ولا
من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث »

وهذا إسناد صحيح ، وهنا ينص مالك على أنه لا يؤخذ عن صاحب البدعة إذا كان
داعية وهذا يشمل ما إذا كان ثقة أو غير ذلك

وقال ابن عدي في الكامل (5/71) : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِصْمَةَ، حَدَّثَنا
أَحْمَد بْن أَبِي يَحْيى سَمِعْتُ أحمد بن حنبل وذكر شبابة فقال تركته لم أرو عنه
للإرجاء فقيل له يا أبا عَبد الله وأبا معاوية قال شبابة كان داعية.

فهنا نص من أحمد على أنه لا يكتب حديث الداعية

وقال ابن رجب شرح علل الترمذي ص 363:” والمانعون من الرواية لهم مأخذان:

أحدهما: تكفير أهل الأهواء أو تفسقيهم، وفيه خلاف مشهور.

والثاني: الإهانة لهم والهجران والعقوبة بترك الرواية عنه، وإن لم نحكم
بكفرهم أو فسقهم.

ولهم مأخذ ثالث: وهو أن الهوى والبدعة لا يؤمن معه الكذب، ولاسيما إذا
كانت الرواية مما تعضد هوى الراوي “

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/ 386) :” وهذا مذهب فقهاء
أهل الحديث كأحمد وغيره ان من كان داعية الى بدعة فإنه يستحق العقوبة لدفع ضرره عن
الناس وإن كان فى الباطن مجتهدا وأقل عقوبته أن يهجر فلا يكون له مرتبة فى الدين لا
يؤخذ عنه العلم ولا يستقضى ولا تقبل شهادته ونحو ذلك ومذهب مالك قريب من هذا ولهذا
لم يخرج أهل الصحيح لمن كان داعية ولكن رووا هم وسائر أهل العلم عن كثير ممن كان يرى
فى الباطن رأي القدرية والمرجئة والخوارج والشيعة”

وقال  في هدي الساري ص358 :” مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيل
آخر فيه فقال إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو اخماد لبدعته واطفاء لناره وأن لم يوافقه
أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالدين
وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة
على مصلحة اهانته وإطفاء بدعته والله أعلم”

وهذا قيد آخر وهو ألا يحتاج إليه في هذا المأخوذ عنه ، وأمر الإجازات في
هذا العصر شكلي إلى حد كبير ولا حاجة فيه ولا ضرورة

وقال ابن حبان في الثقات :” 13612 – شَدَّاد بن حَكِيم الْبَلْخِي
أَبُو عُثْمَان يروي عَن زفر بن الْهُذيْل روى عَنهُ البلخيون وَكَانَ مرجئا مُسْتَقِيم
الحَدِيث إِذا روى عَن الثِّقَات غير أَنى أحب مجانبة حَدِيثه لتعصبه فِي الإرجاء وبغضه
من انتحل السّنَن أَو طلبَهَا”

فهنا استحب ترك الاحتجاج بخبره مع استقامة حديثه لتعصبه في الإرجاء

وابن حبان نفسه كان على مذهب ابن كلاب في الصفات غير أن إيراد كلامه وكلام ابن حجر في الباب للإلزام ولبيان أن الأمر متقرر عند عامة الناس 

وقال العقيلي (4/444) :” حدثنا عبد الله بن أحمد قال سألت أبي عن
أسد بن عمرو وأبو يوسف فقال أصحاب أبي حنيفة لا ينبغي أن يروى عنهم “

وجاء في ترجمة علي بن أبي هاشم و كتب عنه أبو حاتم ، و لم يحدث عنه لأنه
كان يتوقف فى القرآن ، و قال : ما علمته إلا صدوقا ، ترك الناس حديثه لأنه كان يتوقف
فى القرآن . اهـ .

وقد ضرب الإمام أحمد على حديث علي بن الجعد الثقة الثبت لأنه كان واقفياً

والأشاعرة المتأخرون شر من الواقفة ولا شك لأن الأشاعرة يقولون بخلق القرآن
الذي بين أيدينا وينفون العلو وكثير منهم اليوم قبورية أيضاً

ولم يخرج أصحاب الكتب الستة للكرابيسي لقوله باللفظ كل هذا إخماداً لذكر
أهل البدع

والكلام في هذا يطول والمراد هنا الإشارة والتنبيه

والحق أن الرواية في زمن السلف تختلف عن الإجازات في زمننا فإن الرواية
في زمن السلف كانت لمصلحة حفظ الدين كما نبه عليه غير واحد

وأما الإجازات في عصرنا فهي في أسماء الكتب وربما قرأوا مقدماتها أو قرأوها
هذاً وإن لم يقرأوها فالكتب محفوظة موجودة

فالمصلحة التي كانت في زمن السلف منتفية الآن ، وتلك المصلحة مع وجودها
كانوا يتركون الرواية عن الدعاة وعن أصحاب البدع المكفرة في عامة أحوالهم

فكيف لو رأوا من يأخذ الإجازة عن مبتدع داعية لا علم عنده وإنما يجيز بأسماء
الكتب فقط

والذي ينبغي اليوم أن تترك كل إجازة فيها ذكر أعداء الدعوة كالكوثري والغماري
وأحمد الزيني دحلان إخماداً لذكر أهل البدع وإن كان شيخك المباشر سلفياً

على أننا لا ندفع الإجازات عن العلماء السلفيين فالاتصال بركة ، ولكن لا
ينبغي أن يشغل هذا عن أصل العلم

ثم إن بعض الأفاضل إذا ترجم لنفسه ذكر تلمذته على بعض المخالفين ولعله
يكتفي بكونهم معروفين عند أهل السنة ، ولكن لو بين في نفس الترجمة دفعاً لتوهم العامة
أنه يثني عليه فإن هذا هو المتعين

على أن كتابة ترجمة للنفس أمرٌ لا أعرفه عن السلف ، وليس هذا تطبيقاً لأثر ( فانظروا عمن تأخذون دينكم ) فالذين قالوا هذا الكلام ما كتب أحد لنفسه منهم ترجمة ، ولو فرضنا أن ذلك الفعل لا مندوحة فيه فذلك التوسع العصري العجيب في المسألة وإطراء النفس وذكر كل دقيق وجليل في حال الطلب أمر غريب ليس فيه إعانة للنفس على البعد عن الرياء ، إلا أن يكون يريد أن يقتدي به الطلبة في جلده فهذا باب آخر يقدر بقدره دون توسع زائد عن الحد

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم