الفاروق وتحاملات الرافضة الإمامية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

الفاروق وتحاملات الرافضة الإمامية

قال عبد الرزاق في المصنف 18737 – عن ابن جريج قال سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول أتي بن الزبير بوصيف لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قد سرق فأمر به بن الزبير فشبر فوجد ستة أشبار فقطعه وأخبرنا عند ذلك بن الزبير أن عمر بن الخطاب كتب إلى العراق في غلام من بني عامر يدعى نميلة سرق وهو غلام فكتب عمر أن اشبروه فإن بلغ ستة أشبار فاقطعوه فشبروه فنقص أنملة فتركوه فسمي نميلة فساد بعد أهل العراق .

هذه الرواية هي محط سخرية وتشنيع من عدد من الإمامية خصوصاً الأميني صاحب الغدير إذ يقولون كيف يعتبر عمر بن الخطاب البلوغ بهذا المعيار

ومعلوم أن علامات البلوغ المتفق عليها بيننا وبين الإمامية عدة وهي إنبات الشعر أو بلوغ سن معين أو الاحتلام والأحكام الظاهرة فيمن أشكل حاله هل مثله يحتلم أو لا ، لا تعلق بالاحتلام لخفائه

وقد يكون بلغ وهو دون سن الخامسة عشر فتبقى علامة الإنبات إن لم يكن بلغ سن الخامسة عشر إذا ما ارتكب جناية توجب الحد إن كان بالغاً

فهل يستغرب وجود علامة تتعلق بالطول كمثل علامة الإنبات وقد عد بعض الفقهاء علامات مثل فرق أرنبة الأنف وخشونة الصوت وإن كان الجمهور يوافقونها ؟

الجواب أن هذا غير مستغرب فالأصل أن علامات البلوغ متعددة وإذا حضر واحد منها أثبت الأمر وعلامة الطول إن كانت صحيحة قد تعتبر إن لم يكن الأمر يستدعي الكشف عن العانة لكونه كشف عن عورة ولا يكشف إلا في أمر شديد كما حصل مع القرظيين فيكتفى بالعلامات الظاهرة في أمر الحدود الظاهرة وقد تكون اعتبرت عند انعدام هذا الشرط شرط الإنبات ولم تلاحظ في حال القرظيين لكون الحكم القتل واحتيج إلى أقوى العلامات في ذلك

ولكن السؤال : ما الدليل على أن الأشبار الستة علامة من علامات البلوغ في قول من قال ذلك وهل له وجه من التأويل ؟

فيقال : نعم جاء في بحار الأنوار للمجلسي (52/6) :” بل الصحيح أنه عليه السلام كان عشاري السن – اي كأن له عشر سنين من حيث إنه عليه السلام كان جسيما إسرائيلي القد وأما أنه عشاري القد: له عشرة أشبار، فغير صحيح لان الغلام إذا بلغ ستة أشبار فهو رجل فكيف بعشرة أشبار؟ قال الفيروزآبادي: غلام خماسي: طوله خمسة أشبار ولا يقال: سداسي ولا سباعي لأنه إذا بلغ ستة أشبار فهو رجل”

فإذن عرف العرب كما في المعاجم أنهم لا يقولون غلام سداسي لأن صاحب الأشبار الستة يسمى رجلاً وهذا عرف لغوي كان في الجاهلية والإسلام لهذا عمت به اللغة ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مطلعاً على هذا العرف ولم يسع في تغييره بل أقره

وأقر تسمية الناس لمن له ستة أشبار رجلاً دون من له خمسة أشبار فصارت سنة إقرارية في تثبيت الأمر

وهذا التعنت من الرافضي مع عمر دون فهم مأخذه يشبه حال الكثير من الشباب الذين يدرسون الفقه فتجده يخالف ما عليه جمهور العلماء دون أن يفهم مأخذهم ولا منظومتهم الاستدلالية نعم أنت لا تلزم إلا بما تفهم من الأدلة ولكن قبل أن تقفز إلى الترجيح خذ كفايتك من النظر والبحث ولا شك أن أفراد العلماء يزلون ولكن افهم حجته أولاً فقد تكون المشكلة من فهمك ثم إذا وجدت عامة العلماء على شيء فهذا لا يكون إلا وله حظه من النظر

والواقع أن الرافضي ينظر للفاروق دون تزكياته وإلا من السهل أن يقال أنه قد تكون عنده من رسول الله سنة بذلك خصوصاً وأن هذا الأمر ثابت عن الصديق أيضاً ولكنهم ينظرون لهم على جهة الاتهام مجردين لهم عن فضائلهم

واعلم رحمك الله أن الإمامية باستمرار يدخلون عمر بن الخطاب في رهان خاسر فهو في مقابل علي بن أبي طالب الإمام المعصوم العالم بالغيب الذي لا يسهو ولا يزل وهو مفضل على الأنبياء عدا نبينا ( هذا قول جمهورهم اليوم )

وهم يستحضرون هذا المعنى غير المسلم يضعون عمر في مقابل علي وعمر عند أهل السنة بشر على فضله يخطيء اجتهاداً ويسهو وينسى والإمامية يجعلون كل سهو ونسيان واجتهاد من عمر طاعناً في فضله لأنه يثبت أنه اغتصب الخلافة ممن هو خير منه ذلك الذي لا يسهو ولا يزل ولا يخطيء

لذا المقارنة لا معنى لها أصلاً وتتبع فتاوى عمر أو أخطائه ليس بحثاً سليماً حتى نتحقق أولاً من وجود العصمة المدعاة في علي بن أبي طالب وهذا ما لا نسلمه أصلاً ولو سلمناه لصارت أفضليته على غيره قضية بديهية

فمنهم من يثبت استحقاقه للخلافة ثم يبني على ذلك دعوى العصمة بحجة أن الخليفة لا بد أن يكون معصوماً ليحقق العدل وهذا مسلك ضعيف على كثرة حديثهم فيه فكل بني آدم يجوزون العدل والجور على غير المعصومين والعصمة المطلقة للكتاب والسنة وهما حاضران في الأمة والإمامية أنفسهم قامت لهم دول على مر التاريخ وكان يرون في عدد منها قيام مصالح الخلق

واسألهم عن حال مراجعهم اليوم فستراهم يرون أنهم عدول فضلاء ينوبون عن المهدي مع عدم عصمتهم ويحفظ الله بهم البلاد والعباد ويستحقون الاحترام والتوقير وإن وقع منهم الزلل الاجتهادي وهذا في واقعه عقيدتنا في الصحابة مع نشهد به من مزيد فضائل لهم

وهم يعلمون من فقهائهم على مر التاريخ أقوالاً عظيمة وشديدة ومع ذلك يترحمون عليهم ويعظمونهم فهم يثبتون على الشريف المرتضى شذوذات فقهية عظيمة وعلى المفيد إنكار عصمة الزهراء وعلى الطوسي والقمي إثبات السهو للأئمة على تناقض الطوسي في ذلك وعلى كثير من علمائهم القول بتحريف القرآن ثم تجدهم يترصدون لعمر

وفريق آخر يثبت العصمة ثم يبني عليها إثبات الإمامة وهذا المسلك وإن كان أقوم نظرياً ومعه لا تحتاج إلى أن تتحدث عن مثالب خصوم علي إلا من باب تحصيل الحاصل ولكن إثبات هذا الباب عسير جداً ولا يكاد يقوم عليه دليل قطعي بحسب منظومتهم الأصولية إن حاكمناهم إليها فروايات أهل السنة تثبت أن علياً كان رجلاً فاضلاً وأما العصمة فتنفيها وآية التطهير التنازع في دلالتها عظيم وحديث الكساء آحادي ودلالته محل نقاش

وما بقي سوى أخبار في كتب القوم والاستدلال بها دور فلو جاز لهم أن يستدلوا علينا بما كتبهم في هذا لجاز أن نستدل عليهم بما في كتبنا من مناقب الصحابة _ وإن كان منهاجنا الحديثي أقوم وهم لا منهاج عندهم أصلاً _

ولو قارنت بين روايات تحريف القرآن والروايات التي تدل على العصمة لوجدت الأولى أكثر وإذا وجدت روايات تخالف دلالة أخبار العصمة يحملونها على التقية أو تقمص العاصي لتعليمه من باب إياك أعني واسمعي يا جارة

والخلاصة أن هناك نوع مصادرة على المطلوب فيتكلم عن الصحابة بناء على اعتقاد أنهم تقدموا بين يدي المعصوم ويحاكمهم على هذا الأساس فتصير حتى مناقبهم مثالب وهذه مصادرة على المطلوب فالعصمة ليست مسلمة أصلاً.