العيد الوطني بالتاريخ الميلادي !

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

العيد الوطني بالتاريخ الميلادي

بمناسبة الجدل السنوي حول موضوع الاحتفال بالعيد الوطني لأي بلد، واليوم هو العيد الوطني للسعودية (والذي أراه بحثاً لا يحتاج إلى كبير كلام إذا نظرت في المنكرات التي تحتف بالأمر).

أود أن أطرح تساؤلاً:

الوطن بالمعنى الحديث وهو مجموعة من الأشخاص يعيشون في بقعة جغرافية معينة منفصلة عما حولها، تختص بخصائص ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية.

تُحدِّد الدول أعيادها الوطنية وفقاً لأمر الاستقلال، أو الاعتراف الدولي ببلادهم، أو الشكل النهائي للبلاد بعد توحدها.

وكل واحد من هذه الأحداث وقع في تاريخ ميلادي وله نظير هجري.

فلماذا بلد عربي مسلم يحتفل بيومه الوطني في تاريخ نصراني (التاريخ الميلادي) واليوم الوطني هو يوم لإبراز الخصوصية الثقافية والتمايز عن الآخر؟

والعجيب مشاركة بعض أهل العلم، وحديثهم عن هذا الأمر مع كثرة ذمهم لأمر التشبه بالكفار.

هذا الأمر ليس اعتباطياً، وقد بلغني أن دولة اليهود تحتفل وفقاً للتقويم العبري، ولكن هذا الأمر يعكس كون هذا الشيء هو نسخ من ورقة الآخرين دون كبير وعي بما تعنيه هذه الأمور.

الحديث عن أمجاد وإنجازات وغير ذلك لا يكون شيئاً إذا كنت مستلَباً ثقافياً، كل ما تفعله هو محاكاة غيرك (لأنك تُثبت بهذا أنه هو الأعلى ثقافياً)، وتُصِّر على تكرار تجربة الثورة على الكنيسة لتُثبت للناس أنك متأخر عنهم ثقافياً عشرات السنين (وأن دولتك التي قامت على دعوة إصلاحية إنما قامت على تطرف وغلو، فهذا أمر ينقض أوله آخره وآخره أوله).

عامة من يحتفل الآن سيكون ميتاً أو كهلاً بعد ستين سنة، ومصيره في الآخرة لن يكون مرتبطاً بالحديث عن إنجازات سياسية أو اقتصادية، قد لا يكون هو منتفعاً مباشراً بها (أعياد المسلمين مثل الفطر والأضحى مرتبطة بعبادات تفيدك في آخرتك، وتكون فرحاً بفضل الله، وكل عيد لا صلاة فيه إنما جاء من الشيطان).

حب الوطن حتى بالمعنى العالماني لا يثبَت بمجرد الاحتفال، فالاحتفال ترويح عن النفس يفعله أي بطال، وإنما يثبَت بفعل الأمور الثقيلة والتضحيات والوقوف على مواطن الخلل والنصيحة.

الرخاء الاقتصادي والأمن -إن وُجِدا- هي منن من الله تبارك وتعالى قال تعالى: {الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} مع أنهم كانوا يبذلون أسباباً لذلك.

ونعمة الله تستدام بشكره {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.

والحجة قائمة على القوم القريبين من الوحي أكثر من غيرهم، لذا العقوبة في حقهم تكون أعجل استعتاباً، ولئن أخِّروا فلا يظنوا أن ذلك حسن في حقهم، فإن ذلك معناه أنه قد فُرغ منهم وأن العقوبة أجِّلت إلى الآخرة.

وأخيراً همسة في أذن بعض أهل العلم: قد حفظ الله عز وجل لمؤمن آل فرعون إنكاره وقد كان مستضعفاً وبقينا نذكر الأمر له في كتاب يتلى إلى يوم القيامة، ومن لم يستطع الكلام فهو معذور إن شاء الله، غير أنك لا ينبغي أن تشارك أهل الباطل، ولو سترت هذا تحت كلام شرعي عن شكر النعم وغيره، فالأمر لا يقف على منكرات سلوكية، ولا يقف على تشبه وغير ذلك، بل هو إعادة صياغة لمنظومة الأولويات، والصواب والخطأ، والأصوب والترجيح بين المصالح والمفاسد في عقل المرء المسلم، وذلك خطير غاية لو تنبهتم.