العلاقة بين الوسواس والغلو العقدي.
قال البخاري في صحيحه 5058 – حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق».
وهو في صحيح مسلم والموطأ، كذا في بيان مشكل الآثار للطحاوي كما حدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا الخصيب بن ناصح، وكما حدثنا محمد بن خزيمة قال: حدثنا حجاج بن المنهال قالا: حدثنا أبو الأشهب، عن أبي رجاء العطاردي قال: قلت للزبير بن العوام رضي الله عنه: ما لي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة؟، فقال: ” نبادر الوسواس “.
أقول: العلاقة بين الحديث وأثر الزبير وطيدة والله أعلم، ووجه ذلك أن الخوارج عندهم حدية فكرية وأصل كبير وهو أن الإيمان شيء واحد إذا ذهب بعضه ذهب كله وأدخلوا العمل في مسمى الإيمان لذا كفروا بفعل الكبائر وترك الواجبات فكفروا بكل إثم وتناقضوا لأن الصغائر إثم ولا يذهب بالإيمان فعلها.
وهذا الأصل يشترك به معهم عدد من الموسوسين خصوصاً في أمر العبادات فيرى أن الصلاة إما تكون على أكمل وجه أو ليست بشيء، فعند الخارجي الإيمان شيء واحد إذا ذهب بعضه ذهب كله، وعند الموسوس الصلاة شيء واحد إذا ذهب بعضها ذهب كلها وذلك يحمله على الوسواس.
وهناك المرجئة الذين أيضاً قالوا بأصل الخوارج بأن الإيمان شيء واحد ولكنهم أخرجوا العمل من مسمى الإيمان كي يسلموا من مشكلة الخوارج وقالوا الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ونظيرهم في أمر الصلاة من لا يهتم بالأركان نهائياً كالطمأنينة وغيرها (لذا ناسب أن يكون مذهب أهل الرأي المرجئة عدم اشتراط الطمأنينة).
فهناك من لا يفرق بين ترك شرط أو واجب أو ركن أو التقصير فيه أو ترك مستحبات الصلاة أو شيء من كمال الصلاة فيقع في الإفراط أو التفريط.
فلما لاحظ الزبير ومن معه من الصحابة أن هذا الفكر الحدي بدأ يظهر بين الناس وبلغهم عن الرسول أن علامة الخوارج ((تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم))؛ صاروا يظهرون للناس الصلاة الصحيحة التي ليس فيها تعمق وتدقيق ليعالجوا أصل هذا الفكر الحدي.
فلما قيل للزبير لماذا صلاتكم هكذا قال:(( نبادر الوسواس)) يعني نزيل أسبابه فأحد أهم أسبابه هذه الحدية واعتقاد أن الأمر إما يكون على أكمل ما يمكن أو ليس مقبولاً أبداً.
وهذا من فقه القوم العجيب
ومن هذا الباب أيضاً ما روى البخاري في صحيحه 1211 – حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا الأزرق بن قيس، قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي، وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها – قال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي – فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف الشيخ، قال: إني سمعت قولكم «وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات -أو سبع غزوات – وثماني وشهدت تيسيره»، وإني إن كنت أن أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي.
فلاحظ هذا الخارجي يشدد جداً في أمر الصلاة حتى أنه أنكر رخصة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعقل الأمر إلا على أكمل ما يكون وإلا فهو ليس بشيء وكأنه ما قرأ في القرآن ما نزل في صلاة الخوف.