العلاقة بين المتكلمين والماسونية…

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

استمعت بعناية لبودكاست في قناة ذات مصر، وكان الضيف الصحفي ممدوح الشيخ، ويظهر عليه سعة الاطلاع وكثرة القراءة، وكان حديثه عن الماسونية وعلاقتها بالصوفية، ولم يكن كلامه شعبوياً من النوع المعتاد، بل كان في الغالب موثَّقاً من مصادر، وأود التنبيه على عدة نقاط في لقائه فيها نفع.

النقطة الأولى: ذكر أن من أهم المشتركات بين الصوفية الطرقية الغالية والماسونية: التفريق بين الناس على أنهم عامة وخاصة وأن هناك ديناً للعامة وديناً للخاصة.

قال ممدوح الشيخ: “بأي شيء أصبح العوام عوام؟ وبأي شيء أصبح الخواص خواص؟ وبأي شيء أصبح خواص الخواص خواص الخواص؟ وبعض العبادات وُصِفت بهذا، صيام العوام وصيام الخواص وصيام خواص الخواص، فهل كان صيام محمد ﷺ صيام العوام؟ هو الصيام الذي ورد في الأحكام الشرعية، بما يمتنع عنه وما يفعله في أثناء صيامه، وبالتالي هذا يعطي إحساساً بالفوقية خطيراً جداً ونتائجه تكون لاحقاً خطيرة، لأنه يوهم الناس أن هؤلاء لهم حقوق عليهم”. 

وقال أيضاً وهو يذكر أفكار الماسونية: “أن من ينقذ العالم ومن يصنع تقدمه أقليات مغلقة سرية تعمل بعيداً عن ضجيج العامة، وبالتالي في الأمر استعلاء حقيقي ورغبة في أن يكونوا شكل من أشكال ترجمة معنى شعب الله المختار، لكن بدون قداسة دينية”. 

أقول: هذه الفكرة موجودة عند كثير من أهل الكلام من أصحاب مسلك التخييل، يقولون: التنزيه لا يفهمه العوام ولا يفهمه إلا الخواص، وهذه فكرة كتاب «إلجام العوام عن علم الكلام» للغزالي. 

قال الغزالي في «الإحياء» [4/434]: “أن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو متصل به ولا هو منفصل عنه، قد حيَّر عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته”. 

وقال العز بن عبد السلام قوله في «القواعد» [ص201]: “أن من جملة العقائد التي لا تستطيع العامة فهمها هو أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولا منفصل عن العالم ولا متصل به”.

فهذا ضرب من الباطنية أصاب هؤلاء القوم ووهَّنوا به الشريعة وفتحوا الباب لكل مبطل كما قال ابن تيمية.

النقطة الثانية: ذكر أن من أخطر الأمور التي تمهد للباطنية: القراءة التأويلية للنصوص.

يقول ممدوح الشيخ: “لا يمنحنا الحق في تأويل أحكام شرعية تأويلاً يضاد ما هو معروف من معناها الظاهر ولا يُنشئ علاقة بين أشخاص كالعلاقة بين الولي والمريد”.

وقال أيضاً: “الأمريكان شافوا أن مكون أساسي من مكونات العنف المسلح ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحتى لو رفعوا لاحقاً شعار “العنف ضد الصهاينة” أنه في النهاية هو عنف أساسه التفسير الحرفي لبعض الأحكام الشرعية، وبالتالي إذا انتشر في المجتمع أو في تصوُّر فئات واسعة من المسلمين المعتنقين للإسلام في الغرب وفي العالم الإسلامي أن التأويل أفضل من التفسير الحرفي هذا باب للخروج من هذه الأزمة”.

قد صدق ابن تيمية حين قال فيهم: “وفتحتم الباب لكل مبطل” فإن تأويل نصوص الصفات وإخراجها عن ظاهرها وهي آلاف النصوص والزعم أن ظاهرها غير مراد وهَّن الشريعة توهيناً شديداً، علماً أنه نبَّه أن المتصوفة يتناقضون وفيهم من يأخذ بظاهر الشريعة في أمور، غير أن القصد أن هذه الأفكار في جنسها خطيرة.

النقطة الثالثة: ذكر عن باحثة إيطالية متخصصة بالماسونية وبخاصة الماسونية في حوض البحر الأبيض المتوسط أن الماسونية اخترقت عدداً من الطرق الصوفية، وذكرت تحديداً الطريقة البكتاشية، وهي طريقة صوفية شيعية انتشرت في إيران وتركيا، وكان لها نفوذ في الدولة العثمانية (هي طريقة الانكشارية) وذكر هو أنها تلفيقية بين أمر وثني ورافد ديني إسلامي، ومن هنا أشبهت الماسونية، خصوصاً مع التشيع الباطني. 

وذكر أن لها علاقة بمصطفى كمال أتاتورك. 

وذكر من حالها هذه الأيام أن هناك دولة نظيرة للفاتيكان نشأت في ألبانيا يزعمون أنها إسلامية، ولكن إسلام حداثي لا يُحرِّم الخمر ولا يفرض الحجاب، وإنما حالة روحانية، وسجل تناقضهم أن التغريبيين ضد ما يسمونه كهنوت إسلامي، ومع ذلك يدعمون الكهنوت الذي يدعم رؤيتهم. 

وذكر أن تيري زيركون وهو باحث فرنسي متخصص في الماسونية كتب عدة مؤلفات في العلاقة بين الصوفية والماسونية.

أقول أنا عبد الله: وعامة الصوفية اليوم على عقائد المتكلمين في العقيدة، وهذا أمر جدير بالملاحظة. 

وذكر ثبوت ماسونية عبد القادر الجزائري بشكل قطعي، ومعلوم أن عبد القادر كان شغوفاً بابن عربي -وهذا حال معظم الأشعرية اليوم خلافاً لمتقدميهم- مع نفرته من أمثال ابن تيمية.