قال ابن قدامة في المغني: “فصل: وإن أحرمت بواجب، فحلف زوجها بالطلاق الثلاث أن لا تحج العام، فليس لها أن تحل؛ لأن الطلاق مباح، فليس لها ترك فريضة الله خوفا من الوقوع فيه. ونقل مهنا عن أحمد، أنه سئل عن هذه المسألة، فقال: قال عطاء: الطلاق هلاك، هى بمنزلة المحصر. روى عنه ابن منصور، أنه أفتى السائل أنها بمنزلة المحصر. واحتج بقول عطاء، فتراه والله أعلم، ذهب إلى هذا لأن ضرر الطلاق عظيم؛ لما فيه من خروجها من بيته ومفارقة زوجها وولدها، وربما كان ذلك أعظم عندها من ذهاب مالها، وهلاك سائر أهلها، ولذلك سماه عطاء هلاكا. ولو منعها عدو من الحج إلا أن تدفع إليه مالها، كان ذلك حصرا، فهاهنا أولى. والله أعلم“.
أقول: هذه مسألة في الحج، ولكن كلام عطاء وأحمد فيها يأخذنا إلى مكان آخر في النظر إلى المصالح والمفاسد.
وذلك في قولهم: (الطلاق هلاك).
علماً أن النساء في وقتهم كنَّ يتزوجن بعد الطلاق بكثرة بأيسر مما هو في زماننا، وذلك بسبب الزواج المبكر آنذاك وتيسير أمر الزواج والتعدد.
والحالة التي يتكلمان عنها هي حالة نادرة، امرأة أحرمت بالحج فحلف عليها زوجها بالطلاق ألَّا تفعل.
فماذا لو رأوا ما حصل في زماننا من كثرة حالات الطلاق التي لا يعقبها زواج.
وحال التخبيب المنظَّم في القوانين، وعند كثير ممن يزعم أنه استشاري أو قانوني.
أيسر أمر عندهم هو الأمرُ بالطلاق.
مع انتشار أفكار استحقاقية وقوانين سوء وغيرها، مما أدى إلى تحول الطلاق إلى ظاهرة، وكثرة أطفال الشقاق، فجنى المجتمع من وراء ذلك هلاكاً في الأخلاق والصحة النفسية، وجماع ذلك أنه ضعفٌ في الدين.
الطلاق في نفسه مشروع، وفي حالات ليست بالقليلة يكون هو الحل الوحيد، غير أن المشاهد هذه الأيام التساهل في الأمر جداً، وسهولة المشورة به، خصوصاً مع استحداث أحوال قانونية جعلت الطلاق يقع بيُسر من قِبَل النساء، وهذا خلاف مقاصد الشريعة، وخلاف سلوك أهل العلم، بل الشياطين هي التي دأبها التفريق بين المرء وزوجه، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من خبَّب امرأة على زوجها.