فأحمد الله عز وجل أن وفق لجمع ما تيسر من آثار الحبر البحر عبد
الله بن عباس _ رضي الله عنهما – وكان ضمن المشروع الكبير في جمع آثار الصحابة
الكرام رضي الله عنهم في الزهد والرقائق والأدب ، وقد كان رضي الله عنه أوفرهم
آثاراً صحيحة
والحمد لله أنني لم أستمع لقول المخذلين والحاسدين ، الذين حملهم
ما تلجن في قلوبهم السوداء على الحيلولة بين الناس وبين ما ينفعهم
والآن مع شيء من فضائل هذا الجبل
قال البخاري في صحيحه [ 3756 ] :
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ .
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ وَقَالَ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ مِثْلَهُ .
وَالْحِكْمَةُ
الْإِصَابَةُ فِي غَيْرِ النُّبُوَّةِ.
وهذا يشمل العلم في التفسير وغيره.
قال البخاري في صحيحه [ 3627 ] :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
:
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ
فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَقَالَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ قَالَ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا
إِلَّا مَا تَعْلَمُ .
أقول : وقد كان عبد الرحمن بعدها يتتلمذ على ابن
عباس ولا يستنكف من ذلك مع بينهما من فارق السن .
قال البخاري في صحيحه [ 7323 ] :
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ :
كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
عَوْفٍ
. وذكر حديثاً طويلاً
قال ابن حجر في فتح الباري [ 19/ 257] :
وَفِي هَذَا الْحَدِيث
مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَأَخْذ
الْعِلْم عَنْ أَهْله وَإِنْ صَغُرَتْ سِنّ الْمَأْخُوذ عَنْهُ عَنْ الْآخِذ
.اهـ
قال عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل
الصحابة [ 1839 ] :
حدثني أبو معمر قثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ،
عن مجاهد قال :
لقد مات ابن عباس يوم مات وهو حبر هذه الأمة
.
وهذا إسناد صحيح
قال عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل
الصحابة [ 1835 ] :
قثنا أبو معمر قثنا سفيان ، عن ابن الأبجر قال :
إنما فقه أهل مكة حين نزل ابن عباس بين
أظهرهم
.
قال عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل
الصحابة [ 1833 ] :
قثنا الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني
أبو همام قال : حدثني ابن إدريس ، عن ليث قال :
قيل لطاوس أدركت أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وانقطعت إلى هذا الغلام من بينهم ؟
قال : أدركت سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فكلهم إذا اختلفوا في شيء انتهوا فيه إلى قول ابن عباس
ليث ضعيف وقد يحتمل في مثل هذا
قال عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة [ 1841 ] :
حدثني إبراهيم قثنا حجاج قال : أنا ابن جريج قال
: قال ابن أبي مليكة :
كان إذا أخذ ابن عباس في الحلال والحرام
أخذ الناس معه
، وإذا أخذ في
القرآن لم يتعلق الناس منه بشيء .
ابن جريج وإن كان مدلساً إلا أن يحيى
القطان أثنى على رواياته عن ابن أبي مليكة وصححها كلها وإن لم يصرح ابن جريج
قال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل
[ ص232 ] :
نا محمد بن ابراهيم نا عمرو بن علي قال سمعت
يحيى بن سعيد القطان يقول : أحاديث ابن جريج عن ابن ابي مليكة كلها صحاح – وجعل
يحدثني بها ويقول ثنا ابن جريج قال حدثني ابن ابي مليكة فقال في واحد منها : عن
ابن ابي مليكة ، فقلت : قل حدثني ، قال : كلها صحاح.
قال أحمد في فضائل الصحابة [ 1512 ] :
قثنا يحيى ، عن سفيان قال : حدثني سليمان ، عن
مسلم ، عن مسروق ، عن عبد الله قال :
لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا رجل .
وعبد الله هو ابن مسعود
وقال أحمد في فضائل الصحابة [ 1778 ] :
قثنا سفيان بن عيينة ، عن طاوس قال :
والله ما رأيت أحدا أشد تعظيما لحرمات الله
من ابن عباس
، والله لو
أشاء إذا ذكرته أن أبكي لبكيت .
وقال عبد الله بن أحمد في زوائد فضائل
الصحابة [ 1876 ] :
حدثني هارون بن عبد الله قثنا أبو داود الطيالسي
، عن شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد قال :
كان ابن عباس إذا فسر الشيء رأيت عليه نورا .
وفضائل ابن عباس كثيرة جداً
قال شيخ الإسلام في مقدمة التفسير كما في
مجموع الفتاوى [ 13/
365] :
ومنهم الحبر البحر عبدالله بن عباس ابن عم رسول
الله وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله له حيث قال:
اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل .
وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار أنبأنا
وكيع أنبأنا سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال قال عبدالله يعنى ابن مسعود :
نعم ترجمان القرآن ابن عباس .
ثم رواه عن يحيى بن داود عن اسحاق الازرق عن
سفيان عن الأعمش عن مسلم بن صبيح أبى الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال :
نعم الترجمان للقرآن ابن عباس .
ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به
كذلك .
فهذا اسناد صحيح الى ابن مسعود أنه قال عن
ابن عباس هذه العبارة وقد مات ابن مسعود فى سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح وعمر بعده
ابن عباس ستا وثلاثين فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود .
وقال الأعمش عن أبى وائل : استخلف علي عبدالله بن عباس على الموسم
فخطب الناس فقرأ فى خطبته سورة البقرة وفى
رواية سورة النور ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا .اهـ
وقبل الشروع في سرد الآثار أحب الإجابة
على شبهة انتشرت في المعاصرين والمتأخرين ، وهي أنهم كلما رأوا صحابياً يتكلم في
أمر غيبي قالوا [
هذه إسرائيلية ] وأحسنهم طريقة من يقول [ قد تكون إسرائيلية ] ، وكأن الصحابة والتابعين ما كان عندهم
طريقة لمعرفة الأمور الغيبية إلا الأخبار الإسرائيلية ، والواقع أنه لا يوجد دليل ولا قرينة على
صدق دعواهم أن هذه إسرائيلية ، بل الأدلة والقرائن كلها تدل على أن هذه الأخبار أخذت
من أصول صحيحة وبيان ذلك من وجوه منها ما هو عام ومنها ما يتعلق بابن عباس وحده
الوجه الأول : أننا إذا قلنا أن الصحابة أخذوا عن بني
إسرائيل وصاروا يحدثون عنهم بما لا أصل في شرعنا ، جازمين به موهمين الناس أنه حق فقد نسبنا
الصحابة إلى تضليل الأمة
وقد نبه على هذا القاضي أبو يعلى في إبطال
التأويلات [ 1/ 222 ] :
فإن قيل: فقد قيل إن عبدالله
بن عمرو وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل مثل دانيال
وغيره، فكانوا يقولون له إذا حدثهم:
حَدَّثَنَا ما سمعت من رسول الله،صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك،
فيحتمل أن يكون هَذَا القول من جملة
تِلْكَ الكتب فلا يجب قبوله.
وكذلك كان
وهب بن منبه يَقُول: إنما ضل من ضل
بالتأويل، ويرون فِي كتب دانيال أنهلما
علا إلى السماء السابعة فانتهوا إلى العرش رأى شخصا ذا وفرة فتأول أهل
التشبيه عَلَى أن ذَلِكَ ربهم وإنما
ذَلِكَ إبراهيم ؟
قيل: هَذَا غلط لوجوه:أحدهما أنه
لا يجوز أن يظن به ذَلِكَ لأن فيه
إلباس فِي شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعا لنا، ويكون شرعا لغيرنا، ويجب أن
ننزه الصحابة عن ذَلِكَ.
اهــ
قلت : بل يجب تنزيه
السلف كلهم عما ينسبهإليهم
هؤلاء ، إذ يزعمون أنهم تتابعوا على قبول هذه الآثار الإسرائيلية
المتعلقة بالله وملائكته وأنبيائه
وأودعوها في كتب المعتقد والتفسيرمعتمدين
لها بغير نكير ، مع نكارة متونها ( زعموا (
الوجه الثاني : أن
الصحابة كانوا ينقدون ما يذكره أهل الكتاب لهم ولا يقبلونه مطلقاً ، وما سلم من
نقد الصحابة أنى لنا أن نقف على موطن الخلل فيه .
قال المعلمي رحمه الله:قال معاوية لما ذكر
له كعب الأحبار فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وإن كنا من
ذلك لنبلو عليه الكذب.
وكان عند عبد الله بن عمرو بن العاص
صحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم كانيسميها
[ الصادقة ] تميزاً لها عن صحف كانت عنده من كتب أهل الكتاب.
وزعم كعب أن ساعة الإجابة إنما تكون
في السنة مرة أو في الشهر مرة، فردعليه
أبو هريرة وعبد الله بن سلام بخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في
كل يوم جمعة
وبلغ حذيفة أن كعباً يقول: إن السماء تدورعلى
قطب كقطب الرحي، فقال حذيفة [ كذب كعب … ]
وبلغ ابن عباس أن نوفاً البكالي – وهو من أ صحاب كعب
– يزعم أن موسى صاحب الخضر
غير موسى بن عمران،فقال ابن عباس [ كذب عدو الله.. .] ولذلك نظائر . اهــ
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن
بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله -هو ابن مسعود-
فقال: من أين جئت؟
قال: من الشام.
قال: مَنْ لقيت؟
قال: لقيت كعبًا.
قال: ما حدثك كعب؟
قال: حدثني أن السموات
تدور على مِنْكَب مَلَك.
قال: أفصدقته أو كذبته ؟
قال: ما صدقته ولا كذبته.
قال: لوددت أنك افتديت
مَن رحلتك إليه براحلتك ورَحْلِها، كَذَب كعب.
إنالله
تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ
تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ
أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}
قالشيخ
الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية [ 3/268]:
وهذاالأثر
وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن
يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية
أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لادافعها
لا يصدقها ولا يكذبهافهؤلاء
الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما
فيهمن قوله :من ثقل الجبار
فوقهن.
فلو كان هذا القول منكرًا في دين
الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه . اهـ
قال أحد الأخوة :فتأمل
كيف احتج شيخ الإسلام بكون هذا ( المعنى ) غير منكر بتحديث الأئمة له وعدم إنكارهم لما فيه
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
خيرة الخلق وأفضلهم بعد الأنبياء والمرسلين
فما قيل في أولئك الأئمة يقال فيهم من باب أولى رضي الله عنهم
وقال العلامة ابن القيم – [ كما في مختصر الصواعق-
ص436 ]
: وَرَوَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ
: أَنَا اللَّهُ
فَوْقَ عِبَادِي، وَعَرْشِي فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِي،وَأَنَا
عَلَى عَرْشِي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي، وَلَا يَخْفَى
عَلَيَّشَيْءٌ فِي
السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ
وَأَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُمَا
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَهَبْ أَنَّ الْمُعَطِّلَ يُكَذِّبُ
كَعْبًا وَيَرْمِيهِبِالتَّجْسِيمِ، فَكَيْفَ حَدَّثَ
بِهِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُمُثْبِتِينَ
لَهُ غَيْرَ مُنْكِرِينَ ؟
الوجه الثالث : أن
جزم الصحابي بما يقول يؤكد أنه ليس إسرائيلية ، لأن الاسرائيليات
لا تصدق ولا تكذب ، فكيف يجزم بما لا يصدق ولا يكذب
وقد نبه على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية
كما في مجموع الفتاوى [ 13/ 345] :
وَمَانُقِلَ
فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ
إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ
بَعْضِ التَّابِعِينَ لِأَنَّاحْتِمَالَ
أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ
سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى ؛ وَلِأَنَّنَقْلَ
الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِالتَّابِعِينَ
وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُإنَّهُ
أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِوَقَدْ
نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟ .اهـ
الوجه الرابع : أن
الصحابة عموماً وابن عباس خصوصاً كانوا من أشد احترازاً من التفسير بالرأي ، لاحتماله الصواب
والخطأ فكيف يفسرون القرآن بالاسرائيليات التي تحتمل الصواب والخطأ ، والتي تحمل في
طياتها على زعم جماعة من المعاصرين اعتقاداً باطلاً !
قال
أبو عبيد في فضائل القرآن [ 689 ] :
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن ابن
أبي مليكة ، قال :
سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة
؟
فقال
ابن عباس
: فما يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة ؟
قال
الرجل
: إنما سألتك
لتحدثني
.
فقال
ابن عباس
: هما يومان
ذكرهما الله في كتابه ، الله
أعلم بهما
.
فكره أن يقول
في كتاب الله ما لا يعلم .
أقول
: فأين من
ينسب ابن عباس إلى التفسير بالرأي والتوسع في ذلك
؟
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل
القرآن [ 690 ] :
حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة
، قال : قال رجل لسعيد بن جبير :
أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم
فلم يقل فيها شيئا ، فقال سعيد : كان لا يعلمها
أقول : فأين من ينسب ابن عباس إلى التفسير
بالرأي والتوسع في ذلك ، وأنه إمام مدرسة التفسير بالرأي !
الوجه الخامس : من يقول في بعض أخبار ابن عباس أنها
إسرائيلية
من أين له أنه أخذه عن بني إسرائيل فقد
يكون أخذه عن غيره من الصحابة ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخصوصاً وأن ابن عباس روايته عن النبي
صلى الله عليه وسلم وغيره من الصحابة أكثر بكثير من روايته عن كعب الأحبار فإنها
قليلة جداً
فإن قيل : لو كان عن النبي صلى الله عليه وسلم
لسماه ؟
فيقال : هذا الإيراد يسقطه وجود المرفوع حكماً ،
وقد حكى العديد من الصحابة أخباراً غيبية ولا يعرفون بالأخذ عن بني إسرائيل فاعتبر
ذلك العلماء مرفوعاً حكماً .
فعلى سبيل المثال لا الحصر قال ابن المبارك في الزهد
[ 425 ] :
قال أنا سفيان
عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود قال :
جنات عدن بطنان الجنة
, يعني
سرة الجنة.
فهذا له حكم الرفع من صحابي لا يعرف بالأخذ عن علماء أهل
الكتاب ممن أسلم ،
ولم يرفعه وله حكم الرفع
وهذا حذيفة يحكي قصة إهلاك قوم لوط كما في الكتاب
العقوبات لابن أبي الدنيا
وهذا عثمان يحكي قصة ذاك الرجل الذي شرب الخمر فزنا وقتل
كما في المصنف [ 17060 ]
وغيرهم كثير ولا يعرفون بالأخذ عن بني
إسرائيل ولا يشك أحد أنهم أخذوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم
وابن عباس تتلمذ على عمر بن الخطاب ، وكان من أهل مجلس شورته وحمل عنه علماً
كثيراً ، وفي صحيح البخاري سأله عن المرأتين
اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجابه عمر
وتتلمذ على أبي بن كعب ، وعنه يروي قصة موسى والخضر التي في
الصحيحين
وتتلمذ على زيد بن ثابت ، وأمر تلمذته عليه مشهور
فلو فرضنا أنه جاءنا أثر عن ابن عباس ولو
نعلم هل هو إسرائيلية أخذها من كعب الأحبار أم هي خبر مرفوع عن النبي صلى الله
عليه وسلم ، أو عن عمر أو عن أبي بن كعب أو زيد بن
ثابت أو غيرهما من الصحابة
لكانت القسمة العادلة تقتضي أن يكون
احتمال كونه مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو قراء صحابته 80%، واحتمال كونه مأخوذاً من كعب الأحبار 20% أو أقل من ذلك
فما كان هذا شأنه كيف يجزم أنه إسرائيلية ، بل لو كان مرفوعاً حكماً وكذبنا به لكان
هذا التكذيب كفراً ،
فأيهما أحوط للدين أن نكذب بما لم نحط به علماً ، أم أن نعرف لصحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم قدرهم ونعتقد ما اعتقدوا .
الوجه
السادس :
قال عبد الرزاق في تفسيره [ 2596 ] :
عَنْ إِسْرَائِيلُ , عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ ,
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ:
أَرْبَعُ آيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَمْ
أَدْرِ مَا هُنَّ حَتَّى سَأَلْتُ عَنْهُنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ:
قَوْمُ
تُبَّعٍ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُذْكَرْ تُبَّعٌ , قَالَ: إِنَّ تُبَّعًا كَانَ مَلِكًا وَكَانَ
قَوْمُهُ كُهَّانًا , وَكَانَ
فِي قَوْمِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ الْكُهَّانُ يَبْغُونَ عَلَى
أَهْلِ الْكِتَابِ , وَيَقْتُلُونَ
تَابِعَتَهُمْ
.
فَقَالَ أَصْحَابُ الْكِتَابِ لِتُبَّعٍ: إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَيْنَا .
قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَقَرِّبُوا قُرْبَانًا
فَأَيُّكُمْ كَانَ أَفْضَلَ أَكَلَتِ النَّارُ قُرْبَانَهُ , قَالَ: فَقَرَّبَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْكُهَّانُ , فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ
فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ .
قَالَ: فَتَبِعَهُمْ تُبَّعٌ فَأَسْلَمَ , فَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمَهُ فِي
الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ .
وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ{وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا
ثُمَّ أَنَابَ} قَالَ: «شَيْطَانٌ أَخَذَ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ الَّذِي فِيهِ
مُلْكُهُ فَقَذَفَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ , فَانْطَلَقَ سُلَيْمَانُ يَطُوفُ إِذْ
تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ السَّمَكَةِ , فَاشْتَرَاهَا فَأَكَلَهَا , فَإِذَا فِيهَا خَاتَمُهُ فَرَجَعَ
إِلَيْهِ مُلْكُهُ .
أقول
: ظاهر هذا
أن ابن عباس لم يتعلم من كعب إلا هذه الأمور الأربعة ، وأما بقية الآيات فكان عنده علمٌ من قبل
كعب الأحبار فتنبه لهذا فإنه مهم ، ولم يذكر الآيتين الباقتين
وقد
جاءت في خبر عكرمة
قال
ابن أبي شيبة في المصنف [ 35253] :
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ
زَائِدَةَ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ :
قَالَ : سَأَلْتُ كَعْبًا : مَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ؟
فَقَالَ : سِدْرَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْمُ
الْمَلاَئِكَةِ
، وَعِنْدَهَا
يَجِدُونَ أَمْرَ اللهِ لاَ يُجَاوِزُهَا عِلْمُهُمْ .
وَسَأَلْتُهُ عَنْ جَنَّةِ الْمَأْوَى ؟
فَقَالَ : جَنَّةٌ فِيهَا طَيْرٌ خُضْرٌ ، تَرْتَقِي فِيهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ.
وقال
أيضاً [ 32544]
:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ
زَائِدَةَ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ :
قَالَ : سَأَلْتُ كَعْبًا عَنْ رَفْعِ إدْرِيسَ
مَكَانًا عَلِيًّا ؟ وذكر
خبراً
فهذا
يدل على أن بقية القرآن كله علمه ابن عباس من الصحابة من أمثال عمر بن الخطاب الذي
ذكر كما في صحيح البخاري أنه أخبره بشأن المرأتين اللتين تظاهرتا ، وأبي بن كعب الذي روى عنه قصة موسى
والخضر في الصحيح ،
وزيد بن ثابت الذي تتلمذ عليه طويلاً وغيرهم من الصحابة
فإذا
تأرجح بين كونه مأخوذاً عن كعب أو غيره ، كان الأصل أنه أخذه من غيره من الصحابة لأن هذا هو
الأكثر الغالب ، وإذا كان متعلقاً بأمر القرآن فالمتعين
أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة لأن مسائله عن كعب عدها لك عداً
الوجه
السابع :
أن ابن عباس كان من أشد الناس احترازاً من أباطيل أهل الكتاب
قال
البخاري في صحيحه [ 7363 ] :
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ
وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ .
وَقَدْ
حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ
وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا .
أَلَا
يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا
رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ .
فيقال
كيف يسأل كعباً بعد هذا ؟
فالجواب
: أنه يتحدث
عن أهل الكتاب الذين بقوا على كفرهم ، وأما كعب فقد أسلم وعرف صدقه وأمانته ، ومع ذلك كان رواياته خاضعة لنقد الصحابة ، فلا تظن أنهم يحدثون عنه بشيء قد علموا
بطلانه ، أو لا يجزمون بصحته ، وسؤال ابن عباس لا يعد إقراراً بالضرورة
وقد
أحسن محمد بازمول حين قال في شرحه على مقدمة التفسير [ ص65 ] :
قال شيخ الإسلام :
وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ
إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ ؛
لِأَنَّ
احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ
بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى.
وَلِأَنَّ
نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ.
وَمَعَ
جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟
ثم
علق في الحاشية بقوله :
لدى بعض الناس جرأة غريبة ، إذا ما جاء نص عن الصحابي، في قضية مما لا يجدها في القرآن العظيم
والسنة النبوية، فإنه يهجم على القول بأنها مما تلقاه ذلك
الصحابي عن بني إسرائيل!
والحقيقة
أن الأمر يحتاج إلى وقفة متأنية.
فأقول: لا شك أن الصحابي الذي جاء في كلامه ما
هو من قبيل كشف المبهم، لن يورد شيئاً عن أهل الكتاب يخالف ما في شرعنا، نجزم بذلك.
إذا ما أورده الصحابي – على فرض أنه مما تلقاه عن أهل الكتاب – إمّا أن يكون مما يوافق شرعنا، وإما أن يكون مما لا يوافق و لا يخالف، ويدخل تحت عموم قوله – صلى الله عليه وسلم -: “حدثوا عن بني إسرائيل ولاحرج”[أحمد وأبو داود]، “وإذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم و لا
تكذبوهم”
[أحمد وأبو
داود].
فالجرأة
على رد ما جاء عن الصحابي بدعوى أنه من أخبار أهل الكتاب، لا يناسب علمهم وفضلهم رضي الله عنه، ويوضح هذا: أن الصحابي إذا جزم بشيء من هذه الأمور
في تفسير آية فإنه يغلب على الظن أنه مما تلقاه عن الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أو مما قام على ثبوته الدليل، وإلا كيف يجزم به في تفسير الآية، وهو يعلم أن غاية هذا الخبر أنه مما لا
نصدقه أو نكذبه؟!
من
ذلك ما جاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: (فُصِل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ
وأُنزِل في بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نَزَل على محمد صلى الله عليه وسلم مُنَجَّمَاً في
ثلاث وعشرين سنة) [الطبراني
في الكبير: (12243)،والحاكم في المستدرك: (2932)،والبزارفي مسنده: (210/ 2)].
رأيتُ
بعض المتأخرين يجزم بأن هذا من الإسرائيليات، وبأن هذا مما تلقاه ابن عباس عنهم، مع أن هناك قرائن في نفس الخبر تمنع هذا؛ منها:
أولاً: جَزْم ابن عباس به.
ثانياً: لا علاقة له بالتوراة والإنجيل لأنه
يتكلم عن القرآن.
ثالثاً: هو يتكلم عن نزول القرآن على الرسول صلى
الله عليه وسلم.
رابعاً: لا مخالف لابن عباس في هذا.
فهذا
مما يجعل سند ابن عباس هذا – وإن كان موقوفاً سنداً – فهو مرفوع حكماً ومعنى، يعني أن له حكم الرفع.
وجاء
عن ابن عباس نفسه أنه كان ينهى عن الأخذ عن أهل الكتاب، كما روى البخاري في صحيحه، فكيف نقول: إن هذا من الإسرائيليات.اهـ كلام الشيخ بازمول
وهذا
كلامٌ غاية في التحرير جزى الله محمد بازمول خيراً عليه ، ولهذا تجد أن السلف أوردوا مثل هذه
الآثار في كتب العقيدة ، ومحمد يركز في كلامه على التفسير لأنه يشرح
مقدمةً في التفسير ،
وإلا فمن باب أولى أن يقال أنه لا يليق بالصحابة أنهم يتكلمون في أمور العقيدة
بأباطيل الإسرائيليات
الوجه
الثامن :
أن بعض الآثار
الغيبية عن الصحابة أجمع أهل السنة على اعتقادها ولم يدفعها أحد بأنها اسرائيلية
كأثر ابن عباس [
الكرسي موضع القدمين ]
الوجه
التاسع :
أن الصحابة كان ينكرون على بعضهم في المسائل الفقهية إذا رأوا من أحدهم ما خالف
دليلاً ، ولم يؤثر عن أحد منهم إنكار خبر غيبي حدث
به ابن عباس ولا التابعين فدل على استقامة الأمر ودخوله في الإجماع السكوتي .
الوجه
العاشر :
أنني لم أجد – فيما أعلم – من السلف في القرون الثلاثة الأولى أنه
رد أثراً ثابتاً عن صحابي بحجة أنه إسرائيلية ، وقد علم في علم الأصول ، أن الإجماع السكوتي إذا مر عليه عدة قرون
دخل في حكم الإجماع القطعي
ذكر
الزركشي في البحر المحيط (6/ 473) قيوداً لا بد منها في الإجماع السكوتي فقال :
القيد الخامس : أن لا يتكرر مع طول الزمان وصرح بذلك
التلمساني في شرح المعالم ، وأنه ليس محل خلاف .اهـ
يريد
أنه إذا تكرر دخل في حكم الإجماع القطعي ، فكيف إذا كان هذا التكرر حصل في القرون
الفاضلة .
الوجه
الحادي عشر :
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 28/ 125] :
وَلِهَذَا كَانَ إجْمَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ
حُجَّةً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ
أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ؛ فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ
مُحَرَّمٍ أَوْ إسْقَاطِ وَاجِبٍ ؛ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ أَوْ إخْبَارٍ عَنْ اللَّهِ
تَعَالَى ؛ أَوْ خَلْقِهِ بِبَاطِلِ : لَكَانُوا مُتَّصِفِينَ بِالْأَمْرِ
بِمُنْكَرٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مَعْرُوفٍ : مِنْ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ؛ بَلْ الْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَا لَمْ
تَأْمُرْ بِهِ الْأُمَّةُ فَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَمَا لَمْ تَنْهَ عَنْهُ
فَلَيْسَ مِنْ الْمُنْكَرِ .اهـ
وإذا
علم يقيناً أن عامة الآثار المذكورة عن ابن عباس وغيره من الصحابة مما يزعم بعض
المعاصرين والمتأخرين أنها إسرائيليات لم ينكرها أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولو أنكرها تابعي واحد لم يكن ذلك حجة
فكيف لو أنكره من تأخر عن الأزمنة الفاضلة بقرون
الوجه
الثاني عشر :
قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم [ 1/311] :
وأنت ترى عامة كلام أحمد إنما يثبت الرخصة
بالأثر عن عمر ، أو بفعل خالد بن معدان ، ليثبت بذلك أن ذلك كان يفعل على عهد
السلف ، ويقرون عليه ، فيكون من هدي المسلمين ، لا من هدي الأعاجم وأهل الكتاب ، فهذا هو وجه الحجة ، لا أن مجرد فعل خالد بن معدان حجة .اهـ
فنقل
شيخ الإسلام عن الإمام أحمد الاحتجاج بفعل خالد بن معدان وهو تابعي ، وليس فعله حجةً في نفسه وإنما احتج بفعله
مقروناً بسكوت البقية عليه ، فكيف بأثر صحيح عن صحابي يسكت عليه بقية الصحابة أليس
ذلك بأولى بالاحتجاج ؟!
الوجه
الرابع عشر :
أن قول الصحابي إذا لم يعلم مخالف حجة في الأحكام عند كافة أهل السنة كما بسطه ابن
القيم في إعلام الموقعين ، وأمر التفسير أعلى من أمر الأحكام ، إذ أن هناك من قال أن تفسير الصحابي له
حكم الرفع ولم يقولوا ذلك في فتاويهم مع احتجاجهم بها
قال
ابن القيم في إغاثة اللهفان [ 1/240] :
قال
الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك : ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي
الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين : حديث مسند
وقال في موضع آخر من كتابه : هو عندنا في حكم المرفوع
وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول
من تفسير من بعدهم فهم أعلم الأمة بمراد الله عز و جل من كتابه فعليهم نزل وهم أول
من خوطب به من الأمة وقد شاهدوا تفسيره من الرسولعلما وعملا وهم العرب الفصحاء على
الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل.اهـ
فكيف
إذا كان التفسير في أمر غيبي ، ولم يخالفه أحد من بقية الصحابة
الوجه
الخامس عشر :
أن الذين يدفعون آثار الصحابة بحجة أنه من الاسرائيليات أو يحتمل أن تكون من
الاسرائيليات ليس لهم قاعدة مطردة في ذلك بل عامتهم يتناقضون فيقبلون بعض الآثار
دون بعض
فتجد
عامتهم يقبلون أثر [
الكرسي موضع القدمين ] ، ويردون الآثار الأخرى التي لم تقع من أنفسهم موقعاً
حسناً ، مع أن الأمر فيها واحد
وليعلم
أن المعتزلة لما نظروا إلى النصوص بغير عين التعظيم والتوقير ادعوا في كثير منها
التعارض فانبرى لهم علماء أهل السنة وردوا عليهم .
ومن أقدم ما ألف في هذا الباب كتاب ابن قتيبة [ تأويل مختلف الحديث ] ، وإنني لأرى من اعتراضات بعض الإخوة على الآثار الثابتة
عن الصحابة ما يشبه اعتراضات المعتزلة على الأحاديث الصحيحة .
والتي
لو ردوها إلى أهل العلم لفهموا وجهها ، والسبب في ذلك أنهم وضعوا في أذهانهم أنها إسرائيليات ، وأن الصحابة يحدثون عن بني إسرائيل
بالبواطيل دون بيان جازمين بها ، وما تفطنوا لما يلزم من ذلك من لوازم خطيرة .
ثم نظروا لهذه النصوص بتلك العين الناقمة فصاروا
يعترضون عليها في غير محل للاعتراض والله المستعان
الوجه
السادس عشر :
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 6/405] :
وهذا الذى أخبر به ابن مسعود أمر لا يعرفه الا
نبي أو من أخذه عن نبي فيعلم بذلك أن ابن مسعود أخذه عن النبي ولا يجوز أن يكون
أخذه عن أهل الكتاب لوجوه :
أحدها
: أن الصحابة
قد نهوا عن تصديق أهل الكتاب فيما يخبرونهم به فمن المحال أن يحدث ابن مسعود رضي
الله عنه بما أخبر به اليهود على سبيل التعليم ويبني عليه حكماً
الثاني أن ابن مسعود رضى الله عنه خصوصا كان من
أشد الصحابة رضى الله عنهم انكارا لمن يأخذ من أحاديث أهل الكتاب.اهـ
وهذا
ينطبق على بقية الصحابة
الوجه السابع عشر : قال الدارمي في الرد على المريسي [2/ 728] :
كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ
أَنَّ وَكِيعًا سُئل عَنْ حَدِيثِ عبد الله ابْن عَمْرٍو:
الْجَنَّةُ مَطْوِيَّةٌ مُعَلَّقَةٌ
بِقُرُونِ الشَّمْس.
فَقَالَ وَكِيع: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، قَدْ رُوِيَ فَهُوَ يُرْوَى.
فَإِنْ سَأَلُوا عَنْ تَفْسِيرِهِ لَمْ
نُفَسِّرْ لَهُمْ،
وَنَتَّهِمُ مَنْ يُنكره وينازع فِيهِ، والْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ.اهـ
فهذا وكيع ينكر على من رد أثر موقوف على
عبد الله بن عمرو ، ولم يقل هذه إسرائيلية فدل على أن هذا المسلك محدث .
والآن مع الآثار
[ الصحيح المسند من آثار
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ]
[ نسخة وورد ]
[ نسخة مصورة ]