عند أهل العلم باب يسمونه الشمائل المحمدية، وهو باب يذكرون فيه أوصاف النبي ﷺ الخَلقية والخُلُقية.
جمع في ذلك الترمذي كتاباً شهيراً، ومن أجمع التصانيف في الباب كتاب البغوي «الأنوار في شمائل النبي المختار» وكتاب «القفال» وثمة كتب كثيرة في الباب.
هذا الباب باب جليلٌ مغفول عنه في مناظرة منكري السنة ومنكري النبوة.
فقد قال الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم].
وقال سبحانه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب].
فلو كان رسول الله ﷺ على غير هذا الخُلُق العظيم لارتاب المبطلون، ولَوَجد أهل النفاق واليهود باباً للطعن فيه ﷺ ونبوَّته.
ولكن الأمر على ما وُصف في كتب الشمائل أنه اجتمع فيه الشجاعة؛ والحلم؛ والحياء؛ والجود؛ والتواضع؛ والأمانة؛ وصلة الرحم؛ وكثير الذكر لله عز وجل؛ وكثير العبادة، وغيرها من الصفات الجليلة.
وهذا يدل على حفظ السنة أيضاً.
فهذه الأخبار إنما يرويها العلماء ويراقب ذلك الملوك، وقد أمرنا الله عز وجل بالاقتداء بالنبي ﷺ، والعلماء يُحاكَمون إلى سلوكه، وهذا محرج لهم.
فكان يمكنهم حصر دليل النبوة في المعجزة والقرآن ثم يرتاحوا من رواية هذه الأمور.
فإذا تكبَّر الرجل منهم قيل له إن رسول الله ﷺ وهو رسول الله كان متواضعاً ويمشي مع الجارية ويجلس كما يجلس العبد.
وإذا بخل أحدهم وتحجج بالمسئوليات قيل له إن رسول الله ﷺ كان شديد الحياء، حتى إنه لا يمنع أحداً سأله ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وعليه مسئوليات كثيرة وعنده تسعة أبيات، وزوجاته أكثرن من سؤاله النفقة حتى نزل في ذلك قرآن، وكان بيته لا توقد فيه النار أشهراً، وأنتم تملكون ما لم يملكه في حياته قط، فما يبخلكم!
وإذا قال الملك إن الدولة لا تنضبط إلا بالحزم الشديد وأخذ الناس بالتهمة وترك العفو، قيل له إن النبي ﷺ عفا عفواً عظيماً عند فتح مكة وفي مواطن أخرى كثيرة، فما زاده ذلك إلا عزة، وأوصى بالرفق بأُمته.
وهكذا في كل أمر.
وقد كان أصحابه من بعده على أحوال عجيبة تحرج علماء السوء وملوك السوء، فتأمَّل سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلاً، ترى ذلك واضحاً.
فمثل هذه الأمور كان المريح للرؤوس كتمانها، ليرتاحوا من تبعة المحاكمة إليها.
ولو كان الله عز وجل لا يريد منا الاقتداء بأخلاقه لما أثنى على خُلُقه في القرآن ثناءً مجملاً، ثم التفصيل وارد في السنة الشارحة للقرآن، ففي هذا حجية السنة، إذ ذُكر لنا في القرآن معنى إجمالياً لا تفصيل له إلا في السنة، فهذه إحالة عليها.
ومن عجيب ما تواتر في هذا الباب حسن صورته وطيب ريحه ونظافة ملبسه على ما كان عليه من الزهد الشديد، وهذا حال يُتعب أهل العبادة ممن يعسر عليهم الجمع بين الزهد والتقشف وانضباط النظافة، مع هِبات إلهية ككون عرقه يخرج منه ريح المسك.
والبشر بابهم الإفراط أو التفريط، والانضباط لا يطيقه إلا قليل منهم ما لم يضبطه وحي، لذا تجد الراهب في الغالب وسخاً معتزلاً للنساء حسماً للمادة، أو تجد المرء متهتكاً مقبلاً على الدنيا، وأما الاعتدال في الملبس والمأكل والمشرب وقضاء الوطر في الحلال مع العفاف، فهذا حال يشق على أهل الإفراط والتفريط، وهم أكثر البشر (مع أنهم لو تبعوه لوجدوا البركة والغناء ولكن أكثر الناس يتبعون أهواءهم).
قال أبو نعيم الأصبهاني في «دلائل النبوة»: “القول فيما أوتي يوسف عليه السلام فإن قيل: فإن يوسف موصوف بالجمال على جميع الأنبياء والمرسلين بل على الخلق أجمعين. قلنا: إن جمال محمد ﷺ الذي وصفه به أصحابه لا غاية وراءه إذ وصفوه بالشمس الطالعة أو كالقمر ليلة البدر وأحسن من القمر ووجهه كأنه مذهبة يستنير كاستنارة القمر وكان عرقه ﷺ له رائحة كالمسك الأذفر”.