جاء في «السيرة الحلبية» لنور الدين الحلبي [1/20]: “وذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني في تفسيره لبعض الآيات القرآنية عند قوله تعالى {ولله يسجد من في السماوات والأرض} [الرعد. الآية: 15] أن أصل وضع الأصنام إنما هو من قوة التنزيه من العلماء الأقدمين، فإنهم نزهوا الله تعالى عن كل شيء وأمروا بذلك عامتهم، فلما رأوا أن بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الأصنام وكسوها الديباج والحلي والجواهر، وعظموها بالسجود وغيره ليتذكروا بها الحق الذي غاب عن عقولهم، وغاب عن أولئك العلماء أن ذلك لا يجوز إلا بإذن من الله تعالى، هذا كلامه”.
وقال الغزالي في «ميزان العمل» صـ407: “فيناظر كل مسترشد بما يحتمله فهمه فإن وقع له مسترشد تركي أو هندي، أو رجل بليد جلف الطبع، وعلم أنه لو ذكر له أن الله تعالى ليس ذاته في مكان، وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلاً بالعالم ولا منفصلاً عنه، لم يلبث أن ينكر وجود الله تعالى، ويكذب به. فينبغي أن يقرر عنده أن الله تعالى على العرش، وأنه يرضيه عبادة خلقه، ويفرح بها فيثيبهم ويدخلهم الجنة عوضاً وجزاء. وإن احتمل أن يذكر له ما هو الحق المبين يكشف له. فالمذهب بهذا الاعتبار يتغير ويختلف، ويكون مع كل واحد على حسب ما يحتمله فهمه”.
إذا جمعتَ بين كلمة الغزالي في أن اعتقاد الأشاعرة في أن الله لا داخل العالم ولا خارجه قد يأخذ الناس للإلحاد، لأنه عند العامة لا يُفهم منه إلا النفي المحض وصفة العدم.
وكلمة الشعراني في أن (التنزيه) عند الأقدمين هو أساس وضع الأصنام، لأن الناس احتاجوا إلى شيء ليركنوا إليه بعدما جاءهم تنزيه الأقدمين، الذي هو كتنزيه المعطلة (لا داخل العالم ولا خارجه).
تفهم تلك العلاقة -التي دامت لقرون- بين التجهم (نفي الصفات) والقبورية.
وهي أن القوم لمَّا عطلوا تعلقت قلوبهم بالأضرحة، لأن القلوب مجبولة على التوجه للمعبود.
ويا ليت شعري كيف يُزعم أن علم الكلام علم لحفظ عقائد الناس، والناس إذا دخلوا فيه وصلوا إلى مثل هذا!