السعي وراء تخليد الذكر

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

من أعجب الناس عندي ذلك الشخص الذي يفكر بتخليد اسمه في التاريخ مع أنه فان لن يشاهد ذلك الخلود ويستمتع به ، ويهمل زاد القبر ذلك الذي لا بد له من ملاقاته والحساب عليه سواء خلد اسمه في التاريخ أو لم يخلد

فكم من خالد في التاريخ يعرفه الجميع وهو في سخط وعذاب وكم أشعث أغبر مدفوع في الأبواب كما ورد في الحديث لو أقسم على الله لأبره ولا جزاء لمثل هذا عند الكريم إلا النعيم المقيم

وأعجب من هذا من يرى ذلك في الشخص الذي يسعى في تخليد اسمه في التاريخ ويهمل آخرته شخصاً عظيماً ويستحق الاحترام ، مع أننا إذا كنا مهملين للآخرة فالعيش في اللذة في السكينة خير ألف مرة من عيش ملؤه الكد والعناء للحصول على ذلك الخلود الذي لا يستلذ به ولا يمكن للمرء التأكد من وقوعه حتى لأنه فان وقد يأتي بعده من ينسي الناس ذكره

والعجيب أنك تجد كثيراً ممن يرى هذا هو صاحب نظرة مادية للحياة والبحث عن مجد ما بعد الموت شيء يخالف النظرة المادية تماماً بل ينقضها لمن تأمل

وقد نظرت في أحوال الكثير من الصالحين فوجدتهم لما أرادوا ما عند الله جزاهم أن خلد ذكرهم في الدنيا مع أنهم ما أرادوا إلا ما عنده فالفقيه الذي قال لتلميذه لا تخلدن عني كتاباً _ وهو عبيدة السلماني يخاطب تلميذه النخعي _ لا زالت فتاويه وفتاوي تلميذه تملأ الكتب وتنقل بالإسناد ولا يجهلها باحث جاد

والفقيه الذي قال : وَدْدِتُ أن الناس، أو الخلق، تعلّموا هذا العلم على أن لا ينسب إلي منه شيء

وهو الشافعي كان ولا يزال يدرس فقهه في كل أنحاء المعمورة وينتسب له الملايين