الزواج في الزمن القديم

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن عدي في مقدمة الكامل حَدَّثَنَا ابْنُ الْعَرَّادِ، أَخْبَرنا يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ قَال: أُخْبِرتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبد اللَّهِ يَقُولُ: سَمعتُ هُشَيْمًا يَقُولُ: تَزَوَّجْتُ بِأُمِّ شُعْبَة عَلَى أَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، فَكَانَ لَهَا أََرْبَعَةُ بَنِينَ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَلْفًا، وَقَالَ: إِنَّمَا تزوجت لأغنيكم.

أقول : قد يستغرب بعض طلبة الحديث هذه الزيجة لأن شعبة أكبر سناً من هشيم بعامين فكيف يتزوج هشيم أمه

والواقع أن فهم طبيعة الحياة آنذاك يخفف من هذا الاستغراب فقديماً كانت تتزوج المرأة صغيرة حتى لكأن أكبر أبناءها إذا كبر أحد أخوتها بل ربما يبدو وكأنه أخوها الكبير فإذا مات زوجها الأول أو فارقها كانت صالحة للاقتران برجل من جيل أبناءها ما دامت في صحتها وشبابها وكان هذا واقعاً في أمتنا إلى عهد قريب حتى استجاب الجهلة لتعنتات الغربيين

ووجود التعدد آنذاك وسماحة الناس فيه أتاح مجالاً لما يمكن أن نسميه الزواج الأخلاقي الذي تكون له أغراضاً مختلفة عن الأغراض المعتادة للزواج

ذكر المدائني في كتابه المرادفات من قريش أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط والتي كان تزوجها زيد بن حارثة وبعد وفاته تزوجت الزبير ثم طلقها وتزوجها بعده عبد الرحمن بن عوف ثم بعد وفاة عبد الرحمن تزوجها عمرو بن العاص وكانت قد كبرت فقالت يوماً لخباز عمرو: لا تهيئ له طعاماً فإني قد هيأت له غداءه. ودعا عمرو بالغداء، فقال الخباز: أرسلت إليَّ أم كلثوم: لا تكلف شيئاً فقد هيأت له غداؤه. قال: فغدنا فتغدى، فلما فرغوا وخرج من حضر قال لأم كلثوم: لا تعودي فإني لم أتزوجك لتطعميني، وإنما تزوجتك لأطعمك.

وهذا عندي أنه من عمرو محمول على مراعاتها وأنها ليست بحاجة إلى هذا التعب لكي تكون حظية في نفسه فقد تزوجها إحساناً لها ولأيتامها ولكي لا تحرم من شيء كانت تجده في حياة أولئك الأخيار الذين تزوجتهم وهي من المهاجرات الأول فلها حق عظيم