الزهد العمري

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظاً مصبوباً، وعند رأسه أُهُب معلّقة؛ فرأى أثر الحصير في جنبه، فبكى؛ فقال: (ما يبكيك؟) فقال له: “يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله” فقال عليه الصلاة والسلام: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟) متفق عليه.

أحسب أن هذا الموقف أحد أهم أسباب ذلك الزهد العمري العجيب مع أنه كان يملك ما ملك عدة ملوك مجتمعين فما كاتب النبي ملكا إلا وعمر ملك ملكه

فما حمله ذلك على الاستمتاع بالدنيا بل كان يمشي بثوب مرفوع يتخايل له جنب صاحبه وقد أثر به الحصير ويطن في أذنه :أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة

بل أحسب أنه كان بعيدا عن الاحتفال بهذا لما قام في قلبه من الشوق لصاحبيه والتوق للحاق بهما على خير

عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ قَالَ لِمَ قُلْتُ لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ قَالَ هُمَا الْمَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِمَا . رواه البخاري

أحسبه ما قال ( هما المرءان يقتدى بهما ) إلا وقد جاش الشوق في قلبه