الزعم أن الواقع في الكفر لا يكفي لوقوع الكفر عليه معرفته بتحريم هذا الفعل

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

من آخر ما بلغني عن أحد الذين لا أحب أن ينقل لي شيء عنهم وقد تحدثت عنه مراراً وأنا عندي قناعة أنه يبحث من مقدمة نفسية لا علاقة لها بالبحث العلمي

من آخر ذلك قوله : أن الواقع في الكفر لا يكفي لوقوع الكفر عليه معرفته بتحريم هذا الفعل بل لا بد أن يعلم أن هذا الفعل كفر

وهذا القول نسبه ابن تيمية في الصارم المسلول إلى الجهمية

قال الشيخ في الصارم المسلول :” وبالجملة فمن قال او فعل ما هو كفر كفر بذلك وان لم يقصد ان يكون كافرا اذ لا يكاد يقصد الكفر”

وقال أيضاً :” ويجب أن يعلم ان القول بان كفر الساب في نفس الامر انما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة ويرحم الله القاضي ابا يعلي قد ذكر في غير موضع من كتبه ما يناقض ما قاله هنا وإنما اوقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية الاناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى”

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/ 273) :” وَهَؤُلَاءِ الصِّنْفُ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ غَيْرُ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ حَلَفُوا بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ الَّتِي كَفَرُوا بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَصِلُوا إلَى مَقْصُودِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ : هَمُّوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا لَكِنْ { بِمَا لَمْ يَنَالُوا } فَصَدَرَ مِنْهُمْ قَوْلٌ وَفِعْلٌ قَالَ تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } فَاعْتَرَفُوا وَاعْتَذَرُوا ؛ وَلِهَذَا قِيلَ : { لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ إنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ قَدْ أَتَوْا كُفْرًا بَلْ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرِ فَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُفْرٌ يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ بَعْدَ إيمَانِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ إيمَانٌ ضَعِيفٌ فَفَعَلُوا هَذَا الْمُحَرَّمَ الَّذِي عَرَفُوا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَكِنْ لَمْ يَظُنُّوهُ كُفْرًا وَكَانَ كُفْرًا كَفَرُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا جَوَازَهُ وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ”

فهؤلاء قيل لهم ( لا تعتذروا قد كفرتم ) مع أنهم لم يعلموا أن هذا القول كفر بل ظنوا أن اعتذارهم بأنهم يخوضون ويلعبون كاف في دفع هذا عنهم

وهذا أصل عام في الشريعة ففي حديث العسيف الذي زنا بامرأة ذلك الرجل ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم الجلد وألزم المرأة الرجم مع أنهما ما كانا يعرفان تبعة الفعل ولكن كانا يعرفان تحريمه فحسب

والرجل الذي استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في وقوعه على امرأته في نهار رمضان ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة المغلظة مع أنه ما كان يعرفها وإنما كان يعرف أن فعله حرام

وجاء في سيرة الإمام أحمد لابنه صالح :” فَقَالَ لي أَحدهمَا فِي بعض الْأَيَّام فِي كَلَام دَار وَسَأَلته عَن علم الله فَقَالَ علم الله مَخْلُوق قلت يَا كَافِر كفرت”

ولا أعرف فقيهاً يشترط لإقامة الحد أن يعلم الإنسان أن هذا الفعل فيه حد وإنما يشترطون أن يعرف أنها حرام وبعض الحدود يجهلها كثير من العوام كالذي يقام على فاعل عمل قوم لوط وعامة العوام لا يفرق بين قتل الغيلة والقتل الجنائي ولا يعرف تفاصيل التفريق بين قتل شبه العمد وقتل الخطأ ولا يتنازع الفقهاء في تنزيل الحكم على هؤلاء

بل الصحابة سموا مانعي الزكاة الذين قاتلوا على منعها مرتدين مع أنهم عند أنفسهم ليسوا كذلك بل عامة الإسماعيلية الذين يرى الخصم كفرهم هم عند أنفسهم مسلمون ومثلهم القاديانية

فهذا أصل أهل السنة أن فاعل الشرك الخفي يكفي فقط أن يعرف أن هذا الفعل منهي عنه حتى يكفر ظاهراً وباطناً في الحكم الدنيوي وفي الأخروي ، وقد وقع من بعض المعاصرين تطبيقات تخالف هذا التأصيل مع تقريرهم له بالجملة وهذا من باب التناقض الناشيء عن الغفلة وهذا وقع لكبار والله المستعان