الرومانسية عقيدة فلسفية وليست المحبة أو فضيلة أخلاقية

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

اعتاد كثير من الناس في زماننا على مدح كلمة (رومانسية)، وكثيرون يظنون أنها تساوي معنى المودة بين الذكر والأنثى.

وليس الأمر كذلك، بل هي رؤية فلسفية لها أركان خطيرة كان انتشارها بابًا لانتشار العلل النفسية بل وأوصلت بعضهم إلى الكفر، والله المستعان.

قامت الكاتبة “نغم عاصم عثمان” بكتابة رسالة مختصرة عن الرومانسية تتبَّعَت مصادرها التاريخية وعرضت كلام أنصارها ونقَّادها.

وكان مما جاء في تلك الرسالة في ص١١٩: “ولكن الرومانسية حملت أفكارًا ومضامين كثيرة لا تتفق والتصور الإسلامي، وكانت بداية تغريب في شِعرنا العربي الحديث عندما دخلت عليه، فقد حملت الرومانسية معاني اليأس والقلق والغربة والتشاؤم والإحساس بالضياع في شكل مرضي يبدو معه صاحبه وكأنه يجد لذةً في الشكوى، ومتنفسًا في البكاء، ويرى في الألم مطهرة للنفس، ويرى النقاد أن طابع الهروب فيها يمثل محورا عاما يتمثل في عدم التكيف الاجتماعي والنفسي، ولعل أهم تلك الأساليب التي واجهوا بها مجتمعاتهم: الهروب إلى الطبيعة والحب والموت والتشرد الدائم والتجوال الهائم والألم الحاد اليائس الساخط والعزلة في عالم التصوف أو عالم الفكر والتأمل أو عالم الشعر المثالي فقد اقتبس الشعر العربي المعاصر من الرومانسية عشرات الأفكار السقيمة والقيم الهجينة والعواطف المَرضيَّة مما جعل شخصية الشاعر الرومانسي شخصية مهزوزة غير سوية“.

أقول: الذم لبعض المعاني المشار إليها في النص ليس على إطلاقه، فالخلوة بالنفس على سبيل المثال من أحوال الصالحين، وكذلك التفكر في آيات الله أو حتى اعتزال الناس في أزمنة الفتن ومخالطتهم على قدر الحاجة، غير أن الأمر متعلق بالإفراط وباليأس الرومانسي المبني على تكوين فردوس أرضي في الذهن ثم الألم الشديد من الواقع لأنه ليس كذلك، إلى حد إذهاب النفس حسرات وعدم مشاهدة نعم الله على النفس.

وجاء في كلام الكاتبة في ص١٢١ وهي تعدِّد مساوئ الرومانسية: “التهوين من الإثم الفردي: فهي تعد المجتمع مسئولا عن سقوط الفرد، وتحمله وحده تبعية سقوطه، وقد مضى الأدباء يدافعون عن اللصوص والقتلة وغيرهم، ممن توهَّموهم ضحايا أبرياء يحمل الآخرون وزرهم، مسقطين بذلك معايير القيم الأخلاقية والدينية في الحكم على الخاطئين الذين لا يُعفيهم انحراف المجتمع من الذنب“.

أقول: هذه النظرة هي أحد أهم محرِّكات الشبهات الإعذارية التي تتساءل دائمًا عن أحوال الكفار وكيف سيُعذَّبون وقد وُلِدوا لآباء كفار، ويعطِّلون أي اعتبار للفطرة والعقل، وحتى ما ورد في قوله تعالى: {وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا} لا يرونه تفضُّلًا بل ضرورة عدلية، وكثير منهم حتى بعد بلوغ الرسالة يبقى معتذرًا للكافر.

وتتأكد هذه النظرة في شأن (الأنثى).

قالت الكاتبة في ص٦٣: “وأجمع معظم الرومانسيين على أن المرأة ملك هبط من السماء ليطهر قلوبنا” ثم ذكرت رأي الأقلية منهم الذين يرونها شيطانًا!

ولعلك تدرك الآن من أين تولدت أيديولوجيا الضحية وكيف صارت الكثيرات مهيَّئات لقبول خرافة الفكر النسوي.

هذه الأفكار بُثَّت من خلال أعمال درامية وروايات وأغانٍ كثيرة جدًّا، ولا يخفى على أحد انتشارها بين أبناء الجيل دون إدراك عامتهم لأصولها المناقضة للوحي ومِن ثَمَّ للعقل الصحيح، وأورث ذلك الكثيرين انحرافات عقائدية وسلوكية وعللًا نفسية.