قال هاني كشك في كتابه الله جل جلاله :” ولو كان اسم “الرحمن”
مشتقاً من الرحمة لما جاء في سياق العذاب في كل هذه الآيات.. ولجاء في معظم المواضع
ال 56 في سياق الرحمة وهو ما لم يحدث.
وعليه فإنني أميل بشدة إلى رأي السادة العلماء القائلين بأنه غير مشتق
من الرحمة.. بل هو من الأسماء الأعلام الخاصة به سبحانه.. وهو أعلم بمعناه
أما اسم الله “الرحيم” فهو مشتق من الرحمة بلا خلاف”
أقول : هذا قول غريب عجيب فمن أنكر اشتقاق اسم الرحمن أنكر اشتقاق اسم
الرحيم أيضاً ومن أثبت الاشتقاق في أحدهما لزمه في الآخر لظهور اتفاقهما في الجذر اللغوي
كما لا يخفى حتى على الأعاجم
واعلم أن من يزعم أن أسماء الله جامدة كابن حزم وأنها أعلام وليست نعوت
هو من ينكر الاشتقاق ، وفي قوله ( العليم ) بمعنى ( الرحيم ) بمعنى ( الغفور ) بمعنى
( العظيم ) لا فرق بينها من جهة المعنى وهذه قمة المكابرة للحس واللغة
ولهذا نص شيخ الإسلام على أن مذهب ابن حزم في هذه المسألة قرمطة وباطنية
قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصبهانية ص76 :” ومعلوم أن مثل
هذه المقالات سفسطة في العقليات وقرمطة في السمعيات فإنا نعلم بالاضطرار الفرق بين
الحي والقدير والعليم والملك والقدوس والغفور.
وإن العبد إذا قال رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور كان قد أحسن
في مناجاة ربه وإذا قال اغفر لي وتب علي إنك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب لم يكن
محسنا في مناجاته وأن الله أنكر على المشركين الذين امتنعوا من تسميته بالرحمن فقال
تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ
لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ
يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ مَتَابِ} وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً
مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
ومعلوم أن الأسماء إذا كانت أعلاما وجامدات لا تدل على معنى لم يكن فرق
فيها بين اسم واسم فلا يلحد أحد في اسم دون اسم ولا ينكر عاقل اسما دون اسم بل قد يمتنع
عن تسميته مطلقا ولم يكن المشركون يمتنعون عن تسمية الله بكثير من أسمائه وإنما امتنعوا
عن بعضها وأيضا فالله له الأسماء الحسنى دون السوآى وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم
السيء بمعناه فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لا تنقسم
إلى حسنى وسوآى بل هذا القائل لو سمى معبوده بالميت والعاجز والجاهل بدل الحي والعالم
والقادر لجاز ذلك عنده.
فهذا ونحوه قرمطة ظاهرة من هؤلاء الظاهرية الذين يدعون الوقوف مع الظاهر
وقد قالوا بنحو مقالة القرامطة الباطنية في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته مع إدعائهم
الحديث ومذهب السلف وإنكارهم على الأشعري وأصحابه أعظم إنكار”
وليعلم أن اتفاق السلف منعقد على أن الرحمن مشتق من الرحمة
وقد ورد في الحديث أن العبد إذا قال ( الرحمن الرحيم ) يقول الله ( أثنى
علي عبدي ) فكيف يثني عليه باسم جامد لا معنى
فإن قيل : بل له معنى
قلنا : هذه حقيقة الاشتقاق والمعنى متعلق بوصف الرحمة ولا شك
والسلف على قولين في تفسير الرحمن الرحيم
الأول : رحمن الدنيا رحيم الآخرة
والثاني : رحمن بالخلق عامة رحيم بالمؤمنين خاصة
وهذان القولان يدلان على أن اشتقاقهما واحد
قال ابن كثير في تفسيره :” { الرحمن الرحيم } اسمان مشتقان من الرحمة
على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يُفْهِم حكاية الاتفاق
على هذا، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك، كما تقدم في الأثر، عن عيسى عليه السلام،
أنه قال: والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة”
وقال ابن كثير أيضاً :” وقال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرجه
الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته
ومن قطعها قطعته” . قال: وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق”
وأما استدلال هاني كشك بأن اسم الرحمن ورد في بعض سياقات العذاب أو التهديد
فهذا من أسخف الاستدلال ومن غرور المعاصرين الذين يظنون في أنفسهم أنهم سيبلغون من
فهم القرآن ما لم يفهمه السلف ، وينمي هذا الغرور النظر في مثل تفسير الزمخشري وتفسير
الرازي والبحر المحيط لأبي حيان فإن في تفاسيرهم حطاً كثيراً على السلف
والجواب على هذا أن يقال : هذا يكون من باب قرن الترغيب بالترهيب وأن تعذيبه
لأعدائه لا ينافي كونه الرحمن الرحيم ، وأنه مع كونه رحمته وسعت كل شيء إلا أن الكفار
غلبت عليهم شقوتهم
وليحذر المرء من مقالات أهل التعطيل وما تفرع عنها ، وليدم النظر في كتب
السلف وتفاسيرهم .
ولا يغرنك شقشقات المحدثين
وقد كنت أعرضت عن الرد على هاني كشك حتى رأيت من تأثر بكلامه وصار يروج
له في مواقع التواصل الاجتماعي
وقال الله تعالى : ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ
يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
(45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ
عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)
فهذا اسم الرحيم جاء في سياق تخويف فيلزم صاحبنا أن ينكر اشتقاقه ، بل
وينكر اشتقاق الرؤوف من الرأفة
فإن بين وجهه الحق في هذه الآية لزمه أن يحمل الآيات التي ذكر فيها اسم
الرحمن في سياق التخويف والعذاب على ما يفسره هنا.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم