الرد على من أنكر مشروعية التعزير بالسجن

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد رأيت بحثاً لبعضهم ينكر فيه مشروعية التعزير بالسجن ، وهذا بحث يغلب
الدافع النفسي عند الباحث

 وما ينبغي للباحث إذا كان له هوى
في المسألة أن يبحثها أصلاً فضلاً عن أن يتكلف لي أعناق الأدلة من أجل المسألة التي
في رأسه

والحق أن تعزير ( من يستحق ) بالسجن أمرٌ أجمع عليه الفقهاء ولا تختلف
المذاهب الفقهية على جواز استبدال التغريب بالسجن وقد اتخذ عمر السجن وما أنكر عليه
أحد

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/ 136) :” وهذا معنى الحبس
فإنه ليس المقصود بالحبس سكناه فى السجن بل المراد منعه من التصرف المعتاد والنبى صلى
الله عليه و سلم لم يكن له حبس ولا لأبي بكر بل أول من اتخذ السجن عمر وكان النبى يسلم
الغريم إلى غريمه ويقول ما فعل أسيرك فيجعله أسيرا معه حتى يقضيه حقه وهذا هو المطلوب
من الحبس”

قال البخاري في صحيحه بَاب الرَّبْطِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَرَمِ وَاشْتَرَى
نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ
عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ
أَرْبَعُ مِائَةِ دِينَارٍ وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ

2423 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ
فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ
بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ

فالبخاري يرى السجن ويرى الحبس ويستدل لذلك

قال ابن حجر في شرح البخاري (7/313) :” وَصَلَه عَبْد الرَّزَّاق وَابْن
أَبِي شَيْبَة وَالْبَيْهَقِيّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَبْد الرَّحْمَن
بْن فَرُّوخ بِهِ ، وَلَيْسَ لِنَافِع بْن عَبْد الْحَارِث وَلَا لِصَفْوَان بْن أُمِّيَّة
فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ . وَاسْتَشْكَلَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ
التَّرْدِيدِ فِي هَذَا الْبَيْعِ حَيْثُ قَالَ ” إِنْ رَضِيَ عُمَر فَالْبَيْع
بَيْعه ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَان أَرْبَعُمِائَة ” وَوَجَّهَهُ اِبْن
الْمُنِير بِأَنَّ الْعُهْدَةَ فِي ثَمَن الْمَبِيع عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ ذَكَرَ
أَنَّهُ يَشْتَرِي لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ ا ه”

قال عبد الله بن أحمد في مسائله عن أحمد 1590 – حَدثنَا سَأَلت ابي عَن
رجل ابتدع بِدعَة يَدْعُو اليها وَله دعاة عَلَيْهَا هَل ترى ان يحبس

قَالَ نعم ارى ان يحبس وتكف بدعته عَن الْمُسلمين

فهذا نص لأحمد في مسألة حبس المبتدع ، ولا أعلم له مخالفاً

وقال الشاطبي في الاعتصام (1/226) :” فَخَرَجَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا
تَكَلَّمَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ أَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا: الْإِرْشَادُ، وَالتَّعْلِيمُ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ ; كَمَسْأَلَةِ
ابْنِ عَبَّاسٍ

حِينَ ذَهَبَ إِلَى الْخَوَارِجِ، فَكَلَّمَهُمْ، حَتَّى رَجَعَ مِنْهُمْ
أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَسْأَلَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ
غَيْلَانَ، وَشِبْهُ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: الْهُجْرَانُ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ; حَسْبَمَا
تَقَدَّمَ عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي هُجْرَانِهِمْ لِمَنْ تَلَبَّسَ بِبِدْعَةٍ،
وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قِصَّةِ صَبِيغٍ.

وَالثَّالِثُ: كَمَا غَرَّبَ عُمَرُ صَبِيغًا، وَيَجْرِي مَجْرَاهُ السَّجْنُ،
وَهُوَ:

الرَّابِعُ: كَمَا سَجَنُوا الْحَلَّاجَ قَبْلَ قَتْلِهِ سِنِينَ عِدَّةً.

وَالْخَامِسُ: ذِكْرُهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَإِشَاعَةُ بِدْعَتِهِمْ
; كَيْ يُحْذَرُوا; وَلِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَلَامِهِمْ; كَمَا جَاءَ عَنْ كَثِيرٍ
مِنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ.

السَّادِسُ: الْقَتْلُ إِذَا نَاصَبُوا الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ
; كَمَا قَاتَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَوَارِجَ وَغَيْرُهُ مِنْ خُلَفَاءِ
السُّنَّةِ.

وَالسَّابِعُ: الْقَتْلُ إِنْ لَمْ يَرْجِعُوا مِنَ الِاسْتِتَابَةِ، وَهُوَ
قَدْ أَظْهَرَ بِدْعَتَهُ، وَأَمَّا مَنْ أَسَرَّهَا وَكَانَتْ كُفْرًا أَوْ مَا يَرْجِعُ
إِلَيْهِ; فَالْقَتْلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ، وَهُوَ الثَّامِنُ; لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ
النِّفَاقِ، كَالزَّنَادِقَةِ.

وَالتَّاسِعُ: تَكْفِيرُ مَنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كُفْرِهِ ; كَمَا
إِذَا كَانَتِ الْبِدْعَةُ صَرِيحَةً فِي الْكُفْرِ; كَالْإِبَاحِيَّةِ، وَالْقَائِلِينَ
بِالْحُلُولِ; كَالْبَاطِنِيَّةِ، أَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّكْفِيرِ
بِالْمَآلِ، فَذَهَبَ الْمُجْتَهِدُ إِلَى التَّكْفِيرِ; كَابْنِ الطَّيِّبِ فِي تَكْفِيرِهِ
جُمْلَةً مِنَ الْفِرَقِ، فَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ:

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا يُغَسَّلُونَ إِذَا مَاتُوا،
وَلَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ”

فذكر التعزير بالسجن

وهذا لا يعني إقرار السجن بالظلم ، ولا إقرار تعذيب امريء مسلم ، غير أن
وجود بعض الممارسات الخاطئة لا يعني إنكار الفعل المشروع كردة فعل

ويبنغي أن ينظر في مسألة جعل المجرمين مع بعضهم البعض في سجن واحد يتعلم
بعضهم من بعض

جاء في ذيل طبقات الحنابلة على لسان الوزير ابن هبيرة :” فأما الحبس الذي هو الآن فإني لا أعرف أنه يجوز عند أحد من المسلمين. وذلك أنه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء والصلاة، ويتأذون بذلك بحره وبرده. فهذا كله محدث. ولقد حرصت مرارا على فكه، فحال دونه ما قد اعتاده الناس منه، وأنا في إزالته حريص والله الموفق”

والحال في زماننا أقبح  

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم