قال محمد الحسن ولد الددو في محاضرته ( مسائل الإيمان ) :” ونظراً
لاختلاف هذين المدلولين من ناحية العموم والخصوص كثر الخوض فيهما من لدن التابعين إلى
زماننا هذا، فقد اختلف الناس في تحديد مسمى الإيمان من لدن عصر التابعين إلى وقتنا،
فذهب جمهور التابعين وأتباعهم إلى أن الإيمان بالإطلاق الأول يدخل في مسماه كل الأعمال.
وذهب حماد بن أبي سليمان وعدد معهم من أئمة التابعين من أهل العراق،
وتبعهم على ذلك كثير من أتباع التابعين مثل أبي حنيفة وأتباعه؛ إلى أن المقصود به عمل
القلب فقط.
وهذا الخلاف، وإن كان قد اشتهر وانتشر وكثر الكلام فيه إلا أن الذهبي
وشيخ الإسلام ابن تيمية ذكرا أنه خلاف لفظي؛ لأن الجميع لا يختلفون في أن من صدق بقلبه
ولم يتبع ذلك أي عمل أنه لا يتقبل منه، ولا يختلفون كذلك في أن من كان في قلبه مثقال
ذرة من إيمان سيخرج من النار يوم القيامة، ولا يختلفون كذلك في أن هذه الأعمال شرطها
الإيمان، فمن لم يكن مؤمناً بقلبه لا يتقبل الله منه أي عمل ولا ينفعه ذلك في شيء،
فالخلاف إذاً خلاف لفظي.
لكن بعض الناس توهم أن الذين قالوا بالإطلاق الأخص للإيمان يقصدون بذلك
مذهب المرجئة، فالمرجئة قوم بالغوا في ردة الفعل على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب،
فكانوا يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهؤلاء لم يقصدوا
هذا المعنى ولا أرادوه وإنما أرادوا تفسير النصوص الشرعية، وفسروا الإيمان بمعناه الخاص
الذي تدل عليه آية الحجرات، ويدل عليه حديث جبريل، ويدل عليه حديث سعد بن أبي وقاص
.
والآخرون أخذوا بالجانب الآخر، أعني بالإطلاق الأول العام الذي يدل
عليه عدد كبير من الأحاديث مثل حديث عبد القيس ، ومثل حديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة)،
ومثل حديث: (دعه فإن الحياء من الإيمان)، ومثل حديث: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً)،
ومثل حديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً)، وحديث: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً)؛
كل هذا يقتضي أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان.
ومع هذا فقد أخطأ بعض المتأخرين حين صنف أولئك الأئمة من التابعين وأتباعهم
بأنهم مرجئة الفقهاء، وهذا الاسم خطأ في حد ذاته؛ لأن فيه جراءة على هؤلاء الأئمة من
السلف الذين هم أبعد شيء عن الإرجاء، فلا ينبغي أن يوصفوا بشيء لم يقولوه، والذي قالوه
إنما هو تفسير للنصوص باعتبار الاستدلال الذي ذكرناه، ويعتمدون في ذلك على نصوص صريحة
صحيحة مثل آية الحجرات، وحديث سعد بن أبي وقاص ، وحديث جبريل”
أقول : هذا خلط وخبط ، ومخالفة لإجماع المسلمين وبيان ذلك من وجوه
الأول : أن تسميتهم بالمرجئة اتفق عليه السلف ، وليس من ( إحداث المتأخرين
) كما يزعم هذا الجاهل ، بل ظهرت هذه التسمية من زمن التابعين
قال عبد الله بن أحمد في السنة 594 : حدثني أبي ، نا هاشم بن القاسم
، عن محمد يعني ابن طلحة ، عن سلمة بن كهيل ، قال :
وصف ذر الإرجاء وهو أول من
تكلم فيه ، ثم قال : إني أخاف أن يتخذ هذا دينا ، فلما أتته الكتب من الآفاق قال فسمعته
يقول بعد : وهل أمر غير هذا ؟
وذر بن عبد الله هذا كوفي ، وهو أعلى طبقةً من الجهم فإنه من كبار أتباع
التابعين ، وكان عنده من العلم ما حمل بعض الفقهاء كحماد بن سليمان وغيره على اتباعه
، بخلاف الجهم بن صفوان فإن الناس كانوا نافرين عنه لقبح مقالاته وقلة علمه
قال ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 324) :” قد جامعتنا
في هذا المرجئة كلها على أن الإقرار باللسان من الإيمان إلا فرقة من الجهمية كفرت عندنا
، وعند المرجئة بزعمهم أن الإيمان هو المعرفة فقط بعد شهادة الله على قلوب من سماهم
كافرين بأنهم عارفون فضادوا خبر الله ، وسموا الجاحد بلسانه العارف بقلبه مؤمنا ، وأقرت
المرجئة إلا هذه الفرقة أن الإقرار من الإيمان وليس هو منه عمل القلب”
ومرجئة الفقهاء أقدم في الظهور من مرجئة الجهمية لهذا إذا أطلق السلف
المرجئة أرادوا مرجئة الفقهاء
قال ابن سعد في الطبقات 9192: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ، قَالَ :
حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَ
إِبْرَاهِيمَ الْمُرْجِئَةُ فَقَالَ : وَاللَّهِ إِنَّهُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ.
أقول : وهذا إسنادٌ صحيح ، وإبراهيم النخعي أعلى طبقةً من ذر الهمداني
الذي أحدث الإرجاء ولم يدرك بدعة الجهمية لذا لا يحفظ له كلامٌ فيها ، بل يريد هنا
إرجاء الفقهاء الذي وقع فيه فيما بعد تلميذه حماد بن أبي سليمان ، ويبعد أن يطلق النخعي
كلمةً شديدة كهذه في قومٍ يراهم من أهل السنة ، أو أبعد شيء عن الإرجاء
قال عبد الله بن أحمد في السنة 541 : حدثني أبي ، نا إسماعيل ، عن أيوب
، قال : قال سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكرا ذاك له : لا تجالس
طلقا يعني أنه كان يرى رأي المرجئة .
وسعيد بن جبير من شيوخ ذر الذين نسب إلى إحداث الإرجاء
قال الخلال في السنة وهو يحكي كتاب الإيمان للإمام أحمد 1354 : حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لِذَرٍّ:
مَا هَذَا الرَّأْيُ قَدْ أَحْدَثْتَ بَعْدِي؟ وَالزُّبَيْرُ بْنُ السَّيْقَلِ
يُغْنِيكُمْ بِالْقُرْآنِ؟.
قال اللالكائي في السنة أخبرنا محمد بن المظفر المقرئ ، قال : حدثنا
الحسين بن محمد بن حبش المقرئ ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال
: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء في
جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا فذكرا اعتقاداً ومما جاء فيه :” فمن
قال : إنه مؤمن حقا فهو مبتدع ، ومن قال : هو مؤمن عند الله فهو من الكاذبين ، ومن
قال : هو مؤمن بالله حقا فهو مصيب . والمرجئة والمبتدعة ضلال”
أقول : وهذه مقالة جميع المرجئة
قال عبد الله بن أحمد في السنة 534 : حدثني أبي ، نا حجاج ، سمعت شريكا
: وذكر المرجئة ، فقال هم أخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثا ولكن المرجئة يكذبون على الله
تعالى
وكان شريك شديداً على المرجئة ، حتى أنه لم يقبل شهادة أبي يوسف
قال الخلال في السنة 1024: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ , قَالَ
: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ
, قَالَ : شَهِدَ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ شَرِيكٍ بِشَهَادَةٍ , فَقَالَ لَهُ : قُمْ
, وَأَبَى أَنْ يُجِيزَ شَهَادَتَهُ , فَقِيلَ لَهُ : تُرَدُّ شَهَادَتُهُ , فَقَالَ
: أُجِيزُ شَهَادَةَ رَجُلٍ يَقُولُ : الصَّلاَةُ لَيْسَتْ مِنَ الإِيمَانِ ؟.
قال الخلال في السنة 974: أَخْبَرَنِي
حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ , قَالَ
: الرَّجُلُ يَقُولُ : أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا ؟ قَالَ : هُوَ كَافِرٌ حَقًّا.
975: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ دَاوُدَ , قَالَ : حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ
بْنَ حَنْبَلٍ , يَقُولُ : لاَ يُعْجِبُنَا أَنْ نَقُولَ : مُؤْمِنٌ حَقًّا , وَلاَ
نُكَفِّرُ مَنْ قَالَهُ.
أقول : قول إسحاق بالتكفير لا أعلم أحداً تابعه عليه ، والمقالة ذكرها
مقالة جميع فرق المرجئة
فإذا زعمنا كما زعم الددو أن تسميتنا لهم ب( المرجئة ) ظلم فقد اتهمنا
السلف جميعاً بالظلم ، وإسقاط مرجئة الفقهاء أهون من إسقاط من تكلم فيهم
الثاني : أن جميع من صنف في الملل والنحل ، سماهم ( مرجئة )
قال ابن حزم في الفصل في الملل والنحل (1/ 197) :” فرق المقرين
بملة الإسلام خمسة وهم أهل السنة والمعتزلة والمرجئية والشيعة والخوارج ثم افترقت كل
فرقة من هذه على فرق وأكثر افتراق أهل السنة في الفتيا ونبذ يسيرة من الاعتقادات سننبه
عليها إن شاء الله تعالى ثم سائر الفرق الأربعة التي ذكرنا ففيها ما يخالف أهل السنة
الخلاف البعيد وفيهم ما يخالفهم الخلاف القريب فأقرب فرق المرجئية إلى أهل السنة من
ذهب مذهب أبي حنيفة الفقيه إلى أن الإيمان هو التصديق باللسان والقلب معاً وأن الأعمال
إنما هي شرائع الإيمان وفرائضه فقط”
وقال الشهرستاني في الملل والنحل ص37 :” كان يقال لأبي حنيفة وأصحابه:
مرجئة السنة. وعده كثير من أصحاب المقالات: من جملة المرجئة؛ ولعل السبب فيه: أنه لما
كان يقول: الإيمان: هو التصديق بالقلب، وهو لا يزيد، ولا ينقص: ظنوا أنه يؤخر العمل
عن الإيمان. والرجل مع تخريجه في العمل كيف يفتي بترك العمل؟!”
والشهرستاني أشعري متخبط ولا يقبل قوله ( مرجئة أهل السنة ) ، ولكن
الددو ينكر تسميتهم ب( المرجئة ) سواء ( مرجئة أهل السنة ) أو ( مرجئة أهل البدعة
)
الثالث : قوله أنهم أخطأوا في فهم النصوص ، هذا قد يقال في جميع أهل
البدع ، فما من مبتدع إلا وعنده نصوص يزعم أنها تدل على مقصوده ، حتى الخوارج الذين
خرجوا على الصحابة ووردت السنة بذمهم ، كان عندهم ما يزعمون أنه أدلة على قولهم
وقال أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني في كتاب الجامع ص121 : “
ومن قول أهل السنة : أنه لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة لأن الخوارج اجتهدوا في
التأويل فلم يعذروا “
يعني في المسائل الواضحة الجلية ومنها مسائل الاعتقاد
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 3644 : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ،
ثنا مُوسَى بْنُ مُحْكَمٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ،
قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا
لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} فَقَالَ: يُعْذَرُ مَنْ حَاجَّ بِعِلْمٍ، وَلَا يُعْذَرُ مَنْ
حَاجَّ بِالْجَهْلِ
ومرجئة الفقهاء خالفوا الأدلة القطعية المتكاثرة على زيادة الإيمان
ونقصانه ، ودخول العمل في مسمى الإيمان
وإذا تركنا الإنكار عليهم بعد هذه المخالفة للنصوص ، للزمنا ترك الإنكار
على من يفضل علي على الصديق ، وعلى كل من خالف نصاً
وقول مرجئة الفقهاء مع مخالفته للنص فيه مكابرة للحس فإن زيادة الإيمان
ونقصانه أمرٌ محسوس لا ينكره إلا من كابر الحس
الرابع : أن مرجئة الفقهاء يذمون أهل السنة ويسمونهم ( الشاكة ) وصرح
متأخروهم بتكفير من يستثني في الإيمان وهو قول أهل السنة والأشاعرة
قال ابن الهمام في فتح القدير (3/397) :” وقال الرستغفني : لا
تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال والفضلي ولا من قال أنا مؤمن إن شاء الله لأنه
كافر ، ومقتضاه منع مناكحة الشافعية ، واختلف فيها هكذا ، قيل يجوز ، وقيل يتزوج بنتهم
ولا يزوجهم بنته .
ولا يخفى أن من قال أنا مؤمن إن شاء الله تعالى فإنما يريد إيمان الموافاة
صرحوا به : يعنون الذي يقبض عليه العبد لأنه إخبار عن نفسه بفعل في المستقبل أو استصحابه
إليه فيتعلق به قوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } وعلى
هذا فيكون قوله إن شاء الله شرطا لا كما يقال إنه لمجرد التبرك ، وكيف كان لا يقتضي
ذلك كفره غير أنه عندنا خلاف الأولى ، لأن تعويد النفس بالجزم في مثله ليصير ملكة خير
من إدخال أداة التردد في أنه هل يكون مؤمنا عند الموافاة أو لا ؟”
قلت : ها أنت ترى الخلاف واقعاً بين الحنفية في إسلام الأشاعرة فذهب
الرستغفني إلى كفرهم لقولهم بالإستثناء
ورد عليه ابن الهمام بأنهم إنما يعنون الموافاة وهذا لا يتناقض مع إرجاء
الفريقين
فمعنى الموافاة ما يوافي به المرء ربه من إسلام أو كفر فالكلام واقعٌ
على ما يقع في المستقبل لا حاله الآن ، والمرجئة لا ينكرون امكانية ارتداد المسلم ولكنهم
ينكرون نقصان الإيمان وتبعضه
وعليه فإن مأخذ الأشاعرة في الإستثناء لا يتنافى مع إرجائهم ، ويكون
هذا العذر غير صالح للاستخدام مع أهل السنة فإن مأخذهم في الاستثناء تبعض الإيمان
وقال الخلال في السنة 1066: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ
الْحَمِيدِ , أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِهِ وَرَأْيِهِ فِي :
مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ؟ قَالَ : أَقُولُ : مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَمُؤْمِنٌ
أَرْجُو , لأَنَّهُ لاَ يُدْرَى كَيْفَ أَدَاؤُهُ لِلأَعْمَالِ , عَلَى مَا افْتُرِضَ
عَلَيْهِ , أَمْ لاَ ؟.
الخامس : أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يقل أن الخلاف مع مرجئة الفقهاء
كله لفظي ، بل قال أكثره
شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/ 394) :” وهذه الشبهة التي
أوقعتهم مع علم كثير منهم وعبادته وحسن إسلامه وإيمانه ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء
جماعة هم عند الأمة اهل علم ودين ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحدا من مرجئة الفقهاء
بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال لا من بدع العقائد فإن كثيرا من النزاع فيها
لفظي”
هذا مع نقله اتفاق السلف على تبديعهم
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (10/ 748) :” وَالْقَاضِي
بَنَاهَا عَلَى أَصْلِهِ فِي ” الْإِيمَانِ ” الَّذِي اتَّبَعَ فِيهِ جَهْمًا
وَالصَّالِحِيَّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَنَّ
الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَلَوْ كَذَّبَ بِلِسَانِهِ وَسَبَّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ بِلِسَانِهِ وَإِنَّ سَبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إنَّمَا هُوَ كُفْرٌ فِي
الظَّاهِرِ وَأَنَّ كُلَّمَا كَانَ كُفْرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ
أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَهَذَا أَصْلٌ فَاسِدٌ فِي الشَّرْعِ
وَالْعَقْلِ حَتَّى إنَّ الْأَئِمَّةَ : كَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ كَفَّرُوا مَنْ قَالَ فِي ” الْإِيمَانِ
” بِهَذَا الْقَوْلِ ؛ بِخِلَافِ الْمُرْجِئَةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ
: هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَحَدٌ
مِنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا بَدَّعُوهُمْ “
ومع تصريحه أن قولهم من أفحش الخطأ
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/556) :” وَ ” السَّلَفُ
” اشْتَدَّ نَكِيرُهُمْ عَلَى الْمُرْجِئَةِ لَمَّا أَخْرَجُوا الْعَمَلَ مِنْ
الْإِيمَانِ وَقَالُوا إنَّ الْإِيمَانَ يَتَمَاثَلُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ
قَوْلَهُمْ بِتَسَاوِي إيمَانِ النَّاسِ مِنْ أَفْحَشِ الْخَطَأِ بَلْ لَا يَتَسَاوَى
النَّاسُ فِي التَّصْدِيقِ وَلَا فِي الْحُبِّ وَلَا فِي الْخَشْيَةِ وَلَا فِي الْعِلْمِ؛
بَلْ يَتَفَاضَلُونَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ”
السادس : أن الحقيقة اللغوية للفظ ( إرجاء ) ينطبق على حال المرجئة
فإن الإرجاء هو التأخير ، وهم أخروا العمل من مسمى الإيمان فأثبتوا إيماناً كاملاً
بدون عمل فكيف يقال بعد ذلك أنهم أبعد الناس عن الإرجاء ؟!
وهنا تنبيه : عامة
السلف يسمونهم ( المرجئة ) ولا يقولون ( الفقهاء ) فعكس الددو المسألة وقد سمى أبو عبيد القاسم بن سلام المرجئة من غير أهل الرأي والجهمية ب( الفقهاء )
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم