قال عمر عبد العزيز قرشي في كتابه سماحة الإسلام ص105 :” وليست هناك
خصومات مسلحة بين الإسلام والمسيحية ، سواءً كانت المسيحية كما يتصورها المسلمون ديانة
توحيد حمل رسالتها النبي الإنسان (( عيسى ابن مريم )) أو كانت ديانة تثليث تقوم على
الألوهية في البشر وافتداء ابن الإله بدمه خطايا بني آدم “
إلى أن قال :” أما المسيحية بالمعنى الثاني فهي فكرة قبلها أصحابها
وراجت لديهم ، ونحن وإن كنا ننكرها إنكاراً تاماً فلسنا بمرغمي أحد على اطراح ما يعتقد
ولا يجوز أن نلجأ إلى إكراه مادي أو أدبي لتحويل أتباع دين عن دينهم
“
ثم قال :” إن الخصومة المسلحة إنما تنشب يوم تتحول المسيحية إلى صليبية
عنيدة “
أقول : المصيبة أن هذا الكتاب قدم له عائض القرني وعبد الرحمن العشماوي
وفي هذا الكلام مصائب
أولاً : لا يجوز تسمية النصارى ب( المسيحيين ) فالمسيح بريء منهم ولم يأتِ
نص بتسميتهم ب( المسيحيين ) وإنما سموا في النصوص ب( النصارى )
ثانياً : تقسيم النصارى إلى صليبيين وغير صليبيين ، واليهود إلى صهاينة
وغير صهاينة تقسيم حادث اخترعه القوميون لا أصل له في النصوص
ثالثاً : في هذا الكلام إلغاء لجهاد الطلب
قال البخاري في صحيحه 25 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ
قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ
النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا
مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى
اللَّهِ
وهذا حديث متواتر وعليه إجماع أهل العلم فلا فرق في هذا بين النصراني والصليبي
على تقسيم القوم ما داموا كفاراً
فإن لم يرضوا بترك النصرانية فعليهم القبول بأحد أمرين إما القتال وإما
الجزية
والجزية إذلال وصغار
قال الله تعالى : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا
بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ
دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ
يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
وعليهم بالرضا بشروط المسلمين المعروفة بالشروط العمرية ، والتي فيها أنهم
لا يضربون ناقوساً ولا يظهروا شعائر دينهم ، وأن يلبسوا الغيار وألا يركبوا مراكب المسلمين
وغيرها من صور الإذلال والصغار
قال السيوطي في الاكليل :” قوله تعالى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ}
قال ابن عباس ويلكزون أخرجه ابن أبي حاتم وأخرج عن المغيرة أنه قال لرستم
أدعوك إلى الإسلام أو تعطي الجزية وأنت صاغر، قال أما الجزية فقد عرفتها فما قولك وأنت
صاغر قال تعطيها وأنت قائم أنا جالس والسوط على رأسك وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيت
قال أحب لأهل الذمة أن يتعبوا في أجاء الجزي لقوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ
يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}
فاستدل بها من قال إنها تؤخذ بإهانة فيجلس الآخذ ويقوم الذمي ويطأطئ رأسه
ويحني ظهره ويصعها في الميزان ويقبض الآخذ لحيته ةيضرب لهزمته، ويرد به على النووي
حيث قال إن هذه الهيئة باطلة “
وهذا معنى ( لا إكراه في الدين ) عند جماعة من السلف ، وغيرهم رأى رأى
الآية منسوخة بسورة براءة
وهذا من رحمة الله بهم فقد كفروا كفراً عظيماً
قال الله تعالى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ
جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ
الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا
(91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)
وهذا الكفر جريمة عظيمة فالتضييق عليهم حتى يتركوا هذا الكفر رحمة بهم
، وإلا لو ماتوا على هذا الكفر فإن لهم عذاب جهنم خالدين فيها ، وكل عذاب الدنيا لا
شيء أمام هذا العذاب لهذا كانت الدنيا جنة الكافر
وليس من السماحة في شيء أن نقر الكافر على كفره ، ونتركه يسير إلى جهنم
ولا ننبهه ولا نرده عن هذا الذي هو فيه
قال الحاكم في المستدرك 7068 : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ الْعَدْلُ
، ثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ كَثِيرٍ ، ثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الْأَشْجَعِيِّ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ
، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةِ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ” تَجُرُّونَهُمْ بِالسَّلَاسِلِ فَتُدْخِلُونَهُمُ
الْإِسْلَامَ “
وهؤلاء يريدون تجريد الأمة من وصف الخيرية فيها
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (2/ 281) :” ولهذا قال بعض ملوك الهند
وقد ذكرت له الملل الثلاث فقال : أما النصارى فإن كان محاربوهم من أهل الملل يحاربونهم
بحكم شرعي فإني أرى ذلك بحكم عقلي وإن كنا لا نرى بحكم عقولنا قتالا ولكن أستثني هؤلاء
القوم من بين جميع العوالم لأنهم قصدوا مضادة العقل وناصبوه العداوة وحلوا ببيت الاستحالات
وحادوا عن المسلك الذي انتهجه غيرهم من أهل الشرائع فشذوا عن جميع مناهج العالم الصالحة
العقلية والشرعية واعتقدوا كل مستحيل ممكنا وبنوا على ذلك شريعة لا تؤدى ألبتة إلى
صلاح نوع من أنواع العالم إلا أنها تصير العاقل إذا تشرع بها أخرق والرشيد سفيها والمحسن
مسيئا لأن من كان أصل عقيدته التي جرى نشوءه عليها : الإساءة إلى الخالق والنيل منه
ووصفه بضد صفاته الحسنى فأخلق به أن يستسهل الإساءة إلى المخلوق مع ما بلغنا عنهم من
الجهل وضعف العقل وقلة الحياء وخساسة الهمة فهذا وقد ظهر له من باطلهم وضلالهم غيض
من فيض وكانوا إذ ذاك أقرب عهدا بالنبوة “
تأمل هذا الكلام كما أنفسه ، وما أقواه في الرد على من يحرفون الإسلام
باسم الكلام عن سماحة الإسلام والله المستعان
وليس مستغرباً أن يصدر هذا من دعي ثقافة ولكن المصيبة أن يقره من يسمون
أنفسهم بالدعاة ك ( عائض القرني ) و عبد الرحمن العشماوي
والعجيب أن هذا الدكتور المحرف للإسلام استدل بقوله تعالى ( فمن شاء فليؤمن
ومن شاء فليكفر ) على حرية الاعتقاد
وهذه الآية سيقت مساق التهديد بإجماع المفسرين ولو كانت تقتضي التخيير
لاقتضت سقوط العقاب الأخروي أيضاً وليس فقط العقوبة الدنيوية .
والعقوبة الأخروية ثابتة إجماعاً وبدلالة النصوص القطعية فدل على أن فهم
هذا المحرف باطل .
وكذلك الغاشون الذين قدموا للكتاب
عليهم من الله ما يستحقون
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم