الرد على عبد الله الغليفي في قوله : الخوارج لهم تأويل سائغ وشبهة معتبرة !

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد وقفت على كتاب بعنوان ( العذر بالجهل أسماء وأحكام ) لمؤلفه عبد الله
بن محمد الغليفي ، وقد عرض فيه لمسألة العذر بالجهل ، ولمن سماهم بمرجئة العصر وذكر
من سماتهم أنهم لا يكفرون تارك الصلاة بالكلية ! ، وغيرها
من الأمور ، وأنهم لا شيخ لهم إلا كتبهم

وفي كتابه جهالات وتعديات يصعب العرض لها تفصيلاً وحسبي التعليق على بعض
النقاط

النقطة الأولى : قال الغليفي في ص 174:” ومن ذلك حال السلف مع أهل
التأويل فلم يكفروا الخوارج ولا المرجئة ولا والأشاعرة ولا المعتزلة مع أنهم قالوا
مقالات كفرية تخرج من الملة , لكن منع من كفرهم التأويل السائغ والشبهة المعتبرة”

أقول : هذا الكلام على اختصاره فيه بواطيل وتمييع واضح وبيان ذلك من وجوه

أولها : قوله أن الخوارج لهم تأويل سائغ وشبهة معتبرة باطل ومخالف لإجماع
أهل العلم الذين إذا ذكروا الفروق بين البغاة والخوارج ، ذكروا أن البغاة من قاتلوا
بتأويل سائغ

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 486) :” وَمَنْ اعْتَقَدَ
مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ قِتَالَ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ
قِتَالِ الْبُغَاةِ الْخَارِجِينَ عَلَى الْإِمَامِ بِتَأْوِيلِ سَائِغٍ كَقِتَالِ
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِأَهْلِ الْجَمَلِ وصفين: فَهُوَ
غالط جَاهِلٌ بِحَقِيقَةِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَتَخْصِيصِهِ هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ
عَنْهَا. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ سَاسُوا الْبِلَادَ الَّتِي يَغْلِبُونَ عَلَيْهَا
بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ كَانُوا مُلُوكًا كَسَائِرِ الْمُلُوكِ؛ وَإِنَّمَا هُمْ
خَارِجُونَ عَنْ نَفْسِ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَسُنَّتِهِ شَرًّا مِنْ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ الحرورية وَلَيْسَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ
سَائِغٌ؛ فَإِنَّ التَّأْوِيلَ السَّائِغَ هُوَ الْجَائِزُ الَّذِي يُقِرُّ صَاحِبُهُ
عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَوَابٌ كَتَأْوِيلِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَنَازِعِينَ
فِي مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ. وَهَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَالْإِجْمَاعِ”

تأمل كيف يصف شيخ الإسلام من وصف الخوارج فإن لهم تأويلاً سائغاً بأنه
جاهل بحقيقة الشريعة ، وهذا ينطبق على الغليفي

وتأمل تعريف شيخ الإسلام للتأويل السائغ (فَإِنَّ التَّأْوِيلَ السَّائِغَ
هُوَ الْجَائِزُ الَّذِي يُقِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ إذا لم يكن فيه جواب) ، فهل يجوز
أن نصف من وقع في بدع مكفرة بأنه له تأويل يقر عليه إذا لم يكن فيه جواب !

فالأشاعرة واقعون في عدة بدع مكفرة كقولهم في الإيمان ونفيهم للعلو وللكلام
بحرف وصوت ، والمعتزلة بدعهم المكفرة كثيرة كالقول بخلق القرآن وقولهم في القدر ونفيهم
للرؤية وغيرها كثير

وحتى المرجئة الذين لم يكفرهم عامة أهل العلم ليس تأويلهم سائغاً ولا شبهتهم
معتبرة ، فقد خالفوا أدلة الكتاب والسنة الإجماع والحس

ثانيها : أن الأشاعرة شر من الخوارج الأوائل والمعتزلة شر من الأشاعرة
في أكثر أبواب الصفات ، وقد علمت ما قيل في الخوارج

قال المزي في تهذيب الكمال (30/7) :” وقال أبو بكر بن أبي خيثمة
…. وذكر خبراً

وقال  وحَدَّثَنَا هوذة بن خليفة،
قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنِ الحسن، قال: مر بي أنس بن مالك وقد بعثه
زياد إِلَى أَبِي بَكْرَةَ يعاتبه، فانطلقت معه، فدخلنا عَلَى الشيخ وهو مريض، فأبلغه
عنه، فَقَالَ: إنه يقول: ألم أستعمل عُبَيد الله عَلَى فارس؟ ألم أستعمل روادا عَلَى
دار الرزق؟ ألم أستعمل عبد الرحمن عَلَى الديوان وبيت المال؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ:
هل زاد عَلَى أن أدخلهم النار؟ فَقَالَ أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهدا. فَقَالَ الشيخ:
اقعدوني إني لا أعلمه إلا مجتهدا، وأهل حرورا قد اجتهدوا فأصابوا أم أخطأوا؟ قال أنس:
فرجعنا مخصومين”

وهذا إسناد قوي وقد نقله المزي من تاريخ ابن أبي خيثمة

وقال أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني في كتاب الجامع ص121: ” ومن
قول أهل السنة: أنه لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل
فلم يعذروا”

قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/45) :” بل هم مطبقون متفقون
على انه نفسه فوق العرش وعلى ذم من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من اهل البدع مثل
القدرية والخوارج والروافض ونحوهم “

قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (5/257) :” ولهذا كان
السلف والأئمة يتكلمون في تكفير الجهمية النفاة بما لا يتكلمون به في تكفير غيرهم من
أهل الأهواء والبدع”

وهو هنا يريد الأشاعرة نفاة العلو

وعامة الأشاعرة والمعتزلة يضللون أهل السنة بل يصفونهم بالوقوع في الكفر
، وقد صرح ابن القيم في النونية أنهم إن عذرناهم بالتأويل فلا عذر لهم في ظلم أهل السنة

هبكم عذرتم بالجهالة إنكم … لن تعذروا بالظلم والطغيان

والطعن في قول الرسول ودينه … وشهادة بالزور والبهتان

وكذلك استحلال قتل مخالفيـ … ـكم قتل ذي الإشراك والعدوان

إن الخوارج ما أحلوا قتلهم … إلا لما ارتكبوا من العصيان

وسمعتم قول الرسول وحكمه … فيهم وذلك واضح التبيان

لكنكم أنتم أبحتم قتلهم … بوفاق سنته مع القرآن

وهذا يبطل وجود التأويل السائغ

ثالثها : أن مرجئة الفقهاء لم يكفرهم عامة أهل العلم بخلاف المعتزلة فكل
أهل العلم على تكفيرهم فذكرهم في سياق واحد غلط

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (10/ 748) :” وهو المشهور عن
أبى الحسن الأشعرى وهو ان الإيمان مجرد تصديق القلب ولو كذب بلسانه وسب الله ورسوله
بلسانه وإن سب الله ورسوله إنما هو كفر فى الظاهر وأن كلما كان كفرا فى نفس الأمر فإنه
يمتنع أن يكون معه شىء من تصديق القلب وهذا اصل فاسد فى الشرع والعقل حتى أن الأئمة
كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وأبى عبيدة وغيرهم كفروا من قال فى الإيمان بهذا القول
بخلاف المرجئة من الفقهاء الذين يقولون هو تصديق القلب واللسان فإن هؤلاء لم يكفرهم
أحد من الأئمة وإنما بدعوهم “

ففرق شيخ الإسلام بين قول الأشاعرة في الإيمان وهو كفري وقول مرجئة الفقهاء

ولا يقال أنه أراد بنفي التكفير نفي تكفير الأعيان فإن السلف كفروا عدداً
من الجهمية المعتزلة بأعيانهم ، بل صرح الإمام أحمد بتكفير بعض اللفظية

قال ابن الهادي في بحر الدم :” قال المروذي: قلت لابي عبد الله: إن
الكرابيسي يقول: من لم يقل: لفظه بالقرآن مخلوق فهو كافر، فقال: بل هو كافر، وقال:
مات بشر المريسي وخلفه حسين الكرابيسي، وقال لي: هذا قد تجهم وأظهر الجهمية، ينبغي
أن يحذر عنه وعن كل من ابتعد.

وقال في رواية أبي الحارث وقد سئل عن قول الكرابيسي: إنه يقول: لفظي بالقرآن
مخلوق، فقال: هذا قول جهم.

وقال إسحاق بن إبراهيم: سمعته يقول: أخزى الله الكرابيسي، لا يجالس ولا
يكلم، ولا تكتب كتبه، ولا تجالس من يجالسه.

وقال في رواية شاهين بن السميدع:  الحسين الكرابيسي عندنا كافر”

واعلم – رحمك الله – ان الرواية لا تختلف عن أحمد في عدم جواز الصلاة ومناكحة
والرواية عن اللفظية والجهمية الصرحاء والمعتزلة ، وهذا عليه عامة أهل السنة لهذا لم
يخرج لأحد من اللفظية والجهمية الصرحاء في الكتب الستة

وأما الخوارج ففي تكفيرهم خلاف قديم

قال البخاري في صحيحه 6931 : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا أَتَيَا
أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَأَلَاهُ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا أَدْرِي مَا الْحَرُورِيَّةُ سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ
وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ يَقْرَءُونَ
الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ أَوْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ
مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ إِلَى نَصْلِهِ
إِلَى رِصَافِهِ فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنْ الدَّمِ شَيْءٌ.

قول أبي سعيد الخدري (يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا)
فهم منه جماعة من أهل العلم أنه لا يرى الخوارج من هذه الأمة وأنه يكفرهم

قال ابن حجر في شرح البخاري (19/ 389) :” لَمْ تَخْتَلِف الطُّرُق الصَّحِيحَة
عَلَى أَبِي سَعِيد فِي ذَلِكَ فَعِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي
سَعِيد ” أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ
فِي أُمَّته ” وَلَهُ مِنْ وَجْه آخَر ” تَمْرُق عِنْد فِرْقَة مَارِقَة
مِنْ الْمُسْلِمِينَ ” وَلَهُ مِنْ رِوَايَة الضَّحَّاك الْمِشْرَقِيّ عَنْ أَبِي
سَعِيد نَحْوه ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي
سَعِيد بِلَفْظِ ” مِنْ أُمَّتِي ” فَسَنَده ضَعِيف ، لَكِنْ وَقَعَ عِنْد
مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ بِلَفْظِ ” سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْم
” وَلَهُ مِنْ طَرِيق زَيْد بْن وَهْب عَنْ عَلِيّ ” يَخْرُج قَوْم مِنْ
أُمَّتِي ” وَيُجْمَع بَيْنه وَبَيْن حَدِيث أَبِي سَعِيد بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْأُمَّةِ
فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد أُمَّة الْإِجَابَة وَفِي رِوَايَة غَيْره أُمَّة الدَّعْوَة
، قَالَ النَّوَوِيّ : وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى فِقْه الصَّحَابَة وَتَحْرِيرهمْ الْأَلْفَاظ
، وَفِيهِ إِشَارَة مِنْ أَبِي سَعِيد إِلَى تَكْفِير الْخَوَارِج وَأَنَّهُمْ مِنْ
غَيْر هَذِهِ الْأُمَّة “

الشاهد هو كلام النووي

ومن أدلة القائلين بتكفير الخوارج ما روى البخاري 6935 : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ

وهاتان الفئتان هما فئة علي وفئة معاوية ودعواهما الواحدة هي الإسلام ،
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الخوارج معهم ، وأخرجهم منهم ، فدل على أنهم ليسوا
على هذه الدعوة دعوة الإسلام

وقد يقال دعوة علي ومعاوية هي السنة والإسلام معاً ، والخوارج خرجوا عن
السنة

والقائلون بعدم تكفير الخوارج استدلوا بالأحاديث الواردة وفيها ( من أمتي
) وبسيرة علي معهم وعدم تكفيره لهم

والمراد هنا بيان وجود الخلاف القديم في هذه المسألة

رابعها : قال الغليفي نفسه في كتابه ص103 :” قال عمر بن الخطاب رضى
الله عنه (لا عذر لأحد فى ضلاله ركبها حسبها هدى ولا فى هدى ركبه حسبه ضلاله فقد بينت
الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر) قاله البربهارى فى كتاب شرح السنة وقول هذا الصحابي
الخليفة الراشد الفاروق رضى الله عنه فيه رد على هذه السفاهات والجهالات التى يقول
بها بعض أدعياء السلفية من كفر الصحابة رضى الله عنهم مثل معاذ بن جبل وحاطب,و قدامة
رضى الله عنهم”

وأثر عمر هذا الذي ترد به على أدعياء السلفية ألا ينطبق على المعتزلة والأشاعرة
والخوارج !

والخلاصة في أحوال هؤلاء القوم تكفيراً وتفسيقاً ما قاله ابن القيم في
المدارج (1/ 362) :” وفسق الإعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله ورسوله
واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ولكن ينفون كثيرا مما أثبت
الله ورسوله جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ

ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك

وهؤلاء كالخوارج المارقة وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من
الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم

وأما غالية الجهمية فكغلاة الرافضة ليس للطائفتين في الإسلام نصيب”

فصرح بفسق مقلدتهم وجهالهم

ولم يقل أحد بتكفير معاذ وحاطب وقدامة ، بل هو نفسه يزعم أن حاطباً وقدامة
وقعا في الكفر ودرء عنهما التكفير بالتأويل ! فنقض على نفسه

قال ابن مفلح في الفروع ( 12/450) : قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَالصَّحِيحُ
أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ فَإِنَّا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ
فِيهَا ، كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، أَوْ أَنَّ أَلْفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوقَةٌ
، أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ ، أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ
أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ يَسُبَّ الصَّحَابَةَ تَدَيُّنًا ، أَوْ أَنَّ
الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا
فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ يَدْعُو إلَيْهِ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْكُومٌ
بِكُفْرِهِ ، نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ

وعلى هذا يدل كلام ابن القيم السابق في المدارج ، وطريقة السلف تكفير الأعيان في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة

النقطة الثانية : قال الغليفي في ص30 وهو يعدد مقالات المرجئة المعاصرة
:” ويقولون أن الكفر كفران كفر اعتقاد مخرج من الملة ,وكفر عمل غير مخرج من الملة
.

ويقولون أن الكفر محصور فى الاعتقاد والجحود والاستحلال ,ومقيد بالعلم
وقصد الكفر .

ويقولون أن الكفر لا يقع بالقول ولا بالعمل ولا بالشك ولا بالترك لأنه
محصور فى اعتقاد القلب فقط

ومن أجل هذا الاعتقاد الفاسد بنوا مذهبهم فى عدم تكفير الحاكم المبدل لدين
الله المشرع مع الله ، وتارك الصلاة بالكلية , بل وتارك أعمال الجوارح بالكلية مع القدرة
والتمكن وعدم العجز مسلم عندهم ,ولا يكفرون مرتكب الشرك الأكبر الظاهر الجلى ، ويعذرونه
بالجهل لأنه جاهل بربه لا يعرف التوحيد الذى خلق الله من أجله الخلق وأنزل من أجله
الكتب وأرسل الرسل ليبينوه للناس . وهذا المذهب خليط من الجهمية والمرجئة”

وقد أبان عمن يريد بقوله : :” ، فتجد سلفية الأردن وسلفية الزرقاء
وسلفية ليبيا وسلفية مصر وسلفية اسكندرية وسلفية المنصورة وسلفية القوصية وسلفية أنصار
السنة المحمدية وسلفية المدخلية وسلفية الجامية وكل واحدة من هؤلاء تبدع الأخرى وتفسقها
وتضللها “

أقول : وهذا كذب له قرون ويمكن تعديد أكاذيبه فيما يلي

الكذبة الأولى : قوله أنهم يحصرون الكفر في الاعتقاد كذب ، بل الكفر عندهم
في القول والعمل والاعتقاد فيكفرون من يسب الله عز وجل ومن يسجد للصنم ، وقد وقع من بعضهم ما ذكر الغليفي

الكذبة الثانية : قوله أنهم لا يكفرون بالشك وهذا كذب له قرون ، فإنهم
حتى لو حصروا الكفر في الاعتقاد فإن الشك كفر اعتقادي !

الكذبة الثالثة : قوله أنهم حصروا الكفر بالجحود والاستحلال ، وهذا كذب
أيضاً فهم يرون كفر الاستكبار أيضاً كفر إبليس كفراً مخرجاً من الملة ويرون كفر الشك
وكفر النفاق

الكذبة الرابعة : قوله أنهم لا يرون كفراً بالترك ، وهذا كذب ففيهم من
يكفر تارك الصلاة ، وعامتهم متفقون على أن الممتنع الذي يقال له تصلي أم تقتل فيختار
القتل أنه يموت كافراً ، وأما مسألة تارك الصلاة فاختلف فيها أهل الحديث وهم كلهم يقولون
الإيمان قول وعمل وعدم تكفير تارك الصلاة رواية عن أحمد والمشهور عنه تكفيره ، وهم
لا يختلفون في تكفير تارك الشهادتين

وأصل الخلاف في فهم الأدلة الشرعية ، فهم فهموا من بعض الأدلة عدم تكفير
تارك الصلاة كما فهم غيرهم من أدلة أخرى عدم تكفير تارك الزكاة ، وإن كانت أدلة كفر
تارك الصلاة أقوى وأكثر والله أعلم بل على ذلك إجماع الصحابة غير المدفوع 

ومن الناس من أصل شبهته المغايرة بين العمل والإيمان ولو في بعض المعاني ولا شك أن هذا وقع في الإرجاء 

الكذبة الخامسة : قوله أنهم لا يكفرون إلا من يقصد الكفر وهذا كذب

وقد يقوله كثير منهم ولكنه ليس قولهم جميعاً 

النقطة الثالثة : وقال في ص 51 ناقلاً عن الدكتور سعد العتيبي :”
فهي منهج عقدي فقهي سلوكي ، لا جماعة معينة ولا فردا بشخصه .

2) وأشهر رموز أهل السنة والجماعة على مستوى الأمة الإسلامية بمختلف أطيافها
التي تؤمن بالكتاب والسنة : الأئمةُ الأربعة : أبو حنيفة النعمان ، ومالك ، والشافعي
، وأحمد بن حنبل ، رحمهم الله ؛ فهم رموز السلفية الحقة”

وقال :” وجماهير أتباع المذاهب الأربعة متفقون على منهج السلف في
الفقهيات ، وإن تخلف بعضهم عنه في بعض مسائل الاعتقاد”

أقول : هذا الكلام فيه بواطيل

أولاً : قوله أن السلفية ليس جماعة معينة ولا فرداً بشخصه ، هذا رد على
النبي صلى الله عليه وسلم

قال مسلم في صحيحه 4988- [170-1920] حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
، وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ ، وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي
أَسْمَاءَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ ، لاَ
يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ.

وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ : وَهُمْ كَذَلِكَ.

والطائفة الجماعة من الناس ، وأيضاً حديث الافتراق الذي ذكر فيه الفرقة
الناجية

وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/70) :” قال نعيم بن حماد : يعني
إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة
حينئذ ذكره البيهقي وغيره

وقال أبو شامة عن مبارك عن الحسن البصري قال السنة والذي لا إله إلا هو
بين الغالي والجافي فاصبروا عليها رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى
وهم أقل الناس فيما بقي : الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع
في بدعهم وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا وكان محمد بن أسلم
الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال : ما
بلغني سنة عن رسول الله إلا عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت
من ذلك فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف
الناس فعليكم بالسواد الأعظم فقال : محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم وصدق والله
فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الإجماع وهو السوار الأعظم
وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت
مصيرا “

فهذا ابن القيم يجعل الجماعة والسواد الأعظم في شخص واحد ، وكلام سعد العتيبي
هذا هو عين كلام البوطي حين قال ( السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهباً إسلاميا)

ثانياً : قوله أن أشهر رموز أهل السنة والجماعة أبو حنيفة ! فهذا عجيب
من الغليفي كيف ينقل هذا الكلام وهو يزعم أنه يحارب الإرجاء

فأبو حنيفة كان يرى الإرجاء كما اعترف بهذا الغليفي نفسه في ثنايا رسالته

فهو يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص

ويرى العمل خارجاً عن مسمى الإيمان ، ويرى ترك الاستثناء واجباً

وهو لا يرى عدم كفر تارك الصلاة وتارك أعمال الجوارح فحسب بل يرى أن تارك
أعمال الجوارح بالكلية مؤمن كامل الإيمان !

فإذا كان مع كل هذه الضلالات من أئمة أهل السنة والجماعة ، فما مشكلتك
مع من أسميتهم مرجئة العصر وهم أحسن حالاً منه في المعتقد بكثير

قال يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 96) : حدثنا أبو بكر الحميدي
ثنا حمزة بن الحارث مولى عمر بن الخطاب عن أبيه قال: سمعت رجلاً يسأل أبا حنيفة في
المسجد الحرام عن رجل قال أشهد أن الكعبة حق ولكن لا أدري هي هذه أم لا، فقال: مؤمن
حقاً. وسأله عن رجل قال أشهد أن محمداً بن عبد الله نبي ولكن لا أدري هو الذي قبره
بالمدينة أم لا. قال: مؤمن حقاً – قال أبو بكر الحميدي: ومن قال هذا فقد كفر – .

قال أبو بكر: وكان سفيان يحدث عن حمزة بن الحارث حدثنا مؤمل ابن إسماعيل
عن الثوري بمثل معنى حديث حمزة.

وهذا إسناد صحيح وقد رواه ايضاً اللالكائي في السنة ، وتأمل كيف أنه لم
يصف قائل هذا الكلام بأنه واقع في الكفر حتى ! ، وما سأل هل بلغته الحجة أم تبلغه بل
جزم رأساً أنه مؤمن ، ومع هذا التوسع في العذر بالجهل هم إمام من أئمة أهل السنة والجماعة

والحق أن أئمة أهل السنة والجماعة من ذكرهم السجزي في رسالته إلى أهل زبيد
في الحرف والصوت ص 286:” ووجدنا رواة هذه الأحاديث أئمة المسلمين وصدورهم وعلماءهم4
وثقاتهم خلفاً عن سلف، وهم من أهل العدالة الظاهرة، والمرجوع إليهم وإلى فتاويهم في
الدماء والفروج، كسفيان الثوري، ومالك بن أنس الأصبحي، وحماد بن زيد الأزدي، وسفيان
بن عيينة الهلالي، وعبد الله بن المبارك المروزي، وأمثالهم.

وفي طبقة كل من قبلهم وبعدهم من حاله في العلم والعدالة كحالهم، فغير جائز
أن يكذب خبرهم”

وقال حرب الكرماني في عقيدته :” هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر
وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز
والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أوعاب قائلها فهو
مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم
بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم
العلم فكان من قولهم”

ويضاف إليهم نظراؤهم كالشافعي والليث بن سعد ، وأما أبو حنيفة فلم يذكروه
لما عرف عنه من الإرجاء والقول بالسيف

قول العتيبي الذي أقره الغليفي :” وجماهير أتباع المذاهب الأربعة
متفقون على منهج السلف في الفقهيات ، وإن تخلف بعضهم عنه في بعض مسائل الاعتقاد”

باطل فكثير من أتباع المذاهب الفقهية صاروا على التقليد ومخالفة طريقة
السلف ، وأهل الرأي ( الأحناف ) هم مخالفون لطريقة السلف قديماً وحديثاً

قال الشوكاني في نيل الأوطار (3/355) :” وَهَذَا تَعْوِيلٌ عَلَى
رَأْيٍ فَاسِدٍ حَاصِلُهُ رَدُّ كَثِيرٍ مِنْ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ بِلَا بُرْهَانٍ
وَلَا حُجَّةٍ نَيِّرَةٍ فَكَمْ مَوْطِنٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ يَقُولُ فِيهِ الشَّارِعُ
لَا يُجْزِئُ كَذَا لَا يُقْبَلُ كَذَا لَا يَصِحُّ كَذَا ، وَيَقُولُ الْمُتَمَسِّكُونَ
بِهَذَا الرَّأْيِ يُجْزِئُ وَيُقْبَلُ وَيَصِحُّ وَلِمِثْلِ هَذَا حَذَّرَ السَّلَفُ
مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ “

قال عبد الحليم ابن تيمية والد شيخ الإسلام في المسودة (1/256)
:” [والد شيخنا] فصل:

فى قول أحمد: “لا يروى عن أهل الرأى” تكلم عليه ابن عقيل بكلام
كثير قال في رواية عبد الله أصحاب الرأى لا يروى عنهم الحديث قال القاضي وهذا محمول
على أهل الرأى من المتكلمين كالقدرية ونحوهم.

قلت ليس كذلك بل نصوصه في ذلك كثيرة وهو ما ذكرته في المبتدع ، أنه نوع
من الهجرة فانه قد صرح بتوثيق بعض من ترك الرواية عنه كأبي يوسف ونحوه ولذلك لم يرو
لهم في الامهات كالصحيحين”

أقول : هذا نص مهم يبين فيه والد شيخ الإسلام أن الإمام أحمد كان يدعو
إلى ترك الرواية عن أهل الرأي وإن كانوا ثقات ، وأن هذا من باب هجران المبتدع ، ويمثل
بأبي يوسف القاضي ، وشيخ الإسلام هنا يقر والده ولا يعلق على كلامه بشيء

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (4/207) :” ولا خلاف عنه _ يعني
أحمد _ في أنه لا يستفتي أهل الرأي المخالفون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم –
وبالله التوفيق ولا سيما كثير من المنتسبين إلى الفتوى في هذا الزمان وغيره وقد رأى
رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يبكي فقال ما يبكيك فقال استفتي من لا علم له وظهر في
الإسلام أمر عظيم قال ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق”

وقال حرب الكرماني في عقيدته التي نقل عليها الإجماع :” وأصحاب الرأي:
وهم مبتدعة ضُّلّال أعداء السّنة والأثر يرون الدين رأيًا وقياسًا واستحسانًا، وهم
يخالفون الآثار، ويبطلون الحديث، ويردون على الرسول، ويتخذون أبا حنيفة ومن قال بقوله
إمامًا يدينون بدينهم، ويقولون بقولهم فأي ضلالة بأبين ممن قال بهذا”

وكيف يقال فيمن اتخذ الحيل ديناً أنه على منهج السلف في الفقه ؟!

وليس هذا محل بسط هذه المسألة  والمراد هنا التنبيه والإشارة , ومن أراد البسط
فليراجع كتابي [ الترجيح بين أقوال المعدلين والجارحين في أبي حنيفة النعمان بن ثابت ]

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم