الرد على «حسن أبو الأشبال» في موافقته للأشاعرة في التحسين والتقبيح

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال «حسن أبو الأشبال» في تعليقه على
السنة للالكائي: “استدل المعتزلة على قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين بحديث
عبد الله بن مسعود: (ما رآه المسلمون حسناً فهو حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو
قبيح)، وهو حديث ضعيف، قالوا فلم يقل: ما قضى الله ورسوله أنه قبيح يكون قبيحاً،
وما قضى الله ورسوله أنه حسن يكون حسناً، وإنما قال: (ما رآه المسلمون حسناً فهو
حسن)، وفي رواية: (ما رآه المؤمنون حسناً فهو حسن، وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو
قبيح).

وهذه شبهة المعتزلة، فهم يستدلون بهذا
الحديث، ويهتمون ببيان صحته وثبوته، ولو افترضنا أن الحديث صحيح فمعناه ما رآى
المسلمون اجتهاداً منهم أنه حسن، فيكون الحكم على الشيء بأنه حسن موافق للشرع، ولا
يكون هذا إلا باجتهاد المجتهدين، ومعنى المؤمنون في الحديث أي: المجتهدون من أهل
العلم، فما أجمع عليه العلماء أنه حسن فهو حسن، فيكون حسناً بتحسين الشرع، وقد
أجمع العلماء على تحسين الصلاة، وأنها من الأعمال الحسنة الطيبة، وإجماعهم على
تحسين الصلاة وأنها من العمل الحسن الطيب المبارك مرده إلى الشرع.

وأجمعوا على قبح شرب الخمر، وهذا الإجماع
مرده إلى الشرع.

إذاً: فما رأى المسلمون باجتهادهم
وإجماعهم أنه حسن بتحسين الشرع له فهو عند الله حسن، وما رأى المسلمون المؤمنون
المجتهدون العالمون أنه قبيح بتقبيح الشرع له فهو عند الله قبيح.

فمدار الحسن والقبح عند أهل السنة
والجماعة على النقل لا على العقل خلافاً للمعتزلة”.أ.هـ.

وهذا الذي قرره «حسن أبو الأشبال» هو مذهب
الأشاعرة ! وقد كتبت عدة مرات في هذه المسألة لعموم البلوى بها فكتبت على «عبد
الله رمضان موسى» وعلى «محمود الرضواني» وعلى «الجيزاني» و«سليم الهلالي» فجميعهم
وافق الأشاعرة في هذه المسألة والله المستعان غير أن عبد الله رمضان أرسل رسالة
يذكر فيها التراجع.

قال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح (3/3):
“قد تنازع الناس في حسن الأفعال وقبحها كحسن العدل والتوحيد والصدق وقبح
الظلم والشرك والكذب هل يعلم بالعقل أم لا يعلم إلا بالسمع وإذا قيل أنه يعلم
بالعقل فهل يعاقب منفعل ذلك قبل أن يأتيه رسول على ثلاثة أقوال معروفة في أصحاب
الأئمة وغيرهم وهي ثلاثة أقوال لأصحاب الإمام أحمد وغيرهم فقالت طائفة لا يعرف ذلك
إلا بالشرع لا بالعقل وهذا قول نظار المجبرة كالجهم بن صفوان وأمثاله وهو قول أبي
الحسن الأشعري وأتباعه من أصحاب الأئمة الأربعة كالقاضي أبي بكر بن الطيب وأبي
عبدالله بن حامد والقضي أبي يعلى وأبي المعالي وأبي الوفاء بن عقيل وغيرهم وقيل بل
قد يعلم حسن الأفعال”.أ.هـ.

فهنا شيخ الإسلام ينسب المذهب في أن الحسن
والقبح شرعيان فقط إلى الأشاعرة الجبرية ، وداعي قولهم هذا مع غلوهم بالعقل أنهم
ينفون ينفون الحكمة المعقولة فيقولون حسن الأمور وقبحها معروف بالشرع بمعنى أنه لا
حكمة فيها معقولة لتعلم لعقلاء بني آدم ، وقد كان من الصحابة من ترك الخمر في
الجاهلية كأبي بكر وعثمان ، وهذا زيد بن عمرو بن نفيل علم قبح الشرك وكان موحداً
قبل الإسلام فكان جزاؤه الجنة ، فقول الأشاعرة ظاهره الرحمة وباطنه العذاب لذا
اغتر به كثيرون.

قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (2/42)
وهو يعدد مقتضيات هذا القول القبيح: “واستلزامه التسوية بين التثليث والتوحيد
في العقل وأنه قبل ورود النبوة لا يقبح التثليث ولا عبادة الأصنام ولا مسبة
المعبود ولا شيء من أنواع الكفر ولا السعي في الأرض بالفساد ولا تقبيح شيء من
القبائح أصلا وقد التزم النفاة ذلك وقالوا أن هذه الأشياء لم تقبح عقلا وإنما جهة
قبحها السمع فقط وانه لا فرق قبل السمع بين ذكر الله والثناء عليه وحمده وبين ضد
ذلك ولا بين شكره بما يقدر عليه العبد وبين ضده ولا بين الصدق والكذب والعفة
والفجور والإحسان إلى العالم والإساءة إليهم بوجه ما وإنما التفريق بالشرع بين
متماثلين من كل وجه وقد كان تصور هذا المذهب على حقيقته كافيا في العلم ببطلانه
وأن لا يتكلف رده ولهذا رغب عنه فحول الفقهاء والنظار من الطوائف كلهم فأطبق أصحاب
أبي حنيفة على خلافه وحكوه عن أبي حنيفة نصا واختاره من أصحاب أحمد أبو الخطاب
وابن عقيل وأبو يعلى الصغير ولم يقل أحد من متقدميهم بخلافه ولا يمكن أن ينقل عنهم
حرف واحد موافق للنفاة واختاره من أئمة الشافعية الإمام أبو بكر محمد بن على بن
إسماعيل القفال الكبير وبالغ في إثباته وبنى كتابه محاسن الشريعة عليه وأحسن فيه
ما شاء وكذلك الإمام سعيد بن على الزنجانى بالغ في إنكاره على أبي الحسن الأشعرى
القول بنفي التحسين والتقبيح وأنه لم يسبقه إليه أحد وكذلك أبو القاسم الراغب
وكذلك أبو عبد الله الحليمى وخلائق لا يحصون وكل من تكلم في علل الشرع ومحاسنه وما
تضمنه من المصالح ودرء المفاسد فلا يمكنه ذلك إلا بتقرير الحسن والقبح العقليين إذ
لو كان حسنه وقبحه بمجرد الأمر والنهى لم يتعرض في إثبات ذلك لغير الأمر والنهي
فقط وعلى تصحيح ذلك فالكلام في القياس وتعليق الأحكام بالأوصاف المناسبة المقتضية
لها دون الأوصاف الطردية التي لا مناسبة فيها فيجعل الأول ضابطا للحكم دون الثاني
لا يمكن إلا على إثبات هذا الأصل فلو تساوت الأوصاف في نفسها لانسد باب القياس
والمناسبات والتعليل بالحكم والمصالح ومراعات الأوصاف المؤثرة دون الأوصاف التي لا
تأثير لها”.

ومنهج أهل السنة أن الأمور حسنها وقبحها
يعلم بالشرع والعقل وذلك أن الله عز وجل لا يأمر إلا لحكمة؛ قال شيخ الإسلام كما
في الفتاوى الكبرى (6/611) :” لْحُجَّةُ أَنَّهُمْ نَفَوْا التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ
الْعَقْلِيَّ وَجَعَلُوا أَحْكَامَ الْأَفْعَالِ لَا تُتَلَقَّى إلَّا مِنْ
الشَّرْعِ فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَهُمْ لِلشَّرْعِ وَاتِّبَاعَهُمْ
لَهُ. وَأَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ عَنْهُ لِيَثْبُتَ بِذَلِكَ تَسَنُّنُهُمْ،
وَهَذَا الْأَصْلُ هُوَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُبْتَدَعَةِ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ
يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ الْعَقْلَ لَا
يُحَسِّنُ وَلَا يُقَبِّحُ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ حُسْنُ فِعْلٍ
وَلَا قُبْحُهُ، بَلْ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ حَادِثٌ فِي حُدُوثِ الْمِائَةِ
الثَّالِثَةِ ثُمَّ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ، وَأَهْلِ
الْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ مِنْهَا فَمَا مِنْ طَائِفَةٍ إلَّا وَهِيَ مُتَنَازِعَةٌ
فِي ذَلِكَ”.

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (8/
432) بعد أن تكلم على مذهب المعتزلة في المسألة :” وَأَمَّا الطَّرَفُ
الْآخَرُ فِي ” مَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ ” فَهُوَ قَوْلُ
مَنْ يَقُولُ:

إن الْأَفْعَالَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى
صِفَاتٍ هِيَ أَحْكَامٌ وَلَا عَلَى صِفَاتٍ هِيَ عِلَلٌ لِلْأَحْكَامِ بَلْ الْقَادِرُ
أَمَرَ بِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لِمَحْضِ الْإِرَادَةِ لَا
لِحِكْمَةِ وَلَا لِرِعَايَةِ مَصْلَحَةٍ فِي الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ. وَيَقُولُونَ:
إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ بِالشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَيَنْهَى عَنْ
عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ
وَيَنْهَى عَنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُوصَفُ بِهَا
الْأَحْكَامُ مُجَرَّدُ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةٍ فَقَطْ وَلَيْسَ الْمَعْرُوفُ فِي
نَفْسِهِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ وَلَا الْمُنْكَرُ فِي نَفْسِهِ مُنْكَرًا
عِنْدَهُمْ. بَلْ إذَا قَالَ: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
فَحَقِيقَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِمَا يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ
عَمَّا يَنْهَاهُمْ وَيُحِلُّ لَهُمْ مَا يُحِلُّ لَهُمْ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ
مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ بَلْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّحْلِيلُ
وَالتَّحْرِيمُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَهُمْ لَا مَعْرُوفٌ وَلَا
مُنْكَرٌ وَلَا طَيِّبٌ وَلَا خَبِيثٌ إلَّا أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا
يُلَائِمُ الطِّبَاعَ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عِنْدَهُمْ كَوْنَ الرَّبِّ يُحِبُّ
الْمَعْرُوفَ وَيُبْغِضُ الْمُنْكَرَ. فَهَذَا الْقَوْلُ وَلَوَازِمُهُ هُوَ
أَيْضًا قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِإِجْمَاعِ
السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ أَيْضًا لِلْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ؛
فَإِنَّ اللَّهَ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ. فَقَالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ لَا
يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ كَمَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ
الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا
السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، وَقَالَ: ﴿أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ وَقَالَ: ﴿أَمْ
نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي
الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار﴾ وَعَلَى قَوْلِ الْنُّفَاةِ:
لَا فَرْقَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَبَيْنَ تَفْضِيلِ
بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لَيْسَ تَنْزِيهُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ
تَنْزِيهِهِ عَنْ الْآخَرِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَنْصُوصِ وَالْمَعْقُولِ”.

وقال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (1/214):
“أما الذي جرأه عليهم فإن هؤلاء المتكلمين الذين لا يقولون برعاية الحكمة في
أفعال الله تعالى: كأبي الحسن الأشعري وأصحابه ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب
أحمد رحمه الله وغيرهم: كالقاضي أبي يعلى وأبي الوفاء ابن عقيل وأبي الحسن بن
الزاغوني ونحوهم ممن يوافقهم على هذا وعلى نفي التحسين والتقبيح العقليين مطلقا مع
أن أكثر الذين يوافقونهم من هؤلاء وغيرهم يتناقضون فيثبتون الحكمة في أكثر ما
يتكلمون فيه من هؤلاء وغيرهم يتناقضون فيثبتون الحكمة في أكثر ما يتكلمون فيه من “مسائل
الخلق والأمر” وجمهور الفقهاء يقولون بذلك ويصرح بالتحسين والتقبيح العقليين
طوائفمن الفقهاء كأكثر أصحاب أبي حنيفة وقد ينقلونه عنه وكثير من أصحاب مالك
والشافعي وأحمد كأبي الحسن التميم وأبي الخطاب وكأبي نصر السجزي وأبي القاسم سعد
بن علي الزنجاني وطوائف كثيرة من أهل الحديث والفقه والكلام”.

وقد ناقض الأشاعرة في هذا الباب المعتزلة
والماتردية ، فذهبوا إلى إثبات الحسن والقبح العقليين ، ولكنهم غلوا فرأوا أن
الحجة قائمة بدون إرسال الرسل ، وأن الثواب والعقاب يقعان وإن لم يتم إرسال الرسل
لأن حسن التوحيد وقبح الشرك ثابتان بالعقل.

والقول الوسط أن الحسن والقبح يثبتان في
العقل والفطرة والشرع ، ولكن العقاب متعلق بورود الشرع.

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم