الرد على حاتم العوني في مسألة الخلاف بين أهل الحديث والأشاعرة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد وقفت على كلام حاتم العوني في صفحته في الفيس بوك يزعم فيه أن الأشاعرة
من أهل السنة وأهل الخلاف بينهم وبين أهل الحديث إنما ظهر بعد فتنة القشيري

وهذا جهل منه بالتاريخ وبالعقيدة وإنما قرأ كلاماً لشيخ الإسلام ولم يفهمه
على وجهه

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/53) :” وَ ” الْأَشْعَرِيَّةُ
” فِيمَا يُثْبِتُونَهُ مِنْ السُّنَّةِ فَرْعٌ عَلَى الْحَنْبَلِيَّةِ كَمَا
أَنَّ مُتَكَلِّمَةَ الْحَنْبَلِيَّةِ – فِيمَا يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنْ الْقِيَاسِ
الْعَقْلِيِّ – فَرْعٌ عَلَيْهِمْ؛ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ فِتْنَةِ
القشيري.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ ” الْأَشْعَرِيَّةَ ” الخراسانيين كَانُوا
قَدْ انْحَرَفُوا إلَى التَّعْطِيلِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ زَادُوا فِي
الْإِثْبَاتِ. وَصَنَّفَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى كِتَابَهُ فِي ” إبْطَالِ التَّأْوِيلِ
” رَدَّ فِيهِ عَلَى ابْنِ فورك شَيْخِ القشيري وَكَانَ الْخَلِيفَةُ وَغَيْرُهُ
مَائِلِينَ إلَيْهِ؛ فَلَمَّا صَارَ للقشيرية دَوْلَةٌ بِسَبَبِ السَّلَاجِقَةِ جَرَتْ
تِلْكَ الْفِتْنَةُ وَأَكْثَرُ الْحَقِّ فِيهَا كَانَ مَعَ الفرائية مَعَ نَوْعٍ مِنْ
الْبَاطِلِ وَكَانَ مَعَ القشيرية فِيهَا نَوْعٌ مِنْ الْحَقِّ مَعَ كَثِيرٍ مِنْ الْبَاطِلِ.
فَابْنُ عَقِيلٍ إنَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِ الْمَادَّةُ الْمُعْتَزِلِيَّةُ بِسَبَبِ
شَيْخِهِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ التَّبَّانِ المعتزليين؛
وَلِهَذَا لَهُ فِي كِتَابِهِ ” إثْبَاتِ التَّنْزِيهِ ” وَفِي غَيْرِهِ
كَلَامٌ يُضَاهِي كَلَامَ المريسي وَنَحْوِهِ لَكِنْ لَهُ فِي الْإِثْبَاتِ كَلَامٌ
كَثِيرٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فِي كِتَابِ ” الْإِرْشَادِ
” مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ فِي الْإِثْبَاتِ لَكِنْ مَعَ هَذَا فَمَذْهَبُهُ
فِي الصِّفَاتِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ قُدَمَاءِ الْأَشْعَرِيَّةِ والْكُلَّابِيَة
فِي أَنَّهُ يُقِرُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ وَيَتَأَوَّلُ
غَيْرَهُ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْضُ الْحَنْبَلِيَّةِ أَنَا أُثْبِتُ مُتَوَسِّطًا
بَيْنَ تَعْطِيلِ ابْنِ عَقِيلٍ وَتَشْبِيهِ ابْنِ حَامِدٍ”

أقول : في كلام شيخ الإسلام عدة مسائل

الأولى : أنه قال (وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ فِتْنَةِ
القشيري) بين متكلمي الحنابلة والأشاعرة وليس بين أهل الحديث والأشاعرة وفرق بين متكلمي
الحنابلة وأهل الحديث

وهؤلاء الحنابلة يغاير ابن تيمية بينهم وبين أهل الحديث بل يقول أنهم والسالمية شيء واحد 

 قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/56) :” وَأَمَّا ” السالمية ” فَهُمْ وَالْحَنْبَلِيَّةُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ تَجْرِي مَجْرَى اخْتِلَافِ الْحَنَابِلَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَفِيهِمْ تَصَوُّفٌ وَمَنْ بَدَّعَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَؤُلَاءِ يُبَدِّعُ أَيْضًا التَّسَمِّيَ فِي الْأُصُولِ بِالْحَنْبَلِيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَلَا يَرَى أَنْ يَتَسَمَّى أَحَدٌ فِي الْأُصُولِ إلَّا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذِهِ ” طَرِيقَةٌ جَيِّدَةٌ ” لَكِنَّ هَذَا مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ “


ولا شك أنه يبدع السالمية بل ظاهر كلامه في الدرء عن أبي يعلى الذي عناه بقوله ( الحنبلية ) أنه يراه من النفاة 


فهؤلاء هم الذين كانوا متوالفين مع الأشاعرة قبل فتنة القشيري وقد كانوا جميعاً على طريقة ابن كلاب في الصفات الفعلية 


وهذا يبين كلام ابن تيمية لمن غلط في فهمه من أهل التمييع أو الحاطين على الشيخ لقوله هذا

الثانية : أن الشيخ نفسه نص على أن أبا يعلى رد على ابن فورك شيخ القشيري
في إبطال التأويل وهذا الرد بدع فيه أبو يعلى الأشعرية المؤولة فالخلاف سابق للفتنة
وإنما أراد ابن تيمية ب( الفرقة ) الاقتتال الذي حصل

الثالثة : تنصيص شيخ الإسلام أن الأشعرية الخراسانية مالوا إلى التعطيل
، وهذا تدقيق من شيخ الإسلام إذ أن متقدمي الأشعرية كانوا يثبتون العلو والصفات الذاتية
وأما متأخروهم فزادوا في التجهم نفي العلو ونفي الصفات الذاتية وحاتم العوني بجهله
يسوي بين متقدميهم ومتأخريهم وإن كان كلهم يشملهم اسم البدعة إلا أن المتأخرين بدعتهم
أشنع

قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصبهانية ص78 :” أئمة أصحاب الأشعري
كالقاضي أبي بكر ابن الباقلاني وشيخه أبي عبد الله بن عبد الله بن مجاهد وأصحابه كأبي
علي بن شاذان وأبي محمد بن اللبان بل وشيوخ شيوخه كأبي العباس القلانسي وأمثاله بل
والحافظ أبي بكر البيهقي وأمثاله أقرب إلى السنة من كثير من أصحاب الأشعري المتأخرين
الذين خرجوا عن كثير من قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة.

فإن كثير من متأخري أصحاب الأشعري خرجوا عن قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية
أو الفلاسفة إذ صاروا موافقين في ذلك كما سننبه عليه.

وما في هذا الاعتقاد المشروح هو موافق لقول الواقفة الذين لا يقولون بقول
الأشعري وغيره من متكلمة أهل الإثبات وأهل السنة والحديث والسلف بل يثبتون ما وافقه
عليه المعتزلة البصريون فإن المعتزلة البصريين يثبتون ما في هذا الاعتقاد ولكن الأشعري
وسائر متكلمة أهل الإثبات مع أئمة السنة والجماعة يثبتون الرؤية ويقولون القرآن غير
مخلوق ويقولون: “إن الله حي بحياة عالم بعلك قادر بقدرة” وليس في هذا الاعتقاد
شئ من هذا الإثبات”

فهنا ينص على أن اعتقاد متأخري الأشاعرة لا يختلف عن اعتقاد المعتزلة البصريين

بل صرح شيخ الإسلام أن متأخري الأشاعرة ينفون الرؤية وأن قولهم قول المعتزلة
في الحقيقة

قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (1/360) :” حتى إن أئمة أصحاب
الأشعري المتأخرين كأبي حامد وابن الخطيب وغيرهما لما تأملوا ذلك عادوا في الرؤية إلى
قول المعتزلة أو قريب منه وفسروها بزيادة العلم كما يفسرها بذلك الجهمية والمعتزلة
وغيرهم وهذا في الحقيقة تعطيل للرؤية الثابتة بالنصوص والإجماع المعلوم جوازها بدلائل
المعقول”

وصرح بأن تأويلاتهم هي عين تأويلات المريسي فكيف يقال لم يظهر الخلاف إلا
بعد فتنة القشيري

قال شيخ الإسلام في الفتوى الحموية :” فإنما بيَّنت أن عين تأويلاتهم
هي عين تأويلات المريسي، ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد
الأئمة المشاهير في زمان البخاري، صنف كتابًا سماه: «رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد
فيما افترى على الله في التوحيد» حكى فيه من التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام
يقتضي أن المريسي أقعد بها، وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت
إليهم من جهته، ثم رد عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي: علم حقيقة ما كان
عليه السلف، وتبين له ظهور الحجة لطريقهم، وضعف حجة من خالفهم”

والمريسي أقرب إلى أن أهل السنة في مسائل الإيمان منهم فقد كان على قول
مرجئة الفقهاء وهؤلاء مرجئة غلاة

ويا ليت شعري كيف لحاتم أن يدعي أن الخلاف لم يظهر إلا بعد فتنة القشيري
وأهل الحديث أنكروا على الأشعري والباقلاني

فقصة البربهاري مع الأشعري معروفة

وقال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (2/ 98) :” قال الشيخ
أبو الحسن وكان الشيخ ابو حامد الإسفرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام
قال ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا الى الأشعري ويتبرؤن مما بنى
الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ
والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن على الساجي يقولون سمعنا جماعة من المشايخ
الثقات قالوا كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرايني إمام الأئمة الذي طبق
الأرض علما وأصحابا اذا سعى الى الجمعة من قطعية الكرج الى جامع المنصور يدخل الرباط
المعروف بالزوزي المحاذي للجامع ويقبل على من حضر ويقول اشهدوا على بأن القرآن كلام
الله غير مخلوق كما قاله الإمام ابن حنبل لا كما يقوله الباقلاني وتكرر ذلك منه جمعات
فقيل له في ذلك فقال حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع الخبر في أهل البلاد
أني بريء مما هم عليه يعني الأشعرية وبريء من مذهب ابي بكر بن الباقلاني فإن جماعة
من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية وقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه فإذا رجعوا
الى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم منى تعلموه قبله وأنا ما قلته وأنا
بريء من مذهب البلاقلاني وعقيدته

قال الشيخ أبو الحسن الكرجي وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني
يقول سمعت شيخنا الأمام أبا بكر الزاذقاني يقول كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرانين
وكان ينهي أصحابه عن الكلام وعن الدخول على الباقلاني فبلغه أن نفرا من أصحابه يدخلون
عليه خفية لقراءة الكم فظن أني معهم ومنهم وذكر قصة قال في آخرها إن الشيخ أبا حامد
قال لي يا بني قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل يعني الباقلاني فإياك وإياه فإنه مبتدع
يدعو الناس الى الضلالة وإلا فلا تحضر مجلسي”

والباقلاني متقدم على القشيري فهو من طبقة الدارقطني والقشيري من طبقة
تلاميذ تلاميذ الدارقطني فقد تتلمذ عند الحاكم

وقال أبو نصر السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص155 :” ومنكر
القرآن العربي وأنه كلام الله كافر بإجماع الفقهاء ومثبت قرآن لا أوّل له ولا آخر كافر
بإجماعهم، ومدعي قرآن لا لغة فيه جاهل غبي عند العرب”

وهذا هو قول الأشاعرة كلهم متقدمهم ومتأخرهم فهم يرون أن كلام الله معنى
نفسي إذا ترجم للعربية صار قرآنا وإذا ترجم للسريانية صار إنجيلاً ، وليس هو الذي بين
أيدينا بل هو شيء واحد لا تتابع فيه ولا أي سمة من سمات الحدوث

وقال السجزي في رسالته المذكورة :” ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء بقوم
يدعون أنهم من أهل الاتباع. وضررهم أكثر من ضرر (المعتزلة) وغيرهم، وهم: أبو محمد بن
كلاب

وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري.

وبعدهم: (محمد بن أبي تريد بسجستان وأبو عبد الله بن مجاهد بالبصرة.

وفي وقتنا: أبو بكر بن الباقلاني ببغداد، وأبو إسحاق الاسفرائيني

وأبو بكر بن فورك بخراسان فهؤلاء يردون على (المعتزلة) بعض أقاويلهم. ويردون
على أهل الأثر أكثر مما ردّوه على المعتزلة.

وظهر بعد هؤلاء: الكرامية، والسالمية فأتوا بمنكرات من القول.

وكلهم أئمة ضلالة يدعون الناس إلى مخالفة السنة وترك الحديث وإذا خاطبهم
من له هيبة وحشمة من أهل الاتباع قالوا: الاعتقاد ما تقولونه وإنما نتعلم الكلام لمناظرة
الخصوم. والذي يقولونه (كذب) وإنما يستترون بهذا لئلا يشنع عليهم أصحاب الحديث”

وقال الهروي في ذم الكلام 1309 – سمعت أحمد بن أبي نصر يقول:

((رأينا محمد بن الحسين السلمي يلعن الكلابية)).

والأشاعرة كلابية ومحمد بن الحسين متقدم

وقال أيضاً في ذم الكلام 1265 – أخبرنا أحمد بن محمد بن العباس بن إسماعيل
المقري، أبنا محمد بن عبد الله البيع؛ [قال]: سمعت أبا سعيد عبد الرحمن بن محمد المقرئ؛
قال: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول:

((من نظر في كتبي المصنفة في العلم ظهر له وبان أن الكلابية لعنهم الله،
كذبه فيما يحكون عني مما هو خلاف أصلي وديانتي، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف
أحدٌ في التوحيد وفي أصول العلم مثل تصنيفي؛ فالحاكي عني خلاف ما في كتبي المصنفة التي
حملت إلى الآفاق شرقاً وغرباً كذبه فسقه)).

ولا يعزب عن ذهنك أن الكلابية خير من الأشعرية فالكلابية من مرجئة الفقهاء
وأما الأشعرية فغالية في الإرجاء والأشعرية جبرية ومتأخروهم أوغلوا في التجهم

ثم إن يذهب حاتم من نصوص ابن تيمية في إرجاء الأشاعرة وأنهم على مذهب جهم
في الإيمان

قال شيخ الإسلام في الإيمان :” وإذا تدبرت حججهم وجدت دعاوى لا يقوم
عليها دليل والقاضى أبو بكر الباقلاني نصر قول جهم في مسألة الإيمان متابعة لأبي الحسن
الأشعرى وكذلك أكثر أصحابه فأما أبو العباس القلانسى وأبو على الثقفي، وأبو عبدالله
بن مجاهد شيخ القاضى أبي بكر وصاحب أبي الحسن فإنهم نصروا مذهب السلف وابن كلاب نفسه
والحسين بن الفضل البجلي ونحوهما كانوا يقولون : هو التصديق والقول جميعا موافقة لمن
قاله من فقهاء الكوفيين كحماد بن أبي سليمان، ومن اتبعه مثل أبي حنيفة وغيره .

فصل

وأبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان مع أنه نصر المشهور عن أهل
السنة من أنه يستثني في الإيمان فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله ; لأنه نصر مذهب أهل
السنة في أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة ولا يخلدون في النار”

بل نص شيخ الإسلام على أن الباقلاني قد نصر قول جهم في القدر أيضاً

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (14/ 347) :” و قد ذكر هذه
الأمور القاضي أبو بكر ابن الباقلاني و غيره ممن يقول بمثل هذه الأقوال ممن سلك مسلك
جهم بن صفوان في القدر و فى الوعيد و هؤلاء قصدوا مناقضة المعتزلة فى القدر و الوعيد

ثم إن الباقلاني بعد ذلك من المرجئة الواقفة الذين يقولون لا نجزم بأن
أحداً من أهل القبلة سيعذب ، وقد دلت النصوص أن هناك من أهل السنة من سيعذب

بل صرح شيخ الإسلام أن قول الأشاعرة في الإيمان أشنع من قول المعتزلة

قال شيخ الإسلام كما الفتاوى الكبرى (6/ 639) :” وَأَيْضًا فَأَنْتُمْ
فِي مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ قَابَلْتُمْ الْمُعْتَزِلَةَ تَقَابُلَ
التَّضَادِّ حَتَّى رَدَدْتُمْ بِدْعَتَهُمْ بِبِدَعٍ تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا،
بَلْ هِيَ مِنْ وَجْهٍ مِنْهَا وَمِنْ وَجْهٍ دُونَهَا، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ جَعَلُوا
الْإِيمَانَ اسْمًا مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَمَعْلُومٌ
أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَقَالُوا: إنَّ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ
لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا، وَقَالُوا: إنَّ الْفُسَّاقَ مُخَلَّدُونَ
فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهُمْ فِي هَذَا
الْقَوْلِ مُخَالِفُونَ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَخِلَافُهُمْ فِي الْحُكْمِ لِلسَّلَفِ،
وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمْ الْجَهْمِيَّةَ فِي الْإِرْجَاءِ وَالْجَبْرِ فَقُلْتُمْ: الْإِيمَانُ
مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ، وَهَذَا عِنْدَ
السَّلَفِ وَالْأَئِمَّة شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ. ثُمَّ إنَّكُمْ قُلْتُمْ:
إنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّارَ أَوْ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ
مِنْهُمْ فَوَقَفْتُمْ وَشَكَكْتُمْ فِي نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ
جُمْلَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ
فَإِنَّهُمْ لَا يَتَنَازَعُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَهَا مَنْ يَدْخُلُهَا
مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَأُولَئِكَ قَالُوا: لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَهَا كُلُّ فَاسِقٍ،
وَأَنْتُمْ قُلْتُمْ: لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُهَا فَاسِقٌ أَمْ لَا، فَتَقَابَلْتُمْ
فِي هَذِهِ الْبِدْعَةِ، وَقَوْلُكُمْ أَعْظَمُ بِدْعَةً مِنْ قَوْلِهِمْ، وَأَعْظَمُ
مُخَالَفَةً لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ “

فكيف يكونون من أهل السنة وهم شر من واصل بن عطاء ! وأصحاب المنزلة بين
منزلتين ولم يقل أحد من الأئمة أن أصحاب المنزلة بين منزلتين من أهل السنة قط !

وعلى هذا ما ينبغي إطلاق أن الأشاعرة خير من المعتزلة إلا في باب الصفات
وإلا فهم في باب الإيمان والقدر شر من المعتزلة فقد صرح شيخ الإسلام أن قول الجبرية
شر من قول القدرية لأن فيه تجرئة للعصاة

بل المتأمل يجد أن الكرامية أقرب إلى السنة من الأشعرية

فالكرامية يقولون المنافق مؤمن ولكنهم يقولون بخلوده في النار ، بيد ان
الأشعرية يحصرون الإيمان في القلب ويجعلون النطق باللسان شرط لإجراء الأحكام الدنيوية
فقط وإلا فهو في الآخرة عندهم في حكم المؤمن

فقولهم من ناحية المآل أشنع بكثير من قول الكرامية والخلاف معهم حقيقي

ثم أن الكرامية في قولهم ان الله جسم لا كالأجسام مع أنهم مبتدعة بهذا
القول ، فقد أثبتوا لفظاً لم يأتِ في الكتاب أو السنة نفيه ولا إثباته مع ابتداعهم
فقولهم أقرب إلى العقل والفطرة والدليل من قول الأشاعرة الذين ينفون العلو الذي دلت
عليه النصوص بل اتفق عليه المسلمون وأهل الكتاب كما قال الدارمي

فبدعة الأشعرية خصوصاً المتأخرون منهم أشنع من بدعة الكرامية

قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (6/ 253 ) :” وأظهر السلطان
محمود بن سبكتكين لعنة أهل البدع على المنابر وأظهر السنة وتناظر عنده ابن الهيصم وابن
فورك في مسألة العلو فرأى قوة كلام ابن الهيصم فرجح ذلك ويقال إنه قال لابن فورك فلو
أردت تصف المعدوم كيف كنت تصفه بأكثر من هذا أو قال فرق لي بين هذا الرب الذي تصفه
وبين المعدوم وأن ابن فورك كتب إلى أبي إسحاق الإسفراييني يطلب الجواب عن ذلك فلم يكن
الجواب إلا أنه لو كان فوق العرش للزم أن يكون جسما”

وابن الهيصم كرامي ، وما رأينا أحداً ينسب الكرامية إلى أهل السنة فكيف
بالأشعرية ، وما رأيت حسب اطلاعي القاصر أحداً كفرهم بقولهم ( جسم لا كالأجسام ) بيد
أن نفي الأشعرية للعلو كفر أكبر إنما يدفع التكفير عن المعين فيه لعارض التأويل وإلا
فالقول نفسه كفر

قال الحاكم في معرفة علوم الحديث 161 : سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول
: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول :

 من لم يقر بأن الله تعالى على
عرشه قد استوى فوق سبع سماواته ، فهو كافر بربه يستتاب ، فإن تاب ، وإلا ضربت عنقه
، وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون ، والمعاهدون بنتن ريح جيفته ، وكان
ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين ، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال صلى الله عليه
وسلم .

وقال اللالكائي في السنة :” سياق ما دل من الآيات من كتاب الله تعالى
وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين على أن القرآن تكلم الله
به على الحقيقة ، وأنه أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يتحدى به ، وأن
يدعو الناس إليه ، وأنه القرآن على الحقيقة . متلو في المحاريب ، مكتوب في المصاحف
، محفوظ في صدور الرجال ، ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن ، وهو قرآن واحد غير مخلوق
وغير مجعول ومربوب ، بل هو صفة من صفات ذاته ، لم يزل به متكلما ، ومن قال غير هذا
فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة”

والأشاعرة يقولون بالعبارة أو الحكاية على نزاع بينهم وبين الماتردية لعله
لفظي

وحاتم العوني في كتابه ( المنهج المقترح ) أقام الدنيا وما أقعدها على
تقسيم الأحاديث إلى متواتر وآحاد وزعم أن ذلك بدعة ( وهو متابع بذلك للشيخ مقبل الوادعي
) ، ثم هو هنا يصف من يردون أخبار الآحاد في العقيدة بأنهم من أهل السنة !

وقد بلغت الوقاحة في الصاوي الأشعري إلى قال في حاشيته على تفسير الجلالين
(3/9) :” الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر “

وقال أبو الحسن الآمدي في غاية المرام ص138:” واعلم أن هذه الظواهر
وإن وقع الاغترار بها بحيث يقال بمدلولاتها ظاهر من جهة الوضع اللغوى والعرف الاصطلاحى
فذلك لا محالة انخراط في سلك نظام التجسيم ودخول في طرف دائرة التشبيه وسنبين مافي
ذلك من الضلال وفي طيه من المحال إن شاء الله”

قال سعيد فودة الأشعري المعاصر في “نقض التدمرية” (ص83): فهذه
هي أصول الكفر على حسب ما وضحه الإمام السنوسي, وكلامه فيها في غاية الإتقان, وما يهمنا
الكلام عليه ههنا هو الأصل الأخير, وهو التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب
والسنة .. إلخ”

قال أبو إسماعيل الأنصاري الهروي في ذم الكلام (5/140) واصفاً حال الأشاعرة
:” وسموا الإثبات تشبيهاً فعابوا القرآن وضللوا الرسول “

قلت : إي والله لقد ضللوا الرسول إذ نسبوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما
ينزهون أنفسهم عنه من أنه قضى عمره يتكلم فيما ظاهره التجسيم والتشبيه ، وما بين للناس
الإعتقاد

قال الجويني في الإرشاد ص161 :” وأما الأحاديث التي يتمسكون بها ،
فآحاد لا تفضي إلى العلم ، ولو أضربنا عن جميعها كان سائغاً “

قلت : هذا قدر السنة عند القوم ومع ذلك يأتي من يجعلهم أهل سنة ، ولا أدري
أي سنة يقصد هذه التي لو ضرب عنها الجويني صفحاً لكان سائغاً !!

ثم إن إن حاتماً العوني دائماً ينظر إلى من يسميهم ب( الغلاة ) من أهل
السنة ولا ينظر إلى غلو الأشاعرة في التكفير

قال المقريزي في تاريخه المسمى بالمواعظ والاعتبار (3/106) :” فهذه
جملة من أصول عقيدته_ يعني الأشعري _ التي عليها الآن جماهير أهل الأمصار الإسلامية،والتي
من جهر بخلافها أريق دمه”

قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي امام الأشاعرة في وقته وصاحب كتاب المهذب
ما نصه: (فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبي
الحسن الاشعري رضي الله عنه فهو كافر. ومن نسب إليهم غير ذلك فقد كفرهم فيكون كافرا
بتكفيره لهم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما كفر رجل رجلا إلا باء
به أحدهما. .). انظر شرح اللمع له (1/ 111)

فهلا حارب هذا الغلو إن كان صادقاً !

ومجال الرد على كلامه طويل وأكتفي بهذا القدر

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم