الرد على تحريف الغلاة في الإعجاز العلمي لمعنى قوله تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتا )

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فيزعم بعض المهتمين  ب( الإعجاز
العلمي )  في القرآن الكريم _ وليس كل ابحاثهم مقبولة ولا كلها مردودة بل لا بد من الفرز _ أن الله عز وجل ذكر في كتابه العزيز الحركة التموجية
للأرض حول نفسها في قوله تعالى ( ألم نجعل الأرض كفاتا ) وفي اللغة : كفت الطائر ( أسرع
وتقلب في طيرانه )

وهذا التفسير تحريف مخالف لإجماع السلف
وللغة وسياق الآية

فقد اتفق السلف أن معنى كفاتاً ( أي تكفي
الأحياء والأموات )

قال الطبري في تفسيره : حدثني عليّ، قال: ثنا
أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله:( أَلَمْ نَجْعَلِ
الأرْضَ كِفَاتًا ) يقول: كِنًّا.

حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا
خالد، عن مسلم، عن زاذان أبي عمر، عن الربيع بن خثيم، عن عبد الله بن مسعود، أنه
وجد قملة في ثوبه، فدفنها في المسجد ثم قال:( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) .

حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا أبو معاوية،
قال: ثنا مسلم الأعور، عن زاذان، عن ربيع بن خثيم، عن عبد الله، مثله.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث،
قال: قال مجاهد في الذي يرى القملة في ثوبه وهو في المسجد، ولا أدري قال في صلاة
أم لا إن شئت فألقها، وإن شئت فوارها( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً
وَأَمْوَاتًا ).

حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك،
عن بيان، عن الشعبيّ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) قال:
بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عثمان
بن الأسود، عن مجاهد( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا ) قال: تكفت أذاهم( أحْياءً
) تواريه( وأمْوَاتًا ) يدفنون: تكفتهم.

وقد حدثني به ابن حميد مرّة أخرى، فقال: ثنا
مهران، عن سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا
) قال: تكفت أذاهم وما يخرج منهم( أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) قال: تكفتهم في
الأحياء والأموات.

حدثني محمد بن عمرو، قال: تنا أبو عاصم،
قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد( أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) قال: أحياء
يكونون فيها، قال محمد بن عمرو: يغيبون فيها ما أرادوا، وقال الحارث: ويغيبون فيها
ما أرادوا. وقوله:( أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ) قال: يدفنون فيها.

وسياق الآية يدل على هذا التفسير السلفي
قال الله تعالى ( أحياء وأمواتاً ) بعدها فبين سبحانه المراد من قوله ( كفاتا)

وأما مخالفة هذا التفسير للغة فقد اتفقوا
على أن الكفت المنسوب للأرض غير الكف المنسوب للطير فإن الكفت المنسوب للأرض فعل
متعدي والكفت المنسوب للطير فعل لازم ولكل منهما معنى

وإحداث تفسير لا يعرفه السلف يجعل المرء
مبتدعاً ودين الله لا ينصر بالبدع وتجهيل السلف

قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي :”
ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه
للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض
المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه”

وقال شيخ الإسلام في مقدمة التفسير :”
وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان
مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه”

إنما يغفر له خطؤه إذا كان أهلاً للاجتهاد
ولم يقف على تفسير السلف وفي هذه الحال لا يسمى مبتدعاً أصلاً إلا من جهة تجاسره
على الخوض في تفسير الكتاب بغير علم ومثل هذا لا يجزم بغفران غلطه

وفضل الإسلام على غيره من الأديان وظهور
نبوة النبي صلى الله عليه وسلم والحكمة البالغة في تشريعاته وأنه دين الله عز وجل
وما سواه باطل أظهر من أن يحتاج إلى تكلف متكلف 

والتفسير بالحقيقة العلمية مشروط بأن تحتمله اللغة والسياق وتكون هذه حقيقة ثابتة ولا يتناقض ذلك مع التفسير السلفي وإنما يزيد عليه زيادة فحسب 

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم