قال الشعراوي في تفسيره لقوله تعالى ( رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي
وَمَا نُعْلِنُ) :
” وبعد أن اطمأن إبراهيم- عليه السلام- أن لهذا البلد أمنًا عامًا
وأمنًا خاصًا، واطمأن على مُقوِّمات الحياة؛ وأن كل شيء من عند الله، بعد كل ذلك عاودته
المسألة التي كانت تشغله، وهي مسألة تَرْكه لهاجر وإسماعيل في هذا المكان.
وبعض المُفسِّرين قالوا: إن الضمير بالجمع في قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا
نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ…} مقصود به ما يُكِنّه من الحُبِّ لهاجر وإسماعيل، وما يُعلِنه
من الجفاء الذي يُظهِره لهما أمام سارة، وكأن المعاني النفسية عاودتْه لحظةَ أنْ بدأ
في سلام الوداع لهاجر وابنه إسماعيل”
الشاهد المنتقد قوله ( أمام سارة ) ، فظاهره أن نبي الله إبراهيم كان يظهر
الجفاء لابنه إسماعيل وأمه هاجر أمام سارة ليرضيها
وهذا افتراء على أنبياء ما قال به أحد من اهل التفسير
وأما ما روى ابن أبي حاتم في تفسيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ:” ” رَبُّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي
” ، مِنْ حب إسماعيل وأمه، ” وَمَا نُعْلِنُ ” ، قَالَ: وما نظهر مِنَ
الجفاء لهما”
فالمراد بالجفاء هنا ، تركهما بواد غير ذي زرع ولا علاقة لسارة بالأمر
بل هذا كان بأمر الله عز وجل
قال الطبري في تفسيره (17/20) : حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا يحيى
بن عباد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن
عباس ، قال : جاء نبيّ الله إبراهيم بإسماعيل وهاجر ، فوضعهما بمكة في موضع زمزم ،
فلما مضى نادته هاجر: يا إبراهيم إنما أسألك ثلاث مرات: من أمرك أن تضعني بأرض ليس
فيها ضَرْع ولا زرع ، ولا أنيس ، ولا زاد ولا ماء؟ قال: ربي أمرني ، قالت: فإنه لن
يضيِّعنا قال: فلما قفا إبراهيم قال( رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا
نُعْلِنُ ) يعني من الحزن( وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا
فِي السَّمَاءِ ) إلى آخر الحديث
وقال الطبري في تفسير هذه الآية :” فقال: ربنا إنك تعلم ما تخفي قلوبنا
عند مسألتنا ما نسألك، وفي غير ذلك من أحوالنا، وما نعلن من دعائنا، فنجهر به وغير
ذلك من أعمالنا، وما يخفى عليك يا ربنا من شيء يكون في الأرض ولا في السماء، لأن ذلك
كله ظاهر لك متجل باد، لأنك مدبره وخالقه، فكيف يخفى عليك”
وهذا الذي ذكره الشعراوي إنما أخذه من بعض تفاسير المتأخرين كالسمرقندي
ولا دليل عليه ( وإن كان السمرقندي لم يقله بهذا اللفظ )
وهذا يبين لك أن الرجل حاطب ليل لا يعتمد عليه ، مع انحراف معروف عنده
في العقيدة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم