الرد على النصراني كوركيس عواد في نسبته شرب الخمر لأنس رضي الله عنه

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال بحشل في تاريخ واسط ص64 ثنا محمد بن عبد الملك، قال: ثنا سعد بن شعبة
ابن الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بن مالك يشرب الطّلاء
على النصف.

فعلق النصراني كوركيس عواد معرفاً للطلاء بقوله :” يعني الخمر

وهذا التعريف فيه نظر ، فإن الطلاء عصير طبخ فذهب ثلثاه أو نصفه ، ومن
خصائص هذا الشراب أنه لا يسكر !

قال البخاري في صحيحه : بَاب الْبَاذَقِ وَمَنْ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ
مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَرَأَى عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلَاءِ
عَلَى الثُّلُثِ وَشَرِبَ الْبَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ اشْرَبْ الْعَصِيرَ مَا دَامَ طَرِيًّا وَقَالَ عُمَرُ وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ

قال ابن حجر في الفتح (16/ 71) :” كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْل
عُمَر ” فَإِنْ كَانَ يُسْكِر جَلَدْتهُ ” مَعَ نَقْله عَنْهُ تَجْوِيز شُرْب
الطِّلَاء عَلَى الثُّلُث ، فَكَأَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ الَّذِي
أَبَاحَهُ مَا لَمْ يُسْكِر أَصْلًا

 وَأَمَّا قَوْله ” مِنْ الْأَشْرِبَة
” فَلِأَنَّ الْآثَار الَّتِي أَوْرَدَهَا مَرْفُوعهَا وَمَوْقُوفهَا تَتَعَلَّق
بِمَا يُشْرَب .

 وَقَدْ سَبَقَ جَمْع طُرُق حَدِيث
” كُلّ مُسْكِر حَرَام ” فِي ” بَاب الْخَمْر مِنْ الْعَسَل “
.

قَوْله : ( وَرَأَى عُمَر وَأَبُو عُبَيْدَة وَمُعَاذ شُرْب الطِّلَاء
عَلَى الثُّلُث )

أَيْ رَأَوْا جَوَاز شُرْب الطِّلَاء إِذَا طُبِخَ فَصَارَ عَلَى الثُّلُث
وَنَقَصَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ ، وَذَلِكَ بَيِّن مِنْ سِيَاق أَلْفَاظ هَذِهِ الْآثَار

 فَأَمَّا أَثَر عُمَر فَأَخْرَجَهُ
مَالِك فِي ” الْمُوَطَّأ ” مِنْ طَرِيق مَحْمُود بْن لَبِيد الْأَنْصَارِيّ
” أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب حِين قَدِمَ الشَّام شَكَا إِلَيْهِ أَهْل الشَّام
وَبَاء الْأَرْض وَثِقَلهَا ، وَقَالُوا لَا يُصْلِحنَا إِلَّا هَذَا الشَّرَاب

 فَقَالَ عُمَر : اِشْرَبُوا الْعَسَل
، قَالُوا مَا يُصْلِحنَا الْعَسَل ، فَقَالَ رِجَال مِنْ أَهْل الْأَرْض : هَلْ لَك
أَنْ تَجْعَل لَك مِنْ هَذَا الشَّرَاب شَيْئًا لَا يُسْكِر ؟

 فَقَالَ : نَعَمْ فَطَبَخُوهُ
حَتَّى ذَهَب مِنْهُ ثُلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُث ، فَأَتَوْا بِهِ عُمَر فَأَدْخَلَ
فِيهِ إِصْبَعه ثُمَّ رَفَعَ يَده فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّط ، فَقَالَ : هَذَا الطِّلَاء
مِثْل طِلَاء الْإِبِل ، فَأَمَرَهُمْ عُمَر أَنْ يَشْرَبُوهُ .

وَقَالَ عُمَر : اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ
عَلَيْهِمْ “

 وَأَخْرَجَ سَعِيد بْن مَنْصُور
مِنْ طَرِيق أَبِي مِجْلَز عَنْ عَامِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : ” كَتَبَ عُمَر
إِلَى عَمَّار : أَمَّا بَعْد فَإِنَّهُ جَاءَنِي عِير تَحْمِل شَرَابًا أَسْوَد كَأَنَّهُ
طِلَاء الْإِبِل ، فَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يَطْبُخُونَهُ حَتَّى يَذْهَب ثُلُثَاهُ الْأَخْبَثَانِ
: ثُلُث بِرِيحِهِ وَثُلُث بِبَغْيِهِ . فَمُرْ مَنْ قِبَلك أَنْ يَشْرَبُوهُ

وَمِنْ طَرِيق سَعِيد بْن الْمُسَيِّب ” أَنَّ عُمَر أَحَلَّ مِنْ
الشَّرَاب مَا طُبِخَ فَذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثه “

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْخَطْمِيّ
قَالَ ” كَتَبَ عُمَر : اُطْبُخُوا شَرَابكُمْ حَتَّى يَذْهَب نَصِيب الشَّيْطَان
مِنْهُ ، فَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ اِثْنَيْنِ وَلَكُمْ وَاحِد “

 وَهَذِهِ أَسَانِيد صَحِيحَة ،
وَقَدْ أَفْصَحَ بَعْضهَا بِأَنَّ الْمَحْذُور مِنْهُ السُّكْر فَمَتَى أَسْكَرَ لَمْ
يَحِلّ

 وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِنَصِيبِ
الشَّيْطَان إِلَى مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق اِبْن سِيرِينَ فِي قِصَّة
نُوح عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ” لَمَّا رَكِبَ السَّفِينَة فَقَدَ الْحَبْلَة
فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : إِنَّ الشَّيْطَان أَخَذَهَا ثُمَّ أُحْضِرَتْ لَهُ وَمَعَهَا
الشَّيْطَان

 فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : إِنَّهُ
شَرِيكك فِيهَا فَأَحْسِنْ الشَّرِكَة ، قَالَ : لَهُ النِّصْف . قَالَ : أَحْسِنْ
. قَالَ : لَهُ الثُّلُثَانِ وَلِيَ الثُّلُث . قَالَ : أَحْسَنْت وَأَنْتَ مِحْسَان
أَنْ تَأْكُلهُ عِنَبًا وَتَشْرَبهُ عَصِيرًا ، وَمَا طُبِخَ عَلَى الثُّلُث فَهُوَ
لَك وَلِذُرِّيَّتِك ، وَمَا جَازَ عَنْ الثُّلُث فَهُوَ مِنْ نَصِيب الشَّيْطَان

 وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ وَجْه
آخَر عَنْ اِبْن سِيرِينَ عَنْ أَنَس بْن مَالِك فَذَكَرَهُ .

 وَمِثْله لَا يُقَال بِالرَّأْيِ
فَيَكُون لَهُ حُكْم الْمَرْفُوع ، وَأَغْرَبَ اِبْن حَزْم فَقَالَ : أَنَس بْن مَالِك
لَمْ يُدْرِك نُوحًا فَيَكُون مُنْقَطِعًا

 وَأَمَّا أَثَر أَبِي عُبَيْدَة
وَهُوَ اِبْن الْجَرَّاح وَمُعَاذ وَهُوَ اِبْن جَبَل فَأَخْرَجَهُ أَبُو مُسْلِم الْكَجِّيّ
وَسَعِيد بْن مَنْصُور وَابْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق قَتَادَة عَنْ أَنَس
” أَنَّ أَبَا عُبَيْدَة وَمُعَاذ بْن جَبَل وَأَبَا طَلْحَة كَانُوا يَشْرَبُونَ
مِنْ الطِّلَاء مَا طُبِخَ عَلَى الثُّلُث وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ “

وَالطِّلَاء بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَالْمَدّ هُوَ الدِّبْس شُبِّهَ بِطِلَاءِ
الْإِبِل وَهُوَ الْقَطِرَان الَّذِي يُدْهَن بِهِ ، فَإِذَا طُبِخَ عَصِير الْعِنَب
حَتَّى تَمَدَّدَ أَشْبَهَ طِلَاء الْإِبِل وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالَة غَالِبًا لَا
يُسْكِر .

 وَقَدْ وَافَقَ عُمَر وَمَنْ ذُكِرَ
مَعَهُ عَلَى الْحُكْم الْمَذْكُور أَبُو مُوسَى وَأَبُو الدَّرْدَاء أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
عَنْهُمَا ، وَعَلِيّ وَأَبُو أُمَامَةَ وَخَالِد بْن الْوَلِيد وَغَيْرهمْ أَخْرَجَهَا
اِبْن أَبِي شَيْبَة وَغَيْره

 وَمِنْ التَّابِعِينَ اِبْن الْمُسَيِّب
وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة ، وَمِنْ الْفُقَهَاء الثَّوْرِيّ وَاللَّيْث وَمَالِك وَأَحْمَد
وَالْجُمْهُور ، وَشَرْط تَنَاوُله عِنْدهمْ مَا لَمْ يُسْكِر ، وَكَرِهَهُ طَائِفَة
تَوَرُّعًا “

وفي مسائل أبي داود 1661 : سَمِعْتُ أَحْمَدَ، ” سُئِلَ عَنْ شُرْبِ
الطِّلَاءِ، إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبِقَيَ ثُلُثُهُ؟

 قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، قِيلَ
لِأَحْمَدَ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يُسْكِرُ، قَالَ: لَا يُسْكِرُ، لَوْ كَانَ
يُسْكِرُ مَا أَحَلَّهُ عُمَرُ  .

فهذا الطلاء الذي ذهب ثلثاه

وأما الذي ذهب نصفه من الطبخ الوارد ذكره عن أنس في هذا الخبر فورد في
خبر البراء وأبي جحيفة

قال ابن حجر في الفتح (16/71) :” أَمَّا أَثَر الْبَرَاء فَأَخْرَجَهُ
اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ رِوَايَة عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَب
الطِّلَاء عَلَى النِّصْف ، أَيْ إِذَا طُبِخَ فَصَارَ عَلَى النِّصْف .

 وَأَمَّا أَثَر أَبِي جُحَيْفَةَ
فَأَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة أَيْضًا مِنْ طَرِيق حُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن
قَالَ : رَأَيْت أَبَا جُحَيْفَةَ ، فَذَكَرَ مِثْله . وَوَافَقَ الْبَرَاء وَأَبُو
جُحَيْفَةَ جَرِير وَأَنَس

 وَمِنْ التَّابِعِينَ اِبْن الْحَنَفِيَّة
وَشُرَيْح ، وَأَطْبَقَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ يُسْكِر حَرُمَ .

 وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي
” الْأَشْرِبَة ” : بَلَغَنِي أَنَّ النِّصْف يُسْكِر فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ
فَهُوَ حَرَام

 وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ ذَلِكَ
يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ أَعْنَاب الْبِلَاد ، فَقَدْ قَالَ اِبْن حَزْم إِنَّهُ شَاهَدَ
مِنْ الْعَصِير مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى الثُّلُث يَنْعَقِد وَلَا يَصِير مُسْكِرًا
أَصْلًا ، وَمِنْهُ مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى النِّصْف كَذَلِكَ .

 وَمِنْهُ مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى
الرُّبْع كَذَلِكَ ، بَلْ قَالَ : إِنَّهُ شَاهَدَ مِنْهُ مَا يَصِير رُبًّا خَاثِرًا
لَا يُسْكِر .

وَمِنْهُ مَا لَوْ طُبِخَ لَا يَبْقَى غَيْر رُبْعه لَا يَخْثُر وَلَا
يَنْفَكّ السُّكْر عَنْهُ ، قَالَ : فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَل مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَة
مِنْ أَمْر الطِّلَاء عَلَى مَا لَا يُسْكِر بَعْد الطَّبْخ “

وقد عقد ابن أبي شيبة في المصنف فصلاً فيمن رأى جواز شرب الطلاء على النصف
وأورده عن جمع من الصحابة والتابعين ولا شك أن ذلك لم يكن مسكراً ، وأما ما ورد عن
بعض الصحابة في ذم شرب الطلاء فذاك يحمل على ما لم يطبخ حتى يذهب إسكاره

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 34) :” ورويت الرخصة في شرب النصف
بالطبخ من العصير

وعن البراء بن عازب وأبي جحيفة وأنس بن مالك وبن الحنفية وجرير بن عبد
الله البجلي وشريح وعبد الرحمن بن أبزى والحكم بن عيينة وقيس بن أبي حازم وأبي عبيدة
بن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي ويحيى بن دثار وسعيد بن جبير وغيرهم

ومعلوم أن أحدا منهم لا يشرب من ذلك ما يسكر لأنهم قد أجمعوا أن قليل الخمر
وكثيرها حرام “

وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (11/57) :” وفيه قول ثان: وهو
أن يذهب نصفه بالطبخ، روى أنه أجاز شربه البراء، وأبو جحيفة، وجرير، وأنس، ومن التابعين:
ابن الحنفية، وعبيدة، وشريح، والحكم بن عتيبة، والنخعى، وسعيد بن جبير، وأجازه أبو
حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، واحتجوا أنه لا يشرب أحد من الصحابة والتابعين ما يسكر؛لأنهم
مجمعون أن قليل الخمر وكثيرها حرام، وأما الذى كرهه فإنه تورع عنه”

فهذا هو الصواب في حقيقة الطلاء وحكمه ، فتمسك به ودع عنك كلام ذاك النصراني
الذي صدقه بعض الروافض الناقمين على الإسلام والمسلمين ، فاتهموا خادم رسول الله صلى
الله عليه وسلم بشرب الخمر لشدة ما يجدون ما أنفسهم على حملة سنة النبي صلى الله عليه
وسلم ، رد الله كيدهم في نحورهم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم