
خبر بئر الناقة لا يدل على التبرك لا من قريب ولا من بعيد.
أمثال الحسن البخاري إذا أطلقوا التبرك فهم يريدون التمسح الذي يقع في العادة من العامة تجاه شيوخ المتصوفة، وكذلك التمسح بالقبور والأضرحة والزوايا.
ذهب عامة أهل العلم إلى أن الوضوء من آبار الظالمين في ثمود لا يجوز، ولا يؤذن إلا بالوضوء من بئر الناقة، لأنه ليس من آبار الظالمين.
فإذا كان هذا تبركاً فإذن الوضوء بأي ماء طاهر أو مأذون به في مقابل ماء نجس أو غير مأذون به يكون تبركاً، ولا قائل بهذا.
جاء في «موسوعة أحكام الطهارة» لدبيان الدبيان: “الفرع الثاني:
في الوضوء من بئر ثمود.
قيل: لا يجوز الوضوء من بئر ثمود إلا بئر الناقة، وهو مذهب الجمهور، واختيار ابن حزم.
وقيل: يكره، وهو قول في مذهب الشافعية.
وسبب المنع أو الكراهة حديث ابن عمر، فقد روى البخاري، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس ابن عياض، عن عبيد الله، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره أن الناس نزلوا مع رسول الله ﷺ أرض ثمود الحجر، فاستقوا من بئرها، واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله ﷺ أن يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة.
واختلفوا هل ماؤها طهور أو نجس على قولين:
أحدها: أنه نجس. قال في مواهب الجليل: قال القرطبي في شرح مسلم أمره ﷺ بإراقة ما سقوا وعلف العجين للدواب حكم على ذلك الماء بالنجاسة إذ ذلك حكم ما خالطته النجاسة، أو كان نجساً ولولا نجاسة الماء لما أتلف الطعام المحترم شرعا.
وأكثرهم على أنه ماء طهور، ولا يحكم بنجاسة الماء؛ لأن الحديث ليس فيه تعرض للنجاسة، وإنما هو ماء سخط وغضب، فلم يرووا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أمرهم بغسل أوعيتهم وأيديهم منه وما أصاب ثيابهم، ولو وقع ذلك لنقل، على أنه لو نقل لما دل على النجاسة؛ لاحتمال أن يكون ذلك مبالغة في اجتناب ذلك الماء.
وبناء على هذه العلة قاسوا عليه كل ماء في أرض مغضوب على أهلها، قال في مواهب الجليل: ويلحق بها كل ماء مغضوب عليه، كماء ديار قوم لوط، وماء ديار بابل لحديث أبي داود: “أنها أرض ملعونة” وماء بئر ذروان التي وضع فيها السحر للنبي ﷺ وماء بئر برهوت، وهي بئر باليمن لحديث ابن حبان شر بئر في الأرض برهوت. وبابل: هي المذكورة في سورة البقرة، وهي بالعراق، وبئر ذروان بفتح الذال المعجمة وسكون الراء هي بالمدينة، وبئر برهوت بفتح الموحدة وسكون الراء وهي بئر عميقة بحضرموت، لا يستطاع النزول إلى قعرها، والله أعلم”.
وإذا كان استدل بالقرطبي في هذا، فما يقول في قول القرطبي في تفسير سورة الكهف: “فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز”.
إلى أن قال: “قال علماؤنا: وهذا يُحرِّم على المسلمين أن يتخذوا قبورَ الأنبياء والعلماء مساجدَ. وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» لفظ مسلم. أي لا تتخذوها قبلةً فتصلُّوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدِّي إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام”.
وأما النووي فقد قال في «المجموع»: “قال أبو موسى: وقال الفقهاء المتبحرون الخراسانيون المستحب في زيارة القبور أن يقف مستدبر القبلة مستقبلا وجه الميت يسلم ولا يمسح القبر ولا يقبله ولا يمسه فإن ذلك عادة النصارى (قال) وما ذكروه صحيح لأنه قد صح النهي عن تعظيم القبور ولأنه إذا لم يُستحب استلام الركنين الشاميين من أركان الكعبة لكونه لم يُسَنّ مع استحباب استلام الركنين الآخرَين فلأن لا يُستحب مسّ القبور أولى والله أعلم”.
وهذا أحسن من كلامه في «روضة الطالبين» في عمارة القبور، فذاك كلام مجافٍ للسنة والحق.